العدد 4062 - الأحد 20 أكتوبر 2013م الموافق 15 ذي الحجة 1434هـ

درسٌ موريتاني

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لَفَتَني هذا الخبر المنشور، في وكالة الأنباء الموريتانية «الرسمية». الخبر يقول: «عاد السيد أحمد ولد داداه زعيم المعارضة الديمقراطية مساء الخميس إلى نواكشوط، قادماً من الولايات المتحدة الأميركية، بعد المشاركة في الاجتماعات السنوية للأممية الاشتراكية الدولية التي التأمت في العاصمة الأميركية واشنطن من 07 إلى 13 أكتوبر الجاري».

ولِمَن يعرف وكالات الأنباء الرسمية، في «الكثير» من البلدان العربية «عادة» سيُدرك تلقائياً، بأن تلك الوكالات، هي مُلْكٌ عضوض لأنظمة سياسية، لا تتحدث سوى عن ذهاب الرئيس، ومجيء الرئيس، وأسرة الرئيس وأعضاء الحكومة، وللأخبار الكيدية، عن شَيطَنة المعارضين، وشتمهم وفضحهم أمام الرأي العام (فضلاً عن عدم ذكرها لنشاطات واجتماعات المعارضة ولقوى المجتمع المدني) ثم شيئاً من أخبار الزينة التافهة.

دفعني ذلك الخبر لأن أتوسع قليلاً في أوضاع هذا البلد. فوجَدتُ، أن زعيم المعارضة في موريتانيا، يزور مناطق مختلفة في بلاده حين تُنكَب بسيول أو فيضانات (مقاطعتي السبخة والميناء مثالاً) حيث يطلع على أوضاع المواطنين المتضررين هناك سكناً ومأكلاً ومشرباً وملبساً، ويتضامن معهم، ويستمع لشكواهم عن «تقصير السلطات العمومية» تجاههم، ثم يُعطي «رأيَ دولة» فيما يجري، وكأنه رئيس منهم ينتمي لمأساتهم.

أيضاً، وجدت أنه كان هناك لقاء مرتقب، ما بين «الرئيس الموريتاني» و»زعيم المعارضة الموريتانية» في القصر الرئاسي، للتباحث حول مستجدات «الساحة السياسية». ثم علمتُ أن الرئيس هو مَنْ طَلَبَ ذلك اللقاء من المعارضة، وتناولته الصحف المحلية الموريتانية! ثم تتوالى الأنباء المشابهة، في وزنها وزاويتها، وكأن المعارضة الموريتانية بمثابة حكومة ظل في كيان الدولة الموريتانية، ومُعتَرَف بها وبشرعيتها السياسية.

والحقيقة، أن ذلك، أمر يبعث على الفخر، أن يحصل في بلدٍ عربي كموريتانيا. نعم، ربما لم يُسعِف ذلك البلد، أن تكون أرضه نفطية كما هو في بلدان أخرى، أو أن يتحاشى من أن لا يضربه الجفاف، وأن لا تغزوه جائحةٌ بعد أخرى من الجراد، وأن لا يشهد اضطرابات اجتماعية موروثة، وأن لا يحتضن مخيمات اللاجئين الماليين ومآسي الأزواد في الشرق، وإلاَّ لكان لذلك البلد شأن كبير، في السياسة والاقتصاد والاجتماع كذلك. ورغم ذلك، فهو يعطينا اليوم درساً في الانفتاح السياسي والاعتدال في الداخل، دون أن يُعطى في ذلك صكاً مفتوحاً حتماً.

بكل تأكيد، فالنشاط السياسي هو ليس حالة «ديكوريَّة». كما أن الدول ليست مجرَّد ثراء، ولا ثروات وطنية، وهي لا تَلِجُ عالم الحكم الرشيد بدخولها في موسوعة غينيس للأرقام «السياسية» عبر توزير أول امرأة/ أول قاضية/ أول سفيرة، ولا عبر الأرقام «الترفيَّة»، كإنجاز أكبر وعاء فول في العالم/ أكبر صحن رز/ أكبر طبق حلوى. كما أن الدول لا تُبنَى عبر الرقص برؤية وجهها «الهِر» على أنه «أسد» من خلال كذب حملات العلاقات العامة.

فخر الدول، هو باتساعها لجميع أبناء الشعب، بل هو أمانها الحقيقي. المطرودون من الدولة، يتحوَّلون إلى حِرَاب، تنتظر لحظة غرزها في الخُصُور. وإلى ألسن تلهج بالعداء، وبآمال للمكلومين، قد تأتي ساعة يُنُوعها، فتصبح مشاريع مناهضة، قد تكون لها سطوة الغَلَبَة. الطرد والإزاحة هي مشاريع الدول الفاشلة، التي تعتقد بالحلول الأمنية، كأنها لا تقرأ التاريخ ولا التجارب، منذ ما قبل الميلاد وحتى هذه الألفية.

الدول المتسلطة، وأنظمتها الأوليغارشية، تستطيع أن تصنع لها برلماناً يُجيد هَزْهَزَة الرأس، وأن تنتِج لها صحافة تدليسية صفراء، وتقيم حريات عامة مخنوقة بمواد القانون، وأن تأتي برجال دين، وبكُتَّاب يصدحون بالغناء لها. لكن القضية أن تقدُّم الدولة ليس في كل ذلك الديكور والتزييف، بل في البناء الأساس، الذي يسبق الديكورات، وأسماك الزينة. إنه شكلٌ زائف للدولة. والدليل، أنها لا تتمتع بالأمان السياسي إلا لماماً.

في كل مرَّة نتهكَّم من الذين يرفعون شعاراً يعتقدون أنه «حُجَّة دامغة» وهم يُدافعون عن نظام سياسي فاشل/ قمعي/ طائفي، ونعيده اليوم. يقولون في النيل من معارضيهم السياسيين: حتى الغرب لا يقبل بهذه الأفعال ولا بهذه الشعارات التي ترفعونها، ولا بهذه التصريحات أن تقولونها على بلدكم! نعم صحيح، ولكن المقاربة هنا فاشلة، لأنها غير متكافئة بالمطلق، كَوْن الشرعية السياسية لأنظمة الغرب راسخة بالتداول.

أعطني نظاماً سياسياً شبيهاً بالغرب فيه فصلٌ للسلطات، وفيه تداولٌ لها، وفيه حمايةٌ للثروة الوطنية العامة حتى من كوبونات البنزين التي يستخدمها الوزراء، وفيه قانونٌ مُعرَّفٌ بلوائح تفسيرية غير منحازة، ثم افعل ما شئت بالمتجاوزين، تصريحاً وفعلاً. هذه هي المعادلة الصحيحة. أما أنك تدَّعي بأنك تفعل مثلما تفعله الدول الغربية في عدم موافقتها لما يفعله بعض السياسيين، وأنت تقيم نظاماً طائفياً وقمعياً فهذا هراء.

إذاً، القضية هي وفق هذه المعادلة الطردية: نظام سياسي عادل/ رشيد/ متدَاوَلة زواياه = معارضة متصالحة مع النموذج. في الحالة الأخرى، فإن وجود نظام سياسي قمعي/ طائفي/ تمييزي = معارضة متخاصمة مع النموذج، أي أن المعادلة تصبح عكسية هنا. وهذا بالضبط ما يجب أن يُفهَم في القراءات السياسية، وليس خلط الحابل بالنابل.

في كل الأحوال، فإن غاية القصد من كل ذلك، هو الإشارة إلى ضرورات الانفتاح السياسي على الجميع في الداخل، دون اللجوء إلى العصا، حرصاً على ضم الجميع واحترام الخيارات المختلفة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4062 - الأحد 20 أكتوبر 2013م الموافق 15 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 7:50 ص

      موريتانيا مفتاح السياسة العربية

      موريتانيا بأقصي شمال الافريقي تعطي دروسا سياسة للعرب تحياتي

    • زائر 10 | 4:49 م

      متابع

      نرجوا من الكاتب القدير أن يكتب لنا مقالات تتناول الأمور التالية : 1- قضية النفط الصخري في أمريكا و تأثيرها على امريكا اقتصاديا و على علاقاتها الاقتصادية و السياسية مع العالم و الدول النفطية بالأخص ، وأخص من ذلك الخليج ( هل صحيح أنها ستتخلى عن الخليج قريبا بسبب ذلك ؟ ) ...... 2- سوريا : الواقع الميداني ، أين تسيطر المعارضة تحديدا و أين يسيطر النظام ؟ بغض النظر عن التهويل الاعلامي لكلا الطرفين ، و أيضا من يتقدم الآن عسكريا و سياسيا ؟ أم أن الوضع شبه ثابت ؟

    • زائر 8 | 5:43 ص

      محمد سيدي

      جميل أن يلفت الآخر نظرنا إلى وجود ما يستحق الإشادة في بلدنا..
      وأن هناك من يرى في موريتانيا جانبا إيجابيا (دون الدخول في تفاصيل قد تغير وجهة نظره)
      مقال يستحق القراءة

    • زائر 7 | 2:33 ص

      أمريكا وقيادة العالم الى هاويه إقتصاديه بدون نقد!

      ليس بسر أن الإستهلاك زاد كما زادة كثافة البشر – يعني التعداد السكاني معدله أكبر أو أعلى من المعدل الطبيعي أو المتوازن والمتزن. وهذه كارثه صنعتها أمريكا ودول الغرب المتوحش كما صنعت القنابل والأسلحه للبيع على شعوب المنطقه كما شعوب قارة أقريقيا. يعني يصنعون الفتن من أجل بيع أسلحه والحصول على المال من تجارة الأسلحه. يعني من السبب الشعوب أو من باع الأسلحه ومن إشترى الأسلحه للقتل؟

    • زائر 6 | 2:30 ص

      بالضبط كا ستبدال الخيام بالشاهقات

      والهجن بالفارهات لكن عقلية الصحراء القاحلة الخشبية الجامدة ، ما كو فائدة شكرا للقلم الحر المتجدد المنفتح .

    • زائر 5 | 1:29 ص

      في الصميم

      سلمت أناملك أستاذ محمد على مقالك الذي يوضح المعنى الحقيقي الى الديمقراطية من دولة قريبة لنا واقل تطوراً. إذ ان البعض عندما تكلمه عن الديمقراطية الغربية يقول انها مرت بمراحل عبر مئات السنين. والديمقراطية في مورتانيا ليست كاملة خصوصاً مع وجود مجتمع قبلي يجوز وجود العبيد والجواري ولكن ما وضحته نقطة فارقة تستحق النظر إليها بفخر.

    • زائر 9 زائر 5 | 10:12 ص

      العبودية في موريتانيا كذبة اختلقتها منظمات ماسونية " إيرا "

      ومن أخبرك أخي الكريم أن في موريتانيا عبيد وجوار؟ لقد كان هذا في الماضي أما الآن فلا وجود لهذا إلا في دعايات لمنظمات صهيونية تريد أن تفرق بين أبناء الشعب العرب البيض والسمر

    • زائر 4 | 1:28 ص

      حقاً متميز

      سلم قلمك أخي، ندعو الله أن يستفاد من الدرس.

    • زائر 1 | 11:30 م

      متميز

      مقال متميز اخ محمد

اقرأ ايضاً