كانت رحلةً سياحيةً إلى أبها، عاصمة محافظة عسير، تلك المنطقة المعلّقة في الجبال المنتشرة غرب المملكة العربية السعودية، والممتدة جنوباً إلى حدود اليمن، بصحبة مجموعة من أعضاء جمعية الصم البحرينية ذات عيد سعيد.
الطريق إلى عسير كان طويلاً عسيراًً، تقطعه الحافلة في ثمانية عشر ساعة، إذ عبرت الحافلة الجسر عند الرابعة عصراً، في اليوم الأخير من شهر رمضان، ووصلت عند العاشرة صباح اليوم التالي. وكان الجميع بحاجةٍ إلى راحةٍ من عناء السفر. عند المساء كانت أول جولاتنا إلى دلمونلاند، وهي حديقةٌ شعبيةٌ فيها ألعابٌ مختلفةٌ للأطفال ومقاهٍ شعبية ومحلات صغيرة.
أبها التي تسمى «عروس الجبل»، تعتبر من أهم المصايف في السعودية، وكانت مركزاً تجارياً قديماً وتتميز بمناخها المعتدل، وتنوع محاصيلها الزراعية، ويبلغ سكانها 360 ألفاً. كما توجد بها الكثير من القلاع التي تدل على تاريخ قديم.
كان السكن في فندقٍ يطل على جرفٍ عالٍ، حيث تشاهد الشوارع المتلوية في أعماق الوادي، وتشاهد السيارات صغيرةً في حجم علب الكبريت. وكانت المفاجأة خصوصاً للأطفال المرافقين، أن يشاهدوا مجموعةً كبيرةً من القردة تتسلق من الصباح الباكر جدران الفندق، قادمةً من أسفل الوادي بحثاً عن الطعام. بعد ساعتين أو أكثر تختفي حيث تعود من حيث جاءت.
قرية في بطن الوادي
كانت الجولة الأولى إلى منتزه «الحَبَلَة»، حيث وصلناه يوم العيد، فقيل لنا أنه مغلق وسيفتح أبوابه بعد أداء صلاة الظهر. كان أمامنا ساعتان حتى افتتاحه عند الواحدة ظهراً، فانتشرت المجموعة على مساحة منبسطة من الأرض تطل على أحد الأودية، تلتقط الصور للنباتات والأشجار البرية والصخور وبعض الكهوف الصغيرة.
مع افتتاح المنتزه، كنا أول الداخلين، مجموعة من خمسة وأربعين شخصاً، وكان الهدف النزول بالعربات المعلقة (التلفريك) إلى قرية جبلية تعيش في وادٍ سحيق، اسمها الحَبَلَة، كان سكّانها حتى عهد قريب يخرجون من بطن الوادي إلى الأعلى باستخدام الحبال. وكانت هناك عدة بيوتٍٍ أثرية متدرجةٍ تصعدها عبر طرقٍ ترابيةٍ صُفّت حولها الأحجار. وكانت المفاجأة الطريفة حين وصلنا إلى «متحف رجال قرية الحبلة»، كما كُتب على بابها الخشبي الضيق، وهي مجرد غرفةٍ صغيرةٍ، لا تزيد على ثلاثة أمتار مربعة، ولا تتسع لأكثر من خمسة أشخاص، وتحتوي على بعض المقتنيات التراثية من ملابس وأسلحة بسيطة وبعض الأثاث القديم.
في «المتحف» التقطت صورةً لأمير المنطقة حين زار القرية في الثمانينيات، وهو يتوسّط رجالها الذين يرتدون ثياباً بيضاء، ويلفون حول رؤوسهم عمائم صغيرة مزينة بأوراق الشجر، وشعورهم طويلة ويرفعون السيوف بمن فيهم الأمير.
المنظر من الأعلى يغريك بالتقاط الكثير من الصور وفي مختلف الاتجاهات... حيث تتناثر مناظر الجبال والخضرة والأشجار وعربات التلفريك التي لا تتوقف عن الصعود والهبوط.
منتزه السودة
في اليوم الثاني كانت الزيارة إلى منتزه «السودة» السياحي، الذي أُخذ اسمه كما يبدو من السواد، لكثرة الزرع، لكن فوجئنا في طريقنا إليه برشّاتٍ من المطر، بعدما تلبدت السماء فجأة بالغيوم، وتحوّل الضحى إلى ليل.
حين نزلنا من الحافلة، كان الجو بارداً، ورذاذ المطر يهبّ بين فينةٍ وأخرى. وخشينا أن يزداد المطر فتتوقف العربات الكهربائية عن العمل وتذهب زيارتنا أدراج الرياح، خصوصاً بعد تمنع الموظف العربي من إدخالنا كمجموعة سياحية معاً. ولكن بعد مفاوضات صعبة اقتنع بتسهيل دخول مجموعة من دولة خليجية شقيقة من ذوي الاحتياجات الخاصة جاءت من على بعد ألفي كليومتر. إنه لا ينبغي أن تترك المرافق السياحية العامة رهينةً للأمزجة الشخصية.
من الأعلى تشاهد السيارات تبدو صغيرة، وفيما تهتز العربات المعلقة في الهواء تشاهد قطعاناً صغيرةً من الماعز والوعول الجبلية، مع بعض الرعاة في تلك الجبال الشاهقة الوعرة.
قرية بن حمسان
بعد الظهر، كان البرنامج زيارة «قرية بن حمسان»، في خميس مشيط، ولعدم معرفة السائق (وهو من مكة المكرمة) بموقعها، ضاع بعض الوقت في الطريق. وحين وصلناها كانت مغلقة أيضاً، فكلّمنا المشرف عليها، وهو مغربي، فافتتحها لنا، مع دفع الرسوم المعتادة.
قرية بن حمسان فكرتها أنها قرية تراثية، اقترحها أحد التجار على أمير المنطقة قبل سنوات، فرحّب بالفكرة وخصص لها أرضاً، وسميت باسم التاجر الذي رعاها.
يستقبلك عند مدخل القرية مجسم كبير للدلة، رمز الضيافة العربية، وتدخل إلى ساحة مستطيلة فيها مقهى شعبي قديم. وهي مصمّمة على هيئة قلعة في أحد أركانها برج على ارتفاع ثلاثة طوابق، عرضت فيه بعض الصور التاريخية والأثاث القديم واللوحات الزيتية. وتدخل من البوابة الرئيسية إلى بهو واسع فيه مستراح وزعت عليه الوسائد على الطريقة القديمة. ومنه إلى متحف كبير، موزع على عدة قاعات، إحداها خاصة بالأسلحة والمقتنيات القديمة والأواني، وأخرى خاصة بالصور التي ترجعك إلى عقود سابقة حيث الأبنية القديمة والأسواق والساحات، وقادني فضولي الصحفي إلى دخول قاعة أخرى كانت مظلمة، خاصة باللوحات الزيتية، ولم يهتم أحد بإضاءتها، فتلمست طريقي عبر أرضيتها الرملية التي تختلط بالحصى الصغيرة، متلمساً طريقي باستخدام إضاءة الهاتف النقال لمعرفة ملامح هذه الصور المتنوعة من بيئة وشخصيات ومعالم المدينة التاريخية.
الجبل الأخضر
منتزه الجبل الأخضر، الذي يقع على قمة جبل «ذرة»، وسط المدينة، هذه الجولة على مرحلتين بالتلفريك، على ارتفاع 3061 متراً، حيث تمرّ عبر العربة الأولى على مستوى منخفض من الشوارع والبيوت، أما العربة الثانية فتنقلك إلى أعلى الجبل، حيث توجد الألعاب والمطاعم والاستراحات المطلة على المدينة، حيث يكون المنظر أروع في المساء بعدما تسبح في الأضواء.
العدد 4054 - السبت 12 أكتوبر 2013م الموافق 07 ذي الحجة 1434هـ
نفس التعليق السابق
وينة الصور على الاقل
وين الصور نبغي ان نشوف صور
على الاقل حطو كم صورة