العدد 4056 - الإثنين 14 أكتوبر 2013م الموافق 09 ذي الحجة 1434هـ

العيد عيد السلام

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

كم جميل أن نرى حجّاج بيت الله الحرام في لباس الإحرام على صعيد عرفة المبارك وقد تجلّل بالبياض؛ ينادون ويرفعون أصواتهم بالدعاء لربّ الأنام أن يحفظ البلاد والعباد وأن يعمّ في الأرض السلام. أمِنَ الصدفة أن يكون لباس الإحرام للرجال أبيض؟ أم من الصدفة أن يتفق العالم بأسره على أنّ لون السلام بين الأمم البياض؟ وأنّ الحمام الأبيض، وهو يحمل بمنقاره غصن زيتون، رمز السلام؟

نعم حُجّاجنا رُسل السلام؛ فكما أرسل نبيّ الله نوح عليه السلام، حين كان في السفينة والموج يحيط به من كل جانب والأرض تغمرها مياه الطوفان، الحمامة لكي تستكشف إن كانت الأرض جفّت أم لم تجفّ، وبالتالي لكي تبشّره بإمكانيّة العيش بسلام، ها نحن نرسل كل سنة ملايين الحجاج حماماً أبيض تراهم على صعيد عرفة يتداعون إلى المسامحة والمصالحة مع الله، مع الذات ومع الآخر، قصد تحقيق الوئام والانسجام الروحي والإنساني ومن ثَمَة إمكانيّة العيش بسلام.

آه يا بلاد الشام ويا بلاد الرافدين كم صارت رخيصة أرواح أبنائك تقدمها يد الإرهاب غدراً قرابين لأرباب الدمار والخراب! كم جميل أن يمرّ يوم العيد دون دمار؛ دون أن أسمع ولا أرى ولا أقرأ أخباراً عن القتل في سورية وعن التفجيرات في العراق. كم جميلٌ أن يسود السلام ولو ليومٍ أن يعمّ الوئام في هذا العيد المبارك! كم جميلٌ أن تغرب شمس العاشر من ذي الحجة وفي حصيلتها صفر من ضحايا الإرهاب! كم جميل أن يسدل ليل ليلتنا هذه ستاره دون تشريد الأطفال والتنكيل بالنساء، دون أعداد جديدة من اليتامى والثكالى!

نعم قد يكون كلامنا هذا أقرب إلى الخاطرة أو الأمنية الساذجة بمناسبة العيد المبارك، أعاده الله علينا وعليكم بالسلام والوئام، لكن لا ينكر أحد ما تشكّله عمليّة السلام من أهميّة قصوى للعالم بأسره ولا سيما بلادنا العربية التي قطّعت أوصالها هذه النزاعاتُ الفظيعة داخل كل دولة وهذه الحروب الداخليّة المسلّحة، ممّا يجعلها في حاجة ماسّة إلى السلام أكثر من أيّ وقت مضى لإعادة بناء الدولة والمجتمع وخوض المعارك الحقيقية؛ فمعركة الجهل والتخلّف لم تُحسَم بعد، بل تفاقمت مع هذا الانفجار المعرفيّ والتكنولوجيّ، ومعركة التنمية حدّث ولا حرج، ومعركة الاستقلال الاقتصاديّ والمديونيّة العالميّة دون تعليق، وغيرها من المعارك التي لا حصر لها والتي لا يمكن خوض غمارها إلا بتوفر مناخات السلام والوئام في هذه البلاد العربية المتآكلة.

إنّ الاتجاه الصحيح اليوم هو تنمية العلاقات السلميّة بين الجماعات المتنوّعة في المجتمع وتغليب لغة الحوار والاتفاق بالتنازل لمصلحة الوطن ليتحقق التكامل بين مكوّنات المجتمع الواحد على اختلافهم. فالاختلاف سنّة الحياة أمّا الاتفاق فهو سنة العقلاء والحكماء الذين يؤسسون علاقات ترتكز على أساس الأمن والاستقرار والتآخي والانسجام الاجتماعي، إذْ بِهِِ يتحقق التقدّم في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

إنّ التفكير العقلاني المتّزن المُرَشَّد بروح إيمانيّة صادقة تنبذ الحقد والقتل، والمُوَجَّّه بعلاقات مواطنيّة مبنية على أساس مبادئ حقوق الإنسان من أجل العيش معاً ومن أجل غد أفضل، لَهُوَ السبيل إلى تحقيق السلام.

فهل سألت نفسك ماذا فعلت من أجل السلام؟ هل حاسبت نفسك، أيّاً كان موقعك، عن دورك الممكن لتساهم في إحلال السلام بمعناه الاجتماعي البسيط، أي المسالمة والمصالحة ونبذ العنف والتطرف في الفكر والفعل. السلام بمعنى قبول الآخر والتعايش معه، وكذلك بمعناه السياسيّ، أي السلام بمعنى غياب الاضطرابات العنيفة والحروب أو التشجيع عليها سواءً بشكل مباشر؛ بالدعم الماديّ أو الإعلاميّ أو المعنويّ؛ أو غير مباشر، بالسكوت عليها وعدم الوقوف ضدّها والحال أنه باستطاعتك الحيلولة دونها؟

ها هو العيد يدعونا إلى السلام، تذكّرنا وقفة الحجّاج على صعيد عرفة بلون السلام، برمزية البياض ودلالاته الكونية على السلام، فهل من وقفة حقيقية على صعيد ذواتنا الطاهرة وأراضينا المباركة التي جعلها الله أمانةً في رقابنا علّنا نثوب إلى رشدنا ونحكم لغة العقل والحوار بديلاً عن صوت المدافع والطائرات والتفجيرات؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4056 - الإثنين 14 أكتوبر 2013م الموافق 09 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:01 ص

      ضروري نسأل أنفسنا هذا السؤال

      فهل سألت نفسك ماذا فعلت من أجل السلام؟

    • زائر 5 | 3:08 م

      حلم جميل

      آه يا بلاد الشام ويا بلاد الرافدين كم صارت رخيصة أرواح أبنائك تقدمها يد الإرهاب غدراً قرابين .. الدمار والخراب! كم جميل أن يمرّ يوم العيد دون دمار؛ دون أن أسمع ولا أرى ولا أقرأ أخباراً عن القتل في سورية وعن التفجيرات في العراق

    • زائر 4 | 3:07 م

      سلام على ارض الاسلام

      عيدكم مبارك وجعل الله السلام يرفرف على بلدان العرب والمسلمين في المشرق والمغرب ويمتعهم بالحرية والكرامة وخصوصا تونس الخضراء.

    • زائر 3 | 3:06 م

      نعم حُجّاجنا رُسل السلام

      تقبل الله منكم ومنهم

    • زائر 1 | 2:53 ص

      لغة السلام

      ما أجمل مقالاتك هذ الأيام عن السلام

اقرأ ايضاً