في ختام عطلة عيد الأضحى المبارك، استضافت «الوفاق» مساء الجمعة، أمسيةً شعريةً باسم «الرياحين»، حضرها عددٌ من المهتمين بالحراك السياسي والشأن العام.

الأمسية شارك فيها ثلاثة شعراء (علي غريب، علي البقالي ومحمد الغريفي)، وثلاث شاعرات (جميلة المرخي، إيمان دعبل وآيات القرمزي)، وكلهم من جيل الشباب.

عنوان الأمسية استلهم من آيات القرآن الكريم التي تتحدّث عن «روح وريحان وجنة نعيم»، وتذكيراً بالحديث النبوي الشريف «المرأة ريحانةٌ وليست قهرمانة». أما الهدف فهو التضامن مع النساء المعتقلات، وبعضهن حُكم عليهن بالسجن. وكان من باب الصدفة أني قبل ساعةٍ من الذهاب للأمسية تلقيت وصلةً من أحد القراء، لتسجيلٍ مصوّرٍ على اليوتيوب تتحدّث فيه الممرضة البحرينية الشابة حليمة الصباغ، بعد قضاء سنة في السجن، حيث اعتقلت لأول مرة في يناير 2012 لثلاثة أسابيع، بتهمة أخذ أدوية لمعالجة الجرحى والمصابين، ثم قُدّمت للمحاكمة في 18 سبتمبر 2012.

حليمة لم تكن حالةً فرديةً، فهناك 250 معتقلة منذ 2011، وهو عددٌ كبيرٌ جداً نسبةً لعدد السكان، من بينهن أسماء نسائية عديدة تناقلتها وكالات الأنباء وتبنت المنظمات الحقوقية قضاياهن، من هؤلاء جليلة السلمان (نائبة رئيس جمعية المعلمين البحرينية)، ورولا الصفار (رئيسة جمعية التمريض البحرينية)، وخديجة سعيد المعلّمة التي اعتقلت وعُذّبت بعد خدمة ربع قرن في مجال التربية والتعليم. وهناك أسماءٌ أخرى برزت على سطح الحراك السياسي، طبيبات وصحافيات وإعلاميات ونقابيات وناشطات وحقوقيات، مثل زينب الخواجة ونزيهة سعيد، وآخر القائمة ريحانة الموسوي ونفيسة العصفور.

اعتقال النساء كان ظاهرةً ملفتةً للمراقبين السياسيين الذين كانوا يتابعون أحداث الربيع العربي، إذ لم تتعرّض النساء للاعتقال على نطاقٍ واسعٍ كما حدث في البحرين، ليس فقط على مستوى الاعتقال، بل من وقعن ضحيةً للفصل من العمل أو الدراسة أو المحاكمة أو سوء المعاملة وانتهاك حقوق الانسان، في المنزل أو الشارع.

في الأمسية الشعرية، غلبت الحماسة على الأشعار الرجالية، مع نبرة غضب واضحة، انعكست على ملامح الوجوه. أما في الأشعار النسائية، فغلب اللوم والتقريع والتذكير بقيم الرجولة والمروءة والشجاعة العربية التي تتناقض مع التعرّض بالسوء للمرأة. ولا ننسى أننا في مجتمع عربي مسلم محافظ، ينظر لمن يهين المرأة نظرة استصغارٍ واحتقارٍ شديدين، حتى على مستوى السلوك الاجتماعي.

في هذه الأمسية، لم تكن طريقة إلقاء الأشعار صارخةً، بل كان بعضها هادئاً وديعاً، خصوصاً من جانب الشاعرات، لكن كلماتهن كانت جارحةً، تخاطب العقل وتستفز المشاعر، وتشكّك في الرجولة التي تمتد بالأذى إلى النساء. لقد كانت تطرح مفاهيم تم استباحتها والاستهانة بها، خصوصاً فيما يتعلق بمبادئ البطولة وأخلاق الرجال. هذه الثقافة العربية الإسلامية التي تربّت عليها أجيالٌ، تم إنزالها من عليائها ودِيست باستهتارٍ في حمأة الهياج والتحشيد والاستعداء الطائفي. والمجتمع الذي كان يهتم بصون جانب المرأة، وقف بعض أبنائه يصفّقون لما ينالها من معاناةٍ، أو انتهاكٍ للستر وتعريةٍ من اللباس.

في نهاية الأمسية، وقفت طفلةٌ في العاشرة، تقول إنها تريد أن تُهدي معلمتها المعتقلة سابقاً قبلةً... توجّهت ناحيتها واحتضنتها وقبّلتها تقديراً لبقية الرياحين.