سجّل التاريخ الإنساني للمرأة منذ وجودها على كوكب الأرض في الأزمات الحساسة والعصيبة التي تمر على المجتمعات الإنسانية، مواقف صلبة لا تقل عن صلابة الرجل. وقد استطاعت بسلميتها وعاطفتها الإنسانية أن تحرك مشاعر الإنسانية تجاه قضايا المجتمعات المشروعة التي تطالب بها، ولم يخطر ببال أحد هذا الحضور الكثيف واللافت للمرأة بمختلف فئاتها العمرية والوظيفية والعلمية والثقافية في جميع الفعاليات الإنسانية.
ولاشك أن تواجد المرأة، الجدة والأم والزوجة والأخت والبنت والحفيدة... وتواجدها في مختلف المجالات التخصصية العلمية والأدبية والثقافية والفنية والتربوية والإعلامية والحقوقية والقانونية والسياسية والمهنية، أجبرت الكل على الاعتراف بقدراتها وإمكانياتها، حتّى أصبحت الرقم الأبرز والأصعب في مختلف المعادلات الإنسانية والسياسية والاجتماعية. ومن يتعمد تجاهلها أو التغافل عنها، إنّما يتغافل عن نصفه الإنساني، وليس هناك مبالغة إذا ما قيل عنها أنها قد أذهلت بتواجدها الواعي رجالات الفكر والثقافة في مختلف المجتمعات الإنسانية.
لقد تقاسمت مع الرجل الآمال والآلام والأذى النفسي والجسدي والمعنوي، في مختلف المحطات الوطنية والإنسانية، من خلال ممارستها السلمية، حيث عبّرت عن رأيها وطالبت بكل ثبات، بالديمقراطية الحقيقية وبحق الشعب الدستوري وحقوق المجتمع أجمع، وأن تكون السيادة للشعب مصدر السلطات جميعاً. كما وقفت بكل الوسائل السلمية المتاحة لديها ضد التمييز بكل عناوينه السيئة، ورفعت صوتها تطالب بتجريمه، ووقفت تنادي بالعدل والمساواة والإنصاف بين جميع أبناء الوطن، وبمكافحة الفساد الإداري المالي والأخلاقي، ونبذ العنف بصنفيه، الفعل ورد الفعل.
لقد أثبتت المرأة للقريب والبعيد، أنها تتمتع بوعي وإدراك ودراية وفكر وثقافة واسعة، وأن إرادتها الوطنية وعزمها الإنساني في مختلف الظروف والأحوال الصعبة لا يتزلزلان قيد أنملة. واستطاعت أن تبهر المنظمات الحقوقية الدولية في تتبع الحدث وتوثيقه، وأثبتت للعالم من خلال وجودها الفاعل، وبتحقيقها المراكز المتقدمة في الكثير من المجالات والميادين، وفي دفاعها الدائم عن حقوق الإنسان، أنها النصف الآخر الفاعل والمؤثر في مختلف مناحي الحياة بكل جدارة. وبعد أن أصبحت واقعاً بارزاً في المجتمع، لم يستطيع أحد نكران وقوفها بكل ثبات ضد كل من يريد انتهاك حقوق الإنسان. وقد تحملت الكثير من الضغوطات النفسية والمعنوية والأذى الجسدي في سبيل تحقيق المطالب الوطنية المشروعة للشعب، وكل طموحاتها تتمحور حول كرامة وعزة الإنسان ومستقبله الزاهر، وتحلم أن يكون الوطن للجميع، والأمن للجميع، وأن لا يكون أحدٌ فوق القانون. وتريد أن تكون المرأة واعية في الفكر الإنساني لتكون مدرسة للأجيال، تريدها أن تسجّل مواقفها للتاريخ والإنسانية، لا أن تكون على هامش التاريخ لا قيمة لها إنسانياً، لأنها تعلم أن المرأة العارفة والمثقفة والمدركة بكل ما يدور من حولها، لا تتفاجأ بمتغيّرات الأحوال والظروف الإنسانية والسياسية والحقوقية. ولهذا من حق المجتمعات العربية والإسلامية والإنسانية أن تتفاخر بالمرأة في جميع المحافل والمناسبات، كيف لا وهي التي تتواجد في كل مفاصل الحياة.
لقد أثبتت المرأة حقاً أنها العمود الفقري في المجتمعات الإنسانية، حتى أصبحت هذه المجتمعات تؤمن بحقيقتها وحضورها ومشاركتها الوطنية، وأنها لا تستطيع التقدم في أي من المجالات من دون إشراك المرأة والاستعانة بقدراتها وطاقاتها وإمكانياتها. والشواهد التاريخية بيّنت بكل وضوح أن وراء كل رجل عظيم امرأة، تشدّ من أزره وتقوّي عزيمته وتعزّز إرادته، وإذا ما أخطأ صوّبته، وإذا ما مالت الدنيا عليه فرّجت عنه همّه وغمّه. ولسنا بحاجةٍ إلى سرد أمثلةٍ للتدليل على صحة ما قلناه لكثرتها، فالمرأة التي ترى الحقيقة ببصيرتها، تكون الصخرة التي تتحطم عليها كل الممارسات السلبية المنافية للأخلاقيات والمثل والمبادئ، ولا أحد يستطيع منعها عن ممارسة حقها القانوني في التعبير عن رأيها، فالعهدان الدوليان لحقوق الإنسان كفل لها ولكل إنسان حق المطالبة السلمية بالحقوق المشروعة من دون حرج ولا وجل. فتحية تقدير لكل امرأة واعية، ولكل امرأة تقف مع الحق والحقيقة أين ما وجدت في هذا العالم.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4057 - الثلثاء 15 أكتوبر 2013م الموافق 10 ذي الحجة 1434هـ