لحظات نفقد فيها من نحب، وقد نتألم لما حل بهم من أذى، فأنفاسهم الغالية تمنيناها دائماً زفيراً يتبعه شهيق، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فهناك القضاء الإلهي الذي لا اعتراض عليه، وهناك السرعة القاتلة.

بين القضاء والقدر والسرعة، تزايدت الحوادث بشكل ملفت في الآونة الأخيرة على طرقاتنا، فخطفت الحوادث منا أرواحاً، ومن دون سابق إنذار. فما لبثنا أن تلطف بنا نعمة النسيان ولو قليلاً بعد حادث خليل إبراهيم، الذي توفي يوم الأحد (2 يونيو/ حزيران 2013) في طريقه للعمل بالقرب من ميناء سلمان بمنطقة الحد، حتى فجعنا بحادث كوبري السيف يوم الخميس (20 يونيو 2013) والذي توفيت على إثره فتاتان في حادث بليغ بين عدد من السيارات على شارع الشيخ سلمان. فما حمل لنا شهر يونيو إلا غياب ثلاثة أشخاص في مقتبل العمر، بحوادث تفجع قلوب سامعيها.

وبعيداً عن الأسباب المؤدية لهذين الحادثين، واقتراباً من الأسباب العامة والبديهية لأي حادث، والتي تعود في مجملها للسرعة الكبيرة أثناء القيادة أو عدم الالتزام بالقواعد المرورية أو الانشغال بالهاتف النقال الذي أصبح لا يفارق الناس في أي وقت، وفي أي مكان، فهم للأسف لا يستطيعون الانتظار حتى التوقف للاطلاع على محادثات «الوتس اب» أو فتح التعليقات في «الفيسبوك». ما قد يؤدي لحادث يتسبب في الوفاة أو في إعاقة جسدية دائمة أو مؤقتة، إلى جانب الصدمات النفسية التي قد تحرمهم القيادة طوال حياتهم. فهل حوادث الطرق في البحرين سرعة أم قضاء وقدر؟

انهار علينا حائط... وصديقتي شعرت بوفاتها

تقول زينب كاظم (40 سنة): «اعتدنا الذهاب للعمل في حافلة خاصة، وفي أحد الأيام أرادت صديقتي الذهاب مع أختها واصطحبتنا معها، وفي الطريق أحست صديقتي بالعطش وكأنها تشعر باقتراب موتها، وتوقفنا لشراء الماء وبعض المشروبات، لنواصل طريقنا بالقرب من مدينة زايد التي كانت لاتزال قيد الإنشاء. فجأة أحسسنا بشيء لم نعِ ما هو!؟ صدم مركبتنا. ففقدنا الوعي بعد أن انقلبت السيارة، وانهار فوقنا الحائط الذي بجانبنا، صديقتي توفيت قبل أن تنقل إلى المستشفى، ونقلت أنا إلى مجمع السلمانية الطبي بحالة حرجة مصابة بكسر في الحوض، ورضوض في كل أنحاء جسمي، وإصابة في العين نجمت من غطاء علبة المشروب الغازي الذي جرحها، وكذلك صديقتي الأخرى».

7 حوادث في 5 سنوات

من جانبه، (أ . ح)، الذي تعرض لما يقارب سبعة حوادث تتفاوت بين البسيطة والبليغة خلال خمس سنوات، يرى أن لا سبب معيناً للحوادث، حيث إن الحوادث التي تعرض لها كانت أغلبيتها بسبب قلة الانتباه من كلا السائقين، خاتماً حديثة بقوله: «إن أسباب الحوادث تعود إلى قلة الانتباه، والحل يتمثل في الانتباه فقط».

2179 مخالفة سرعة خلال أسبوع

مدير إدارة الثقافة المرورية في الإدارة العامة للمرور المقدم موسى عيسى الدوسري في تصريحاته لصحف يومية بحرينية بتاريخ (7 أكتوبر 2013) تحدث عن «ضبط 2179 مخالفة سرعة خلال أسبوع واحد كان منها نسبة 45 في المئة ارتكبت على جسر السيف، والتي تعود إلى عدم التزام السائق بالقواعد المرورية مثل السرعة التي تكون سبباً لأكثر حوادث الوفيات والإصابات البليغة لعدم تمكن السائق من السيطرة على المركبة، مؤكداً في الوقت نفسه أن الإدارة العامة للمرور تسعى لإيجاد حلول مرورية للحد من الانتهاكات عن طريق التثقيف المروري وتوعية السائقين عبر الحملات التوعوية التي تستهدف كل الأعمار في كل محافظات مملكة البحرين».

إعطاء الأجانب رخصة بعد 6 سنوات

وأوضح رجل المرور في مدرسة تدريب القيادة رضي مهدي (خبرة 30 سنة)، أن هناك عدة عوامل تساهم في زيادة الحوادث منها زيادة السرعة، وقلة الخبرة وكثرة المركبات. ومن وجهة نظره فإن الحل للتقليل من الحوادث أخذ الإجراءات المرورية الصارمة، وتأخير العمر القانوني إلى تدريب القيادة، وعدم إعطاء الأجانب الجدد رخصة قيادة إلا بعد 6 سنوات من إقامتهم في مملكة البحرين.

عدم احترام اللوائح المرورية

ويؤكد مدرب القيادة عبدالجليل عبدالرضا من منطقة عالي (خبرة تدريب 33 سنة)، أن أسباب زيادة الحوادث تعود إلى سرعة السائق وتجاهله إلى قواعد وأنظمة المرور، ويليها المشكلات المتعلقة بالمركبة مثل عدم سلامة فراملها أو عجلاتها. وبرأيه أن الإدارة العامة للمرور غير مقصرة في اتخاذ الإجراءات الضرورية للتقليل من هذه الحوادث، منها وضع الكاميرات والدورات المرورية في الطرق، والحملات التثقيفية للسائق. وبالتالي المسئولية تكون على عاتق السائق.

ويوافق مدرب القيادة حسن جوهر من منطقة باربار (خبرة تدريب 9 سنوات) المدرب عبدالجليل عبدالرضا في أن أسباب الحوادث تعود إلى عدم التزام السائق بالقواعد المرورية مثل القيادة بسرعة غير قانونية، وعدم احترام اللوحات المرورية مثل لوحة «قف» التي يتطلب من السائق الوقوف 3 ثوانٍ للتأكد من عدم وجود أية مركبة ليواصل القيادة. ويرى أيضاً أن الإدارة العامة للمرور اتخذت كل الإجراءات اللازمة للتقليل من الحوادث، إلا أن المسئولية توضع على عاتق السائق نفسه.

فقدان الوعي أثناء القيادة

وصرحت مصادر طبية عن توارد حالات تعرضت لإصابات بليغة نتيجة حوادث سرعة كان أصحابها تحت تأثير الكحول أو المخدرات. فيما أكدت مصادر أخرى أن تلك الحالات غالباً ما تكون من الأجانب القاطنين في البحرين مع نسبة من البحرينيين، حيث يتطلب علاجهم فترة طويلة تبدأ من الشهور حتى السنوات ما يؤدي لإصابة البعض بإعاقات جسدية مؤقتة أو دائمة.

بالإضافة إلى أن معظم الحوادث التي تصل للمستشفى تعود أسبابها إلى عدم انتباه السائق أثناء قيادة المركبة، تجاهل اللوائح المرورية، القيادة بسرعة عالية، شرب الكحول (المسكر)، والنوبات المرضية المفاجأة أثناء القيادة. كما أن الإصابات اليومية لهذه الحوادث تكون متوسطة وأحياناً بليغة، وذلك بشكل يومي متزايد في الآونة الأخيرة. وتلفت المصادر الطبية إلى أن حلول هذه الحوادث مرتبطة بإعادة النظر للأسباب.

وإجمالا، يتضح لنا أن ارتفاع نسبة الحوادث في البحرين يجمع الكثيرون على حصر أسبابها في أنها تعود إلى (سلوك السائق، صحة المركبة، قلة الثقافة المرورية). حيث يتمثل سلوك السائق في السرعة، وعدم احترام اللوائح المرورية، والقيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات. بينما يكون لصحة المركبة دور كبير في الحوادث مثل عدم سلامة فرامل وعجلات المركبة، وزيادة المركبات بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

وتتمثل الحلول لمشكلة زيادة الحوادث من وجهة نظر جميع الأطراف والمسئولين في محاولة السائق زيادة التوعية بالثقافة المرورية، وتعديل سلوكه أثناء القيادة والالتزام بالقواعد المرورية، وعدم تخطي السرعة المسموح بها قانوناً، واحترام الطريق وكل من عليه. وعلى رغم أن الإدارة العامة للمرور تولي اهتماما كبيرا للقيام بدورها برفع الثقافة المرورية لدى المواطن والمقيم، إضافة إلى حرص منتسبيها على التطبيق الصارم لقوانين المرور في محاولة منها للتقليل من الحوادث، وذلك من خلال الدوريات المرورية المتواجدة في كل طرق مملكة البحرين، ورصد المخالفات بشكل مستمر لضمان حصول كل مخالف على حقه من العقوبة، إلى جانب الدورات المرورية التوعوية.