الحديث عن الأخطاء الطبية بات المادة المتداولة على كافة الأصعدة الإعلامية والقضائية والحقوقية مؤخراً، وذلك لأن ردهات بعض المستشفيات العامة أو الخاصة في بعض دول العالم مازالت تشهد جملة من الأخطاء الطبية، فيدخل المريض إلى المستشفى قصد العلاج، ويخرج جثةً هامدةً، أو مصاباً بعاهة مستديمة، أو بضرر أكبر من الضرر الذي رغب في تداويه.
وإذا كان قلة قليلة من ضحايا الأخطاء الطبية أو ذويهم قد تيسّر لهم إقامة دعاوى قضائية ضد الأطباء المتسببين في الخطأ، فإن أغلب حالات الأخطاء الطبية، سيما الخطيرة منها، ظلت محاطة بجدار كثيف من السرية والتستر.
كما أن من أهم ما لوحظ على المستوى المحلي، هو أن المواطن بالأمس القريب لم يكن يولي الأهمية الواعية لهذا النوع من الأخطاء، لإحساسه بأنها مسألة تندرج تحت القضاء والقدر، وذلك يحول دون الوصول إلى إحصائيات دقيقة لعدد الأخطاء الطبية المقترفة حقاً بالبلاد، وفي الغالب الأعم لا يتم التفكير في إمكانية مقاضاة المسئولين عن الخطأ الطبي، ولو أودى بحياة المريض لقلة الوعي بالقانون.
إلا أنه وبعد أن أضحى المواطن في كثير من البلدان يمتلك قدراً من الوعي القانوني بهذه الأمور، وأصبح يطالب بجودة الخدمات العلاجية وليس الاقتصار على حق الولوج إليها والاستفادة منها، أي عندما بات أكثر إلحاحاً في مسألة تلقيه العلاج بالشكل الذي يرضيه ولا يؤذيه، أدى ذلك إلى تنامي إحصائيات الأخطاء الطبية، ومن ثمّ مقاضاة المسئولين عنها.
ولا شك أن من بين أهم الأسباب التي ساهمت بشكل أو بآخر في زيادة الأخطاء الطبية هي الإهمال والسرعة واللهث وراء الربح المادي بأي ثمن في المستشفيات الخاصة، وعدم القيام بالواجب المهني على الوجه الأكمل، وضعف المؤهلات الطبية لدى البعض، والافتقار للتقنيات الطبية المتاحة، وضعف الجهاز التنفيذي وآلية الرقابة الخاصة به، وضعف الرقابة الوقائية والعلاجية عن طريق مرجعية طبية وقانونية مستقلة ومتكاملة، أو وجود فراغ تشريعي ينظم العلاقة ما بين الطبيب والمريض وغيرها من الأمور.
وفي الوضع المعتاد، فإن معظم الأخطاء الطبية تأتي بسبب إخلال الطبيب المعالج بمهمته الرئيسة، وتتمثل في متابعة المريض والاهتمام به، وعدم القيام بالواجب تمام القيام، كما قد يكون ناتجاً عن خطأ في الإجراءات المتخذة أو نوع وآلية المتابعة واختيار الأكل المناسب، أو في تحديد الأدوية أو تقديرها أو اختيار جرعة التخدير، وما إلى ذلك.
ويأخذنا الحديث عن الأخطاء الطبية إلى الحديث عن المسئولية الطبية، إلا أنه وقبل الولوج في هذه القضية ينبغي لنا الوقوف بدقةٍ على ماهية الأخطاء الطبية، وهي: «انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصّر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه»، أو هو: «إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، وهو ما يسمى بالالتزام التعاقدي».
ويتبيّن لنا أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر، تتمثل بعدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب، والإخلال بواجبات الحيطة والحذر، وإغفال بذل العناية التي كان باستطاعة الطبيب فعلها، إلى جانب مدى توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.
ويُجمع معظم الفقهاء القانونيين على تقسيمات الخطأ الطبي على وجود قسمين، وهما:
أ- الخطأ الفني: وهو الخطأ الذي يصدر عن الطبيب، ويتعلّق بأعمال مهنته، ويتوجّب لإثبات مسئوليته عنها أن يكون الخطأ جسيماً. ومن الأمثلة عليه عدم الالتزام بالتحاليل الطبية، والخطأ في نقل الدم، وإصابة المريض لسوء استخدام الآلات والأجهزة الطبية، وإحداث عاهة، فضلاً عن التسبّب في تلف عضو، أو تفاقم علّة أو عدم السيطرة على المضاعفات أو توقعها مع فرضية ذلك.
ب- الخطأ العادي: ومردّه إلى الإخلال بواجبات الحيطة والحذر العامة التي ينبغي أن يلتزم بها الناس كافة، ومنهم الطبيب في نطاق مهنته باعتباره يلتزم بهذه الواجبات العامة قبل أن يلتزم بالقواعد العلمية أو الفنية لمهنته. ومثاله أن يجري الطبيب عملية جراحية وهو في حالة سكر أو قلة تركيزه لسبب ما.
الإهمال: ويقصد به التفريط والتقصير وعدم الانتباه. ومن صور الإهمال أن يُكلّف شخص بالعناية بمريض أو طفل صغير، فيهمل في العناية به حتى يموت، أو ينسى الطبيب قطعة شاش أو آلة داخل جسم المريض أو ينسى تحديد جرعات الدواء المتطلب أو تحديد دواء غير ملائم وغيرها.
قلّة الاحتراز: ويقصد به عدم التقدير على نحو سليم للآثار الضارة لفعله، وعدم السيطرة أو تصور المضاعفات الحاصلة للمريض.
وفي الواقع، من أصعب الأمور بإقرار المسئولية الطبية بغالبية الدول حالياً ومن بينها البحرين، هي أولاً: غياب تشريع خاص ينظم العلاقة ما بين الطبيب والمريض، إلا أن ذلك الأمر من الممكن تلافيه - إلى حد ما فقط - بالرجوع للقواعد العامة في المسئولية الطبية، حيث يساءل تأديبياً لتعلق ذلك الإخلال بالجانب المهني، ويساءل مدنياً أو إدارياً بحسب الجهة التابع إليها، فيساءل في الأخيرة إذا كان يعمل بالمستشفيات العامة، أما إذا كان ضمن المستشفيات الخاصة أو العيادات فيساءل بموجب الأولى.
كما يساءل جنائياً بموجب قانون العقوبات، حيث إن القانون الأخير أقر المسئولية عن الخطأ العمدي والخطأ غير العمدي، وكذلك الحال بالنسبة للإهمال والرعونة.
إلا أن القواعد العامة لا تستطيع بذاتها سد الفراغ التشريعي واستلزام قانون خاص محدد وشامل لمعطيات هذا الموضوع.
ثانياً: صعوبة الإثبات، فالمريض، يجب عليه أن يُثبت وقوع الخطأ، وأن يثبت وقوع الضرر، ثم يثبت علاقة الخطأ بالضرر، وأن هذا الخطأ هو الذي أوقع ذلك الضرر، وأن هذا الضرر ما كان ليقع لولا وقوع ذلك الخطأ.
ويظهر ثقل هذا العبء بشكل جلي ومعقّد، وخصوصاً في ظل الصعوبة البالغة التي تنجم عن إفادات الخبراء من الأطباء، في تحميل زملائهم في المهنة أي نوع من أنواع المسئولية لدى إدلائهم بإفاداتهم.
مع الملاحظة هنا أن تشريعات بعض الدول ذهبت إلى ابتكار حلول جديدة لمواجهة هذه الإشكالية، بحيث افترضت قيام مسئولية الأطباء (بمعنى أن الطبيب يلزم بإثبات قيامه بواجبه)، دون حاجة إلى تحميل المريض عبء الإثبات، فيما جعلت عبء إثبات العكس يقع على الأطباء. ونؤيد هذا الجانب حقيقة، لصعوبة الإثبات من قبل المريض بأي حال من الأحوال.
وباستقراء التاريخ، نجد أن الشريعة الإسلامية أعطت الأهمية الكبرى للمسئولية الطبية. وتحديد مسئولية الطبيب في الحديث النبوي الشريف، حسبما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي والحاكم وصححه الأخير، أن النبي (ص) قال: «من تطبّب ولم يُعلم منه الطبُّ قبل ذلك فهو ضامن».
وفي رواية لأبي نعيم: «من تطبّب ولم يكن بالطب معروفاً فأصاب نفساً فما دونها فهو ضامن». وفي ذلك الحديث إقرار بالمسئولية الطبية، حيث إن المقصود بالتطبب هو انعدام الكفاءة للقيام بواجب معين حسب رواية ابن القيم الجوزي في كتابه «الطب النبوي».
أما عن ابن رشد في كتابه «بداية المجتهد ونهاية المقتصد»، فقد أوضح الحكم الفقهي المتعلق بالمسئولية الطبية فقال: «... وأما الطبيب إذا أخطأ في فعله وكان من أهل المعرفة فلا شيء عليه في النفس والدية على العاقلة (يعني العصبة) فيما فوق الثلث، وفي ماله فيما دون الثلث. وإن لم يكن من أهل المعرفة، فعليه الضرب والسجن والدية، قيل في ماله وقيل على العاقلة».
ولما ازداد عدد الأطباء والممارسين لصناعة الطب في البلاد العربية والإسلامية، خصوصاً في العصر العباسي، كان من الضروري إنشاء نظام يتولى مراقبة سلامة هذه المهنة، وهذا النظام سمي حينئذ بنظام الحسبة. (يتبع)
إقرأ أيضا لـ "نفيسة دعبل"العدد 4051 - الأربعاء 09 أكتوبر 2013م الموافق 04 ذي الحجة 1434هـ
محاكم ومتاهات بيروقراطيه مع أن البحرين دولة دمقراطيه!
ليس من الأسرار أن طبيب مجاز له مزاولة مهنة الطبي من الواجب إختباره وإمحانه قبل أن يقال عنه ممتهن مهنة الطب. هنا غياب نقابه كنقابة الأطباء كارثه من الكوارث غير الطبيعيه! فالقاضي – شاهد العدل يعني أو من يفصل في مثل هذه الأخطاء لا يوجد من يرجع إليه. فيكون المعتدى عليه أي المريض عند ما يرفع دعوى في المحاكم في البحرين لا توجد محكمه متخصصة في مثل هذه الحالات. وعليه يضيع أو يتضرر المريض المعتدى عليه بسب تخلف العدالة في المحكمه أو كما يقال ليس من إختصاص المحكمه. فهل هذا تقائص أم تردي الأوضاع في المحاكم
المشتكى لله
راح يجي يوم من الايام و سُيضرب المثل بمستشفى السلمانيه بانه اللي يبي يموت يروح مستشفى السلمانيه ( يا رايح للموت برجوله) هالمستشفى انتهى و صار خراطه و مسخره بعد ابعاد هيرة الدكاترة و الاستشاريين صارت ارواح الناس رخيصه