العدد 4053 - الجمعة 11 أكتوبر 2013م الموافق 06 ذي الحجة 1434هـ

الأختام الدلمونية وإعادة بناء هوية دلمون

نشأت دولة دلمون على جزيرة البحرين في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، وكان لهذه الدولة ثقافتها وهويتها الخاصة. ويبدو ذلك واضحاً في النظام التجاري والنظام الاجتماعي الذي يميز دلمون عن باقي الثقافات؛ فيوجد فخار دلمون (فخار باربار) الذي لا يوجد له شبيه في أية الثقافات، وفي النظام التجاري هناك الأختام الدلمونية. والأختام أكثر ارتباطاً بهوية الثقافة، فهي تحمل هوية الدولة وهوية الأفراد الذين يعيشون في هذه الدولة. هناك العديد من الدراسات التي تناولت دراسة الأختام الدلمونية، من حيث نشأتها وتطورها وطرق تصنيفها وتسمياتها المختلفة، وتمتد هذه الدراسات ما بين الفترة 1932م و2010. ويتفق جميع الدارسين على أن أختام دلمون بدأت تستخدم في دلمون – البحرين قرابة العام 2050 ق. م. وحتى قرابة العام 1500 ق. م. أي بعد سقوط دولة دلمون على أيدي الكشيين Denton1997)، (Laursen 2010.

بصورة عامة تتخذ أختام دلمون شكلاً دائرياً، ولا يتعدى قطرها 3 سم إلا نادراً. وفي الغالب تكون أحادية الوجه أي أن لها وجهاً واحداً يتم دمغه على الطين؛ حيث يكون وجهها الأمامي مسطحاً دائرياً وتنقش عليه رسومات ورموز مختلفة ذات خصوصية معينة. أما الوجه الخلفي فمقبب الشكل ويتخذ شكل زر، وتزين القبة الخلفية بخطوط طولية، يتراوح عددها ما بين خط وثلاثة خطوط. ويوجد في أسفل تلك القبة ثقب أفقي؛ معمول من أجل إدخال خيط أو خاتم نحاسي يتدلى منه الختم. وغالبية الأختام مصنوعة من حجر الإستاتيت أو الحجر الصابوني الناعم الذي يسهل الحفر عليه ولكنه يصبح صلباً عندما يسخن ولهذا عندما يجهز الختم يحرق ويزجج.

وهناك ثلاثة أنواع من الأختام الدلمونية، وقد صنفت زمنياً إلى أختام دلمون المبكرة وأختام دلمون الوسطية أو الانتقالية وأختام دلمون المتأخرة. وهناك تقسيمات فرعية تندرج تحت تلك التصنيفات الأساسية. ويمكن التفريق بين الأنواع الثلاثة بالنظر، فلكل نوع ميزة تميزه عن الآخر، وخصوصاً الوجه الخلفي للختم. فأختام دلمون الوسطية والمتأخرة تختلف في الوجه الظهري عن أختام دلمون المبكرة؛ حيث إن التحدب الخلفي منصف بأكثر من خط قد يكون اثنين أو ثلاثة مع وجود أربع دوائر محفورة؛ اثنتان على كل جانب من الخطوط القطرية، بينما أختام دلمون المبكرة لا تحتوي على الدوائر الأربع. وسنتناول وصف كل نوع من الأنواع السابقة بصورة مفصلة في الفصول القادمة. وسنبدأ بأقدم تلك الأختام وهي أختام دلمون المبكرة، وسنحاول أن نجيب عن عدة أسئلة، هل ابتكر الدلمونيون هذه الأختام؟ أم أنها أختام تم تقليدها؟ فإن كانت تقليداً، فأين نشأت تلك الأختام؟ وكيف تم اقتباسها وتطويرها؟.

يذكر أن هناك من افترض وجود أختام دلمونية صدفية، وقد أثبتنا في الفصول السابقة أن تلك مجرد فرضية ولا يوجد دليل يدعمها، إضافة إلى أنه لم يتم تناول هذه الأختام ضمن الدراسات التي تخصصت في دراسة الأختام الدلمونية، وذلك لسبب بسيط أن من افترض وجود أختام صدفية افترض أيضاً أنها استمرت حتى الفترة الهلنستية، وهذا يعكس امتداداً لثقافة واحدة في تصنيع الأختام الصدفية، إلا أن ثقافة تصنيع الأختام الدلمونية انتهت بسقوط دولة دلمون.

الأختام الدلمونية المبكرة

منذ منتصف عشرينات القرن الماضي تم العثور على العديد من أختام حضارة وادي السند المربع الشكل في بلاد الرافدين، ومنذ ذلك الحين تم اعتبار وجود هذه الأختام يعكس واقع وجود تجار من حضارة وادي السند في بلاد الرافدين (Laursen 2010). بل إن هناك اعتقاداً بوجود قرى كاملة في الجنوب الرافدي يسكنها مهاجرون من حضارة وادي السند، وقد عرفت هذه القرى باسم «قرى ميلوخا»، وقد كان سكان هذه القرى يعملون في التجارة والترجمة وحرفة النسيج، وغيرها من الحرف Parpola et al. 1977))، (During Caspers 1995)، (Vidale 2004)، ((Vermaak 2008. كذلك، عثر في الثلاثينات من القرن الماضي في موقع أور الأثري في بلاد الرافدين على أختام دائرية عليها نقوش سندية، إلا أن هذه الأختام لم تعتبر أختاماً سندية بسبب ندرتها في حضارة وادي السند Mitchell 1986)، (Laursen 2010. وفي السنوات اللاحقة لذلك، تم العثور على أعداد أخرى من هذه الأختام وأخرى شبيهة بها.

وقد تم جمع كل تلك الأختام في مجموعة واحدة تمثل مجموعة غير متجانسة؛ حيث إنها تختلف في مدى تأثير الحضارة السندية عليها، إلا أنها تشترك في عدد من القواسم المشتركة التي تميزها عن غيرها من الأختام. وقد وصل عدد هذه الأختام التي عثر عليها إلى 121 ختماً، منها ما عثر عليه في البحرين (93 ختماً)، وفي بلاد الرافدين وخصوصاً موقع أور (12 ختماً)، وحضارة وادي السند (5 أختام)، وفي إيران (4 أختام)، وجزيرة فيلكا (4 أختام)، وشرق الجزيرة العربية (3 أختام)، (Laursen 2010). وكما هو ملحوظ من هذا التوزيع الجغرافي أن غالبية هذه الأختام عثر عليها في البحرين، وهي أختام نادرة في إيران وحضارة وادي السند، بالإضافة إلى أن عددٍ بسيط منها يحتوي على نقوش سندية؛ وبذلك تم الترجيح على أنها أختام صنعت في منطقة الخليج العربي، وأنها ليست أختاماً سندية، وقد أعطيت أسماء مختلفة عامة مثل: أختام الخليج، وأختام الخليج العربي، وأختام الخليج الفارسي. وأشهر هذه الأسماء هي «أختام الخليج العربي»، إلا أن هذه التسميات ليست دقيقة؛ وعليه استخدم البعض اسم «أختام دلمون المبكرة» Porada 1971)،(Naeem 1992، p.269 - 277؛ لأن هذه الأختام يرجح أن غالبيتها صنع في دلمون - البحرين، وغالبية الأختام عثر عليها في البحرين، والأهم من ذلك أنها تعتبر أول الأختام التي استعملت في دلمون – البحرين؛ وعليه فضلنا أن نستخدم هنا المسمى «أختام دلمون المبكرة» فهو أكثر دلالة على الهوية الدلمونية.

ويجب علينا التفريق بين هذه الأختام، أختام دلمون المبكرة، التي ظهرت في نهاية الألف الثالث، والأختام الدلمونية التي ظهرت لاحقاً، أختام دلمون المتأخرة. فالفرق كبير بينهما، فالأولى، أي أختام دلمون المبكرة، استعملت من قبل تجار دلمون – البحرين فقط، بينما النوع الثاني، أي أختام دلمون المتأخرة، استعملت من قبل تجار دلمون الإقليم، الذي يضم البحرين وشرق الجزيرة العربية وجزيرة فيلكا. ويضاف لهاتين المجموعتين مجموعة ثالثة من الأختام هي الأختام الوسطية أو الانتقالية، وهي تمثل مرحلة انتقالية في تطور الأختام الدلمونية من المرحلة المبكرة إلى المرحلة المتأخرة. وسنتناول في الفصل القادم أهم مميزات الأختام الدلمونية المبكرة... يتبع.

العدد 4053 - الجمعة 11 أكتوبر 2013م الموافق 06 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً