تونس كما هو معروف هي البلد العربي الأول الذي أوقد شرارة الربيع العربي، ثم تبعتها مصر، ولأن تأثير مصر على العالم العربي أكبر بكثير من تأثير أي بلد عربي آخر فقد اتجهت إليه الأيدي التي لا تريد للربيع أن يمتد بل لا تريد له البقاء في أي مكان حتى ييأس العرب جميعاً من تجديد المحاولة في أي مكان آخر فعملت تلك الأيدي وبكل الوسائل على إجهاض الربيع المصري باعتباره الأهم ثم اتجهت بعد ذلك نحو تونس لتمارس الدور نفسه وللهدف نفسه أيضاً!
لا أعتقد أنه من المصادفة أن تنشأ حركة الإنقاذ في تونس وكذلك حركة تمرد على غرار ما هو موجود في مصر وتعلن عن الأهداف نفسها التي أعلنتها قبل ذلك جبهة إنقاذ مصر وحركة تمردها! وليس من المصادفة أيضاً أن تتبنى جبهة إنقاذ تونس وكذلك حركة التمرد فيها الأهداف نفسها التي تبنتها سابقاتها المصرية، وتتبنى المطالب ذاتها وتوجه التهم نفسها للحكومة المنتخبة، كل ذلك في رأيي يوحي أن المعلم هو المعلم نفسه، وأنه يرغب أن يحقق في تونس ما حققه في مصر، مع أن الحالة المصرية لم تأتِ كما أراد ومازالت الأمور مضطربة حتى الآن.
فلول تونس مثل فلول مصر مازالوا حاضرين على الساحة السياسية ومازالت آمالهم قوية في العودة إلى الحكم ولأنهم يدركون أن من المستحيل أن يعودوا عن طريق الصندوق فإن أملهم أن يعودوا عن طريق الانقلاب حتى وإن سالت دماء التونسيين فهذا كله لا قيمة له عندهم في سبيل تحقيق أهدافهم فهم ما عرفوا الديمقراطية يوماً؛ جاءوا بانقلاب ثم بتزوير الانتخابات المرة تلو المرة وأملهم العودة بانقلاب جديد!
إنقاذ تونس طالبت برحيل الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، ثم إبعاد المجلس الوطني التأسيسي بعد تقييده بأجل ومهام محددة! حركة تمرد ساندت الإنقاذ وإن ادّعت أنها لا تعمل معها، ورأيي أن هذا من باب التمويه وإلا فالهدف واحد؛ هذه الحركة جمعت تواقيع ادّعت أنها بمئات الآلاف من أجل المطالبة برحيل الحكومة، وطالبت بمحاسبة كل من أجرم في حق الشعب ومراجعة كل التعيينات التي تمت على أساس حزبي والتعويل على الكفاءات! وهذه المطالب مستنسخة عن مطالب تمرد مصر وهذا يرجح أن مصدر التمردين واحد وأن من يقف وراءهما واحد أيضاً!
حركة النهضة التي وصفوا زعيمها بـ (المرشد) كما ادعوا أنه هو الذي يدير الدولة - وهذا ما ردده بعض المصريين - كانت إلى جانب الأحزاب المشاركة معها أكثر تفاعلاً مع مطالب خصومها فقبلت بمطالب الرباعية الراعية للحوار ومنها استقالة الحكومة خلال ثلاثة أسابيع، وعلى بداية الحوار بين الجانبين خلال أسبوع وعلى أن يبقى المجلس التأسيسي قائماً بعمله حتى الخروج بحلول ترضي الأطراف المتنازعة.
الترويكا التي تقودها حركة النهضة شعرت أن عدم قبولها بمقترحات القوى المعارضة قد يجر البلاد إلى مزالق خطيرة وفي الوقت نفسه قد يقوّي حركة أنصار الشريعة التي صنفتها بأنها حركة إرهابية، والمؤكد أنها استفادت مما حدث في مصر فأرادت استباق كل النتائج التي قد تترتب على رفضها لمطالب خصومها حتى وإن كانت تلك المطالب لا تمتّ إلى الديمقراطية بصلة.
طالب المتمردون بشرعية التوافق بين الأحزاب لا بشرعية الانتخابات لأنهم يعرفون أنهم مرفوضون شعبياً وقبلت الترويكا هذا المطلب ولعل معرفتهم أن الشعوب العربية ليس لها تجربة عميقة في الديمقراطية على غرار الأوروبيين - وهذا ما رأيناه في مصر - جعلهم يتنازلون عن بعض حقوقهم من أجل مصلحة تونس وهذا تحول واضح في مواقفهم السابقة التي كانت ترفض مثل هذه التنازلات باعتبارها تنازلات غير شرعية وهذا يحمد لهم، ولو أن حكومة مصر السابقة فكرت بالطريقة نفسها ربما ضيقت الفرص أمام المتربصين بها ولكن لله إرادة في ذلك.
ولكن هل سيقبل المتربصون بتونس أي توافق يحصل بين التونسيين؟ شخصياً لا أعتقد ذلك لأنهم ببساطة لا يبحثون عن مصلحة التونسيين بقدر حرصهم على تحقيق ما يعتقدون أنه يحقق مصالحهم والمصالحة في رأيهم لا تحقق لهم ذلك، ومن هنا فإن واجب التونسيين ألا يمكنوا أعداء بلدهم منهم مهما كانت المغريات، والوعود هذه زائلة لا محالة، أما لو تمزقت تونس وتمزقت قلوب أهلها فإن مصيبتهم لن تعوّض ولو بعد عشرات السنين.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 4043 - الثلثاء 01 أكتوبر 2013م الموافق 26 ذي القعدة 1434هـ
الفلول افضل
الانظمه الشموليه احسن وافضل منكم يا الطائفين
مع الاسف ان كل نظام هو افضل من الانظمه السلفيه والاخوانيه