العدد 4060 - الجمعة 18 أكتوبر 2013م الموافق 13 ذي الحجة 1434هـ

رسالة وزير المعارف الدنماركي للبحرين العام 1954

المنامة - محمد حميد السلمان 

18 أكتوبر 2013

وثيقة الأسبوع عبارة عن رسالة رسمية كتبها وزير معارف الدنمارك العام 1954 (يوليوس بومهولت - Bomholt Julius) إلى مسئول معارف البحرين آنذاك (الشيخ عبدالله بن عيسي آل خليفة) وقد وصفته الرسالة بوزير معارف البحرين، مع أن مصطلح الوزارات لم يكن قد استحدث بعد في النظام الإداري البحريني زمن المستشار بلغريف. وللأسف لا توضح الرسالة تاريخ تدوينها تماماً كما يحدث للرسائل العربية التي نستعرضها عادة هنا.

وسبب إرسال تلك الرسالة هي حضارة دلمون القديمة التي بقيت مطمورة تحت الرمال، وبالذات في البحرين كمركز لها، حتى الخمسينات من القرن العشرين. هذه الحضارة التي شغفت بها البعثات الأوروبية في وقت متأخر فشدت الرحال إليها لاكتشاف أسرارها. تلك الحضارة التي جاء ذكرها في أقدم كتابات شهدها العالم بالحروف المسمارية على ألواح طين بلاد الرافدين قبل نحو 4000 سنة قبل الميلاد. فهي تلك الأرض الواقعة في أعالي البحار، والمكان الذي تُشرق منه الشمس، وليس الغازات الخانقة، هي أرض الخلود والجنة التي زُرعت في الشرق من عدن، كما يعتقد أصحاب الحضارات، حيث شد إليها «جلجامش» الرحال باحثاً عن الملك «اوتونابشتم» بعد أن تاه في البحار الجنوبية للعراق، وكذلك للبحث عن سر الخلود في مياهها. ولم ينسَ التاريخ القديم أهل دلمون العظماء، حتى اليوم، حين ذكرت ألواح بلاد الرافدين بأن تجارها صبورون ومكافحون وهم دائماً يخوضون عباب البحار حاملين معهم في سفنهم المواد، النادرة والثمينة من جميع الأصناف، البحرينية وغيرها، من البلدان البعيدة إلى مدن العراق القديمة.

ونص وثيقتنا الرسالة يقول:

«حضرة صاحب السمو الشيخ عبدالله بن عيسي آل خليفة

وزير معارف البحرين

بعد التحية وفائق الاحترام.

لقد كان سروري عظيماً ازاء العطف الذي ابداه حضرة صاحب العظمة نحو بلادنا اذ تكرم وسمح لأفراد البعثة الموفدة من قبل معهد الآثار بجامعة «آرهوس» بالقيام بمهمة التنقيب عن الآثار في البحرين الامر الذي كان له الفضل الاول في تحقيق المهمة التي انتدبت البعثة من اجلها.

وعليه فاني لا يسعني الا ان اتقدم لسموكم - بالنيابة عن حكومة الدانيمارك - بخالص تحياتي وعظيم تشكراتي لما اظهرتموه من شعور صادق في هذا السبيل. كما وان لي وطيد الأمل في ان يتوثق التعاون المشترك المفيد بين معهد الآثار بجامعة «آرهوس» وبين حكومة حضرة صاحب العظمة.

المخلص لسعادتكم

يوليوس بومهولت - وزير المعارف»

يذكر أن بداية عمل البعثات الدنماركية في البحرين كان بتاريخ الخامس من شهر ديسمبر/ كانون الأول للعام 1953، واستمر الموسم الأول لتلك البعثة حتى تاريخ الثاني من شهر مايو/ أيار للعام 1954.

وأول من بدأ العمل بها من الدنماركيين هما «ب. ف. غلوب»، وصديقه «ت. ج. بيبي» مفتش متحف ما قبل التاريخ في مدينة آرهوس الدنماركية، حيث بدآ العمل سوياً في العام 1953 في أول بعثة آثار دانماركية تزور البحرين لهذا الغرض. وكان «بيبي» قد عمل في الفترة ما بين 1947 و1950 في شركة نفط البحرين، لاحظ خلال خلالها أن وجود نحو 100.000 قبر في جزيرة صغيرة مثل البحرين يعني أنها تمثل أكبر مقبرة في العالم. ولم يكن أحد يعلم عن هذه المقبرة شيئاً، ولم تهتم الدولة ولا حكومة بلغريف بهذه الآثار بعد. ومن حينها بدأ العمل بالتنقيب في جزر البحرين وحولها عن سر حضارة دلمون وقبورها المنتشرة فيها.

وكان الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة قد تبرع بمبلغ 1000 جنيه إسترليني للبعثة الدانماركية خلال الموسم الأول من عملها في المقابر التاريخية في البلاد.

أما جامعة آرهوس الحكومية، وتُلفظ في الدانمارك (Aarhus Universitet)، التي جاء منها وفد المعهد، فقد تأسست العام 1928 بمدينة تحمل الاسم نفسه وسط الدنمارك. ويبلغ عدد طلبتها 38.000 مع أن عدد سكان المدينة نحو 300.000 نسمة. ويعود أصل اسم آرهوس إلى كلمة «آروس» الأيسلندية القديمة وهي تعني «فم النهر» أو «منبع النهر». كما تضم آرهوس الكثير من المواقع التراثية التاريخية لعدة عصور، ومتحف «آرهوس» المعروف الذي عمل به «ب. ف. غلوب» قبل حضوره للبحرين، بجانب العديد من المتاحف الثقافية والفنية المشهورة.

ولم يكن «غلوب وبيبي» هما الوحيدان اللذان قاما بالتنقيب عن آثار دلمون المطمورة تحت سطح الجزيرة؛ بل شاركهما أكثر من 30 آثارياً دانماركياً من معهد «آرهوس» الذي ذكرته الرسالة، وعدد من العمال والمنقبين البحرينيين.

وقد استبشر وزير المعارف الدنماركي (بومهولت) بعمل البعثة، ولذا أرسل تلك الرسالة. فقد اكتشفت تلك البعثة بعد وقت قصير من بدء التنقيب، بقيادة «غلوب وبيبي»، أن البحرين هي أكثر من مجرد مقبرة لدفن الموتى، بل كانت جزيرة آهلة بالسكان منذ آلاف السنين، وهي الوطن الأم لدلمون القديمة ذات الحضارة العظيمة، والتي تحكمت بتجارة الخليج بين موانئ وادي الرافدين العظيمة وسواحل الهند الغربية منذ نحو 2000 سنة قبل الميلاد.

العدد 4060 - الجمعة 18 أكتوبر 2013م الموافق 13 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً