غيَّر حسن روحاني من وجه إيران. لم نعد نسمع عن تمرُّغ أنوفٍ في الوحل، ولا عن جَرِّ أذيال الخيبة، بقدر ما بتنا نسمع عن حوارات ومصافحات، حتى مع خصوم تاريخيين، كالولايات المتحدة الأميركية. وصار المُحرَّم حلالاً، ولم يعد الشيطان شيطاناً لا أكبر ولا أصغر.
ذهب الرجل إلى نيويورك، ليُسوِّق لإيران «المعتدلة». استطاع أن يخترق جدار العزلة، ويلتقي بثمانية عشر مسئول رفيع المستوى من دول شتى، بينهم رؤساء فرنسا، النمسا، ورئيسا وزراء إيطاليا وإسبانيا وبان كي مون ومساعديه، ووزير خارجية ألمانيا. وأهم تلك المباحثات، هو المكالمة الهاتفية التي تمت بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما.
ألقى بخطابين، واحد في مؤتمر حظر السلاح النووي، والثاني في اجتماع وزراء خارجية دول حركة عدم الانحياز. والتقى برؤساء المنظمات الدولية، وبمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وخاطب العالم عبر شبكات تلفزة عِدَّة، وأجرت معه صحف دولية لقاءات مطولة، ثم عَقَدَ مؤتمراً صحافياً موسعاً قبل أن يُغادر نيويورك.
أراد أن يقول للعالَم إنني لستُ أحمدي نجاد، وإن إيران ليست كإيران العام 2005 ولغاية الثالث عشر من يونيو/ حزيران الماضي. لم نعد نقول شيئاً عن الهولوكوست، ولا عن زوال إسرائيل. طلب منه الديمقراطيون في البيت الأبيض أن يلتقوه، لكنه تمنَّع كي لا يفسد دَهرَه، ولا يُضيف مُدَّاً أكثر مما يجب على قِدْر الطعام كي لا يحترق قعره.
أمام هذه النقطة، يجب أن نتساءل: هل كان هذا التحوُّل الدراماتيكي، قد جَرَى على يَدَي روحاني وبمباركته فقط، أم أنها سياسة نظام كامل، بدَّل من قواعد لعبته الدولية تكتيكياً؟ الحقيقة، أن الجواب على هذا السؤال، يُمكن معرفته من خلال التصريحات التي أدلى بها مسئولون إيرانيون مركزيون، واكبوا زيارة روحاني، وأبدَوا عليها مواقف سياسية.
دعونا نستعرض التالي: آية الله إمامي كاشاني، عضو مجلِسَي الخبراء والتشخيص، قال: «الجهاد في سبيل الله يكون بعض الأحيان عسكرياً وأحياناً سياسياً، حيث كلاهما يتجهان نحو هدف واحد».
رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني قال: «إن رئيس الجمهورية (حسن روحاني) نَقَلَ نداء العقلانية إلى أسماع العالم عبر منبر الأمم المتحدة، وخطابه كان جيداً، ومدروساً وناضجاً وكان أسلوبه وحركاته وسكناته تعكس بأنه دبلوماسي ذكي».
القائد العام لقوات القدس التابعة للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، قال: «إن الدفاع المقدس متواصل منذ خمسة وثلاثين عاماً، لكن التكتيك والسياسة اختلفا».
الجنرال أمير زادة قائد القوات الجوية في الحرس قال: «إن التهديدات الأميركية لم تتغير، لكن هذه آرائي الشخصية، وهي لا تعكس وجود خلافات مع آراء الدبلوماسيين حول العلاقات بين إيران وأميركا، لأنني لستُ دبلوماسياً، بل إنني شخص عسكري وإن رئيس الجمهورية والدبلوماسيين يجب أن يمارسوا أعمالهم في إطار السياسات المتبعة في البلاد».
وزير الدفاع الإيراني الجنرال حسين دهقان قال «إن تسابق الدول الغربية للقاء رئيس الجمهورية (حسن روحاني) في نيويورك يعكس اقتدار الشعب الإيراني، والرئيس الأميركي يرغب اليوم بإقامة اتصالات مع الرئيس لسماع نداء الشعب الإيراني».
هنا، يجب أن نتحدث عن عدة أمور تعليقاً على تلك المواقف:
أولاً: إن المتابعة الحثيثة للداخل الإيراني، تُظهِر أن المرشد الأعلى هو مَنْ فَتَح ثقباً في «المحرَّم» السياسي الإيراني، وبالتحديد في موضوع العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. فهو قال لدى لقائه بقيادات الحرس الثوري بمناسبة عقد مؤتمرهم العشرين: «أوافق على المنهج الذي أطلقت عليه عنوان المرونة البطولية لأنها مفيدة وضرورية للغاية».
والحقيقة، أن هذا التفويض، اختار أن يقوله المرشد في حضرة الحرس الثوري، المؤسسة الأكثر راديكالية، ونفوذاً في إيران، وذلك لإيصال رسالة مُحدَّدة لها، بأن السياسة الإيرانية الخارجية قد تشهد تغييراً جذرياً، وبالتحديد في العلاقة ما بين إيران والولايات المتحدة.
بل قال لهم حرفياً: «ليس من الضروري أن يمارس الحرس الثوري أنشطة سياسية» وهو ما عكسه تصريح قائد القوات الجوية في الحرس الذي ذكرناه سلفاً. ووجَّه المرشد رسالة أخرى لهم قائلاً: «إن الدبلوماسية هي ساحة إجراء المحادثات». وفي ذلك رسالة واضحة.
هذا التفويض، يبدو أنه الأكثر تأثيراً في قدرة روحاني على القيام بخطوات غير تقليدية إلى الأمام في سياسته الخارجية. وربما لولاه، لما استطاع أن يمرر ما مرَّره من رسائل، وما أبداه من مواقف. وهي لحظة، قد تختلف عن لحظة خاتمي تماماً، ولأسباب عديدة.
ثانياً: إن غالبية المواقف التي واكبت زيارة روحاني، كانت قد صَدَرَت عن قيادات عسكرية مهمة في النظام الإيراني، كقائد فيلق القدس والقوة الجوية ووزير الدفاع وأضرابهم، وكأن الموضوع ذو مناخ ومنحى عسكري صرف. وربما كانت هناك دفوع من قمة الهرم السياسي/ الديني لهذه القيادات العسكرية المؤثرة، كي تبدي مواقف داعمة للرئيس، وأن يكون موقعها في النظام «انضوائياً» تحت سلطة السياسة وليس العكس.
ولأن المواجهة الأمنية والاستخباراتية بين إيران الولايات المتحدة الأميركية تجري في العراق وأفغانستان ولبنان، فهذا يعني أن هذه القيادات معنية بشكل مباشر بهذا التغيير في العلاقات الدولية، وبالتالي، عليها أن تتهيأ لاستبدال مواقع وتصريحات وتكتيكات هذه المرحلة.
ثالثاً: إن هناك دعماً واضحاً من التيار المحافظ للرئيس حسن روحاني الذي ينتمي إليه في المجمل، كي يدفع بموضوع التفاوض مع الأميركيين، ولم يعد الموضوع مقتصراً على دعم الإصلاحيين لكسر جليد الخصومة بين طهران وواشنطن كما كان في السابق.
وكلنا يتذكر تصريحات رئيس لجنة حقوق الإنسان في السلطة القضائية الإيرانية محمد جواد لاريجاني (شقيق رئيسَي القضاء والبرلمان) وهو من أقطاب اليمين المتشدد في أغسطس/ آب من العام 2012 عندما قال: «لو اقتضت مصالح النظام سنتفاوض مع أميركا حتى في قعر جهنم، فالمفاوضات مع أميركا ليست تابوهاً حتى تكون محرمة».
في المحصلة، يبدو أن التوجه الجديد في السياسة الخارجية لإيران مدفوع من النواة الصلبة للنظام، وليس من هوامشه كما كان في السابق، لكنه أيضاً مُحاط بعراقيل المرحلة السابقة للصراع.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4046 - الجمعة 04 أكتوبر 2013م الموافق 29 ذي القعدة 1434هـ
صحيح وغير صحيح
كلمة السيد الخامنئي اليوم قسمت نتائج الكاتب إلى حقائق ومغالطات.. حبذا التأني في القراءة عزيزي الكاتب..
قد يكون العد تنازلي للنظام العالمي المنهار لكن مشكلة البحرين كل شيء فيها غير!
بعد معرفة أن وجود جيوش وقادة جيوش بلا لزمة – يعني يصرفون مدخول البترول على التسلح لكن ما قدروا على صدام بعد أن مولوا حرب لمدة ثمان سنوات!.. اليوم أمريكا تخلت أو تنازلت عن حلفائها أو خلفائها في المنطقة لكن متى سينطقون بالحكم- هنا قد يقال الله أعلم. أليس كذلك؟
المصلي
الرئيس روحاني وضع أيران على السكة الصحيحة في هذه المره ولتعي حكومات المنطقه أن سياسات الدول تبنى على المصالح حيث لاتوجد في السياسة صداقات قائمة بل مصالح دائمة فالعدو يصبح صديقاً والصديق يصبح عدواً بين لحضة وأخرى فمن يعول على أن أمريكا أوغيرها ستقف معه في الشده فهو واهم فقد تخلوا عن أصدقائهم الحكام وتركوهم لقدرهم المحتوم أمام المد الشعبي الغاضب في العراق ومصر وليبيا وتونس واليمن وغيرها من بلدان العالم
يتبع
عندما تتصالح دول بعينها وتتحالف وتصبح تابعة كالنعاج للامريكان لا بأس ولا خشية ولا حرام ولكن عندما تقوم دولة بالتصالح مع امريكا ندا بند تقوم الدنيا ولا تقعد!!! هذا بؤس في التفكير
احسنت
نعم دول عربية كما قلت تصبح كالنعاج لامريكا هذة امور واضحة للكل لاكن الدولة التى تقول الشيطان الاكبر و الموت لامريكا و اسرائيل و الان تريد التقارب معها ما تسمي هذا السياسة وتدعي الجمهورية الاسلامية لا تضحك علي نفسك و الاستاذ ابدع في التحليل و نتمنا منة ان يسمى هذا التقارب زواج متعة
?????
وصار المُحرَّم حلالاً، ولم يعد الشيطان شيطاناً لا أكبر ولا أصغر
لم نعد نقول شيئاً عن الهولوكوست، ولا عن زوال إسرائيل
هذا غمز كيدي يا استاذ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
شكرا
مقال موضوعي وربط جميل
لمادا لقبت امريكا بل الشيطان الاكبر
هل صحيح امريكا الاكبر دوله فى العالم واكبر جيش تكون شيطان اكبر لمادا وصفها الامام الخمينى بهادا الوصف الدقيق هناك دول لا تختلف عن امريكا فى سياستها الخارجيه للدول العالم لها نفود ولها مصالح ولها قواعد حربيه وبارجات وما شابه ولايمكن الاستغناء عن امريكا اكثر من ربعيى النفظ يدهب الى امريكا
شكرا
قراءة متأنية رائعة.. شكرا لك أستاذ محمد
ايران مرة اخرى
وشعلك من ايران هي دائما في القمة وسوف ترى قريبا امريكا سوف تتخلى عن الصهاينه لكي تعزز مكانتها عند ايران
الجنة
عشم ابليس فى الجنة ان امريكا تخلى عن اسرائيل لا تنسى ان اسرائيل هى التى تسيطر على امريكا و هى كل فى الكل فى سياسة الامريكية
الحرام حرام ولكن بعض الاحيان منقد للبشريه
اكل الخنزير حرام ونجس شرب الكحول وحرام ونجس ولكن فى الضرورة القصوى فلا مانع القليل القليل منه لانقاد حياه امريكا امريكا لم ولن تتغير سياساتها مع اعدائها وبل الاخص من تنظر اليهم بعين العداء للصهيونيه واسرائيل ام تكون صديق حميم وجار سلام ام ان تكون مستعمر ظالم مغتصب للفلسطين وهنا مربط الفرس والسؤال لمادا كل هادا الضجيج وفى نفس الوقت يهرول رئيس الوزراء الاسرائيلى الى الامم المتحده محاول جاهدنا ان يفسد التقارب بين الشيطان الاكبر مع ايران يهدد ويتوعد بل الحرب على ايران بتحالف جديد معه دول الخليجيه
أمركا وإسرائيل
أمريكا راحت لإيران صاغرة وعرب صفار من البهدلة طاروا لإسرائي صاغرين .
سؤال
يعني من الي انتصر الحين إذا العرب وإيران صاروا صاغرين؟؟؟؟؟