أن تبحث عن النور في وسط العتمة... تلك هي الثيمة التي اعتمدها الفنان التشكيلي زهير السعيد في آخر معارضه المقامة في البارح للفن المعاصر تحت عنوان «كن إيجابياً». المعرض الشخصي للسعيد يستمر حتى 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، وكان قد افتتح مساء 6 أكتوبر 2013 تحت رعاية وكيل وزارة الداخلية لشئون الهجرة والجوازات الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة.
عبارة للكاتب الأميركي وليام آرثر وارد، تشبه الثيمة التي قدم المعرض على أساسها، ولا تختلف كثيراً عن روح الفنان السعيد ومعرضه، تطالعك حال دخولك صالة العرض الرئيسية في البارح. تقول العبارة «إن أبواب الإنجازات تتسع لذلك الشخص الذي يرى في الأشياء التافهة إمكانيات غير محدودة».
الأشياء التافهة هنا في معرض السعيد، لم تعد كذلك في عين الفنان. لم تكن سوى خامات ومواد مهملة، قطع أخشاب مكسورة وجذوع أشجار وقطع ورق مقوى «كرتون». جمع زهير بعضها كما أشار من وسط الطرقات ثم شكل منها لوحات معبرة جريئة ومعرضاً فنياً مميزاً.
يقول السعيد «إحدى لوحاتي لم تكن سوى جذع شجرة وجدته ملقى في منتصف الطريق، قطعته إلى نصفين وشكلت منه عملاً فنياً. لوحات أخرى استخدمت فيها ورق «كرتون»».
امتثل السعيد العبارة التي تستقبل زوار معرضه، فدرس إمكانات تلك المواد والأشياء «التافهة»، المخلفات والمواد المهملة. إمكاناتها بالفعل كانت غير محدودة، مكنته من تشكيل 32 لوحة فنية أبهرت حاضري معرضه وصنعت معرضاً هو غاية في البلاغة في إيصال رسالة مجتمعية إنسانية في شكل فني راقٍ.
وهو يؤكد ذلك ويقول «جمعت أشياء لا قيمة لها لكني منحتها حياة. تلك هي فكرة معرضي وثيمته أن أخلق من اللاشيء شيئاً ومن العدم حياة».
تُعرف الأشياء بأضدادها
يقول السعيد «فكرة المعرض مستوحاة من كلمات الشاعر السوري أدونيس التي يقول فيها «تقول العالم ظلام، لكن انظر حولك ألا ترى كيفما اتجهت، إن هذا الظلام مليء بالنور؟ فليست المسألة في رؤية الظلام، المسألة هي في اكتشاف النور».
تشمل الأعمال معروضات على الكانفس والورق وبعض لوحاته مكونة من أجزاء من قطع خشبية قديمة. الإنجازات فيها لم تشمل فقط قدرة الفنان على تحويلها إلى معرض فني مميز، لكن إبداعات زهير تجاوزت ذلك لجعل لوحة مكسورة الطرف أو مثقوبة في منتصفها توصل الرسالة ذاتها وتبرز ذات الثيمة وبالأثر نفسه وبالبلاغة ذاتها.
يقول السعيد «هذه اللوحات هي استنطاق للأمل، فتحاتها دعوة للنظر عبر السواد والظلام للنور القادم».
ويواصل «هذا الدمار والخراب الذي أقدمه في لوحات مكسورة وأخرى مثقوبة، أكسره بلون يمتلئ أملاً. أريد أن أقول إن النور قادم. خلقت الحياة في نور وظلام، السماء لو لم تكن داكنة ما عرفنا سر بريق النجوم، ورغم عتمة الليل وظلام الواقع هناك دائماً أمل. هكذا هي الحياة بهذا التوازن، فلولا وجود الظلام لم نعرف قيمة النور، علينا أن نتفاءل دائماً فالحياة أمل ومن فقد الأمل فقد الحياة».
«هناك شد وجذب في لوحاتي، هناك خراب لكن هناك نوافذ على الأمل. النور يخترق الظلام شيئاً فشيئاً. في كل لوحاتي يطغي البياض على السواد وتبدأ الخضرة في الظهور والانتشار».
لنكن إيجابيين
قدم السعيد بعض لوحاته تحت عناوين مثل «نور1 و2 و3» و «علينا إحياء الأمل» و «البحث» و «الأمل»، و «شعاع»، و «الرحلة إلى النور»، وصولاً إلى آخر لوحات المعرض التي أطلق عليها «بي بلس +B».
رتب السعيد لوحاته تماماً كما تخيل رحلة النور لغزو السواد، كدخول البياض إلى حياتنا. تبدأ تجوالك المعرض بلوحات يغلب عليها السواد، مكسورة من جوانبها أو مثقوبة في وسطها ينتشر فيها الخراب. يبدأ البياض بالتسلل إليها تدريجياً. يختلط مع السواد، يتخلله، ينتشر فيه شيئاً فشيئاً. تتسلل الخضرة في الأثناء حتى يعم البياض والنور، وألوان الفرح والبهجة. في بعض اللوحات نشاهد أشباح شخوص مكسورة حزينة مطأطأ الرؤوس يحيطها سواد يتشح بالبياض. يبدون وكأنهم في رحلة بحث عن النور والأمل والحياة.
يختتم الزائر المعرض بلوحة «بي بلس + B» التي يقول السعيد إنها «تشكل خلاصة المعرض. هي النور الذي يأتي بعد الظلام، كلها أمل وحياة، هنا وصلت للنور، انتهى السواد من لوحاتي».
يقول السعيد أخيراً «علينا أن نتعلم كيفية البقاء إيجابيين، لأن الحياة تعتمد على الأمل، أولئك الذين يفقدون الأمل في الحياة سوف لن يكونوا أشخاصاً كاملين».
يشار إلى أن هذا المعرض يعد ثاني معرض شخصي للفنان زهير السعيد بعد معرضه الشخصي الأول «عند ما يتكلم اللون» الذي أقيم في كاسا ديل آرت غاليري البحرين عام 2009. وكان السعيد قد فاز بجائزة مبادرة حلم زين للابتكار التي طرحتها شركة زين عام 2008.
العدد 4060 - الجمعة 18 أكتوبر 2013م الموافق 13 ذي الحجة 1434هـ