المتابعون للأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وخاصة بعد انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيسا لجمهورية ايران الإسلامية يتوقعون حدوث تحولات في المستقبل المنظور في طبيعة ترتيبات وهندسة الأوضاع السياسية في منطقتنا. ويذهب البعض الى أن هذه الترتيبات قد رسمت هياكلها، وأن المرحلة القادمة ستشهد عملية شغل الهياكل التنظيمية بالكوادر المناسبة لها بعد أن تمت إعادة رسم خريطة المنطقة المستقبلية.
وهناك شواهد عدة تدلل على صدق هذه التوقعات التي فرضت نفسها على المسرح السياسي في منطقتنا يمكن استعراض ما يلي منها:
1 - فعلى مستوى الداخل الإيراني فرضت العقوبات الاقتصادية الدولية القاسية على جمهورية ايران الإسلامية واقعا أضر بشكل كبير بالمستوى المعيشي للمواطن الإيراني وشل حركة التعاملات التجارية والمالية للدولة الايرانية. وتشير الإحصاءات الى ان ما يزيد على نصف مليون مواطن قد خسروا وظائفهم في العام 2012 وان نسبة البطالة قد جاوزت 17 في المئة من حجم القوى العاملة واجهتها الحكومة بصرف معونة تعطل لأكثر من اربعة ملايين عاطل ولمدة خمسين شهرا وهي الأطول في العالم. أما نسبة التضخم فقد بلغت 40 في المئة مقوضة بذلك الجهود المبذولة للحفاظ على مستوى معيشي لائق للمواطن الإيراني ومن ضمنها رفع الأجور بنسبة 20 الى 25 في المئة في مطلع هذا العام، وصرف كوبونات اعانة الى 17 مليون مواطن بغرض مجارات مستوى التضخم. كما انخفض مستوى صرف العملة في السوق المحلية بنسبة تجاوزت 80 في المئة.
ويرى كثير من المحللين ان اجراءات الحظر الغربية القاسية هذه المصحوبة بهزات اقتصادية مدمرة كفيلة بإحداث تغييرات سياسية لأي نظام سياسي مهما بلغت قوته. الا ان ايران تمكنت من اجهاض كثير من أضرار الحصار الاقتصادي وذلك بفضل عائداتها النفطية التي بلغت نحو 500 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2007 و2012. فرغم الحصار الصارم خلال العامين الماضيين بلغ احتياطي ايران من الذهب والعملة الأجنبية هذا العام 79 مليار دولار. وقد تمخض عن هذا الواقع الاقتصادي قناعة لدى القوى الغربية باستحالة تغيير النظام من الداخل من خلال الحصار. كما تولدت قناعة لدى الجانب الإيراني مفادها ان رفع الحصار الاقتصادي في هذه المرحلة من القوة والخبرة المتراكمة سيمنح ايران مجالا واسعا لتحقيق طموحاتها السياسية والاقتصادية. ومن جانب آخر فإن الوضع الاقتصادي المتردي في الولايات المتحدة الأميركية لا يشجع على مزيد من المغامرات العسكرية بل ان السوق الإيرانية الضخمة هي المكان الخصب للصناعات الأميركية المتطورة وخاصة صناعة الطيران والنفط والبتروكيميائيات.
2 - العامل السوري: لم يشكل الصراع المحتدم في سورية استنزافا للدولة السورية وحدها بل ألقى بظلاله على الاقتصاد الايراني المتعب والذي اصبح الممول الرئيسي المساعد على تماسك النظام السوري وقدرته على المقاومة. وقد اعتبر بعض المحللين الحالة السورية فيتناما ايرانية من حيث الاستنزاف الذي يسببه استمرار هذا الصراع للاقتصاد الايراني. وقد أدركت ايران طبيعة هذا الفخ الذي اعد لها. ومن جانب آخر أدرك الغرب ان نتائج الحسم العسكري في سورية لن يكون بالضرورة في صالحه من حيث الحفاظ على أمن اسرائيل. فرجحان كفة قوى الارهاب على قوى المعارضة الليبرالية سينتج افغانستان اخرى على حدود اسرائيل وسيقوي من ظاهرة الارهاب العالمي في حين ان بقاء سورية محطمة لن تترتب عليه مثل هذه المخاطر. ان تساوي اضلع المعادلة في هذه الحالة يخدم اهداف القوى المتصارعة بالنيابة في سورية.
3 - حماس وتغيير البوصلة: وفرت مواقف منظمة حماس تجاه الصراع في سورية وانحيازها الى جانب القوى المناوئة للنظام السوري فرصة لقوى الاصلاح في ايران لتعزيز مواقفها تجاه المسألة الفلسطينية التي اعتبرها مرشد الجمهورية الاسلامية قضية فلسطينية أولا وعربية ثانيا وإسلامية ثالثا، ما يعني انحسارا للدعم الايراني لمنظمة حماس التي تشكل غالبية المعارضة الفلسطينية. وقد اعتبرت القوى الغربية هذا الانحسار مؤشرا على تغير في المزاج الايراني وخاصة بعد مجيء الشيخ روحاني برغبة شعبية كاسحة، ومباركة من المرشد الأعلى، وتفهما من قيادات الحرس الثوري لأولوية بناء الأمة الايرانية على ما عداها.
4 - تغير في مزاج الرأي العام الأميركي: لم تكن مبادرة الرئيس الأميركي باراك اوباما بإحالة موضوع التدخل العسكري في سورية الى الكونغرس امرا اعتباطيا بل جاءت لتعكس تفهما تاما من قبل الادارة لرفض الرأي العام الأميركي لأية حروب أرادتها انظمة في المنطقة على رغم كون ضررها اكثر من نفعها على الجميع. وقد وفر هذا التغير في المزاج العام الأميركي فرصة لتلاقي وتقارب في الأهداف بين ايران وروسيا من جانب والغرب من جانب آخر، ما قرب المسافات بين واشنطن وطهران وشنج الأوضاع مع حلفاء دائمين لواشنطن التي بات ينظر اليها بعين الشك والخوف والريبة على رغم نفوذها المتأصل في جوانح هذه الأنظمة الحليفة.
5 - انتكاسة مشروع الاخوان المسلمين البديل: ادركت الولايات المتحدة الأميركية مدلولات فشل تجربة الاخوان المسلمين في مصر التي كان معولا عليها لأن تكون منطلقا لتغييرات في الأنظمة السياسية التقليدية في المنطقة وعامل توازن مع مفهوم الهلال الشيعي، إلا ان فشل الاخوان في مصر قد قوض فكرة هذا المشروع بسرعة غير متوقعة.
5 - البرنامج النووي الايراني: يدرك الغرب تماما ان ايران لا ترى مصلحة لها في انتاج سلاح نووي بقدر ما هي تواقة لاقتناء تكنولوجيا دورة الوقود النووي اللازمة للتقدم العلمي الذي هو مفتاح القوة الاقتصادية والسياسية في المنطقة. وعلى ضوء التحولات السياسية المذكورة رأى الغرب ان اشراك ايران في اعادة ترتيب الأوضاع والاعتراف بحقها في امتلاك برنامج نووي سلمي سيكون بمثابة مغريات قد تمهد الطريق لبيريسترويكا روحانية تصبح بمرور الوقت من متطلبات اندماج ايران في الاقتصاد العالمي. فتحقيق الطموح لبناء دولة عظمى لا يمكن ان يمر إلا عبر مثل هذا الاندماج الذي سيكون بمثابة احتواء سلس بمنافع متبادلة.
إن دول المنطقة هي الآن امام تحديات جديدة لا مثيل لها، فالجمود السياسي، وخطة تقسيم الانسان وفقا لمبدأ فرق تسد توفر مبررات طبيعية لعملية التدخل في شئون الأنظمة، ولعملية تقسيم الأوطان التي باتت ترسم معالمها تلك الانقسامات الداخلية في اكثر من بلد عربي. وفي أحسن الأحوال ستفرض على بعض الأنظمة المتصلبة سياسات تكرهها ولكن لا بديل عن الانصياع لها. وهذا ما سيكشفه لنا المستقبل، وما المستقبل ببعيد.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 4044 - الأربعاء 02 أكتوبر 2013م الموافق 27 ذي القعدة 1434هـ
مجرد احلام اليقظة
ليس هناك تغيير او سايكس بيكو جديدة رغم الغزل البرئ الامريكي الإيراني فالحرب الباردة بين الاعداء سوف تستمر بدون الاستخدام العسكري وسوف تستمر إعلاميا بتنسيق مخابر اتي لنهب ثروات الخليج فسياسة الدول الكبرى أخذت تتجه لسياسة دون خسارة او ما يطلق حسابيا ربح بدون خسارة
التقارب الايراني الامريكي
كان لا بد ان يحصل هذا التقارب عاجلا ام اجلا الا ان الاحداث المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط وانعكاساتها على امن اسرائيل وجيرانها عجل بهذه المقاربة وذلك لما يعنيه شان هذه الدول بالنسبة لامريكا وايران كما ان للتقارب فوائد اقتصادية جمة ستعود بالنفع على الشركات الامريكية وعلى الاقتصاد الايراني واستقرار اقتصاد المطقة .
عجبني المقال
شكراً
الوقع
الغرب بقيادة اميركا يريد ان تكون المعركه القادمه صراع سني شيعي يمتد من سوريا ولبنان وتركيا والعراق وايران والخليج وباكستان وافغانستان .. قد تتورط فيه الصين والهند عبر صراعات داخليه .. فهذا من مصلحته الاقتصاديه والعسكريه ولرسم خارطه جديده في المنطقه