«الهويَّات في الشرق الأوسط» هو عنوان منتدى نظمه المعهد الشرقي (الألماني) في بيروت ومركز الدراسات العربية والشرق أوسطية في الجامعة الأميركية في بيروت خلال (28 – 29 سبتمبر/ أيلول 2013)، حيث قدمت فيه أوراق مهمة لأكاديميين من جامعات مرموقة في الولايات المتحدة والعالم العربي وعدد من دول الشرق الأوسط، وقد حضرتُ كمناقش.
الهوية قضية إشكالية من بدء الخليقة حتى اليوم، فهي ملاصقة للإنسان كفرد وللمجموعة والشعب والأمة. وبالطبع ليست الهوية شيئاً ثابتاً بل هي صفة متحولة بتحول الأزمان والأماكن.
في هذا المنتدى عالج الأكاديميون قضية الهوية من منظورات مختلفة وتجارب مختلفة وأزمان مختلفة، فالهوية مركبة بطبيعتها، وتدخل في تركيبها عدة صفات.
كما أن المنتدى عالج ارتباط اختلاف الهويات بالصراعات التي شهدتها المنطقة العربية الإسلامية، حيث تنافرت الهويات، وكذلك مراحل قصيرة من الازدهار بتعايش الهويات وأغنائها حياة الأفراد والأمم بتنوعها. لم يكن التعاش في الماضي بل تناول الحاضر بحرارته الباحثة ليزا ويدت، الأميركية المتقنة للعربية، من جامعة شيكاجو عرضت أفلاماً قصيرة وعرضاً شفوياً للصراع الدائر في سورية.
وتناولت إشكالية تعدد الهويات في سورية (النوعية والإثنية والدينية والمذهبية والقبلية)، والتي تحولت إلى عناصر متفجرة في الأزمة السورية إلى حالة الحرب الأهلية وتجلياتها في التطهير العرقي والقتل على الهوية والتهجي مما يهدد بتفكك سورية، تناثر الهوية الوطنية السورية الباحث الهندي الأصل من جامعة إكسفورد فيصل دنياجي، تناول في ورقته جذور تقسيم الهند إلى الهند والباكستان (باكستان وبنغلادش اللتان انفصلتا لاحقاً)، معالجاً العامل الديني الإسلام كما حمل لواءه محمد على جناح، الذي اعتبر الإسلام المكون الأساسي للهوية الباكستانية مقابل وعده المهاتما غاندي للتركيز على الهوية اللادينية الوطنية الهندية.
وجادل فيصل بأن التاريخ أثبت خطأ وعده جناح، حيث لم تلبث باكستان أن تشطرت رغم كون غالبية السكان مسلمين، ثم انتقلت العدوى إلى كل من باكستان وبنغلادش في صراعات دينية وإثنية لا تنتهي في حين أن الهند والتي تعج بالأديان والإثنيات والقوميات (حيث المسلمون بحدود 20 في المئة من سكانها) يتعايش أبناؤها وتتطور ديمقراطياً باستقرار تحسد عليه.
الباحثة الهندية شروقي كابيلا من جامعة كمبردج، عالجت فكر غاندي ومن بعده جواهرلال نهرو وحزب المؤتمر الجامع والعلماني، في مقاربته لتعدد الهويات الفرعية في الهند وتنوعها مع وجود هوية هندية جامعة، تستمد جذورها من المكونات الحضارية للهند بروافدها الهندوسية والبوذية والإسلامية، وكذلك في نزوعها لتأكيد الانعتاق من الاستلاب الثقافي القيمي البريطاني، حيث تشكل الثقافة والقيم البريطانية عقده نقص لدى النخب الهندية حتى اليوم.
الباحث الإيراني رضا ضياء إبراهيم من جامعة كنجز كولدج بلندن عالج قضية الهوية الفارسية في صراعها مع الإرث الإسلامي، وقد عرض رضا لمشكلة مرتبطة بالهوية الإيرانية ألا وهي الحضارة الفارسية.
واستعرض الباحث إثارة التناقض بين الهوية والثقافة الفارسية والإسلام والمسلمين العرب، والتي تثيرها النخب الفارسية من وقت لآخر مضخمة هذا التناقض، وكذلك تجليات ذلك في السياسة الإيرانية تجاه الأقليات، خصوصاً العرب، وتجاه علاقاتها مع الجوار العربي.
ويعتقد الباحث أن هذا التناقض مفتعل لأن للحضارة الإيرانية روافد عديدة في حضارة فارس ثم الحضارة العربية الإسلامية، وأسهمت فيها كل الشعوب الإيرانية الفرس والعرب والأكراد والآذار.
وخلص الباحث إلى أن الثورة الإسلامية في إيران واعدة في وضع حد لهذا التناقض، لكن برز مرة مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية والدور العدائي للدول العربية ضد إيران، وإدراكها أن السنة خصوصاً العرب لا يتقبلون الدعوة الإيرانية الثورية ذات المحتوى الشيعي، والذي لجأت الجمهورية الإسلامية في إيران إلى سياسة براغماتية بعيدة عن التبشيرية الإسلامية الشيعية والثورية.
الباحث اللبناني بشير سعادة من الجامعة الأميركية في بيروت تناول خطاب حزب الله السياسي والثقافي في تعامله مع القضية اللبنانية والهوية اللبنانية وصراعات المنطقة بدءاً بإسرائيل وانتهاء بسورية، والعلاقة مع إيران وولاية الفقيه.
وعرض سعادة لجهود حزب الله التوثيقية والثقافية والنوعوية السياسية لجمهور الشيعة المهمشين تاريخياً، في تأكيده على تأصل الشيعة في لبنان وتكوينه، والعمل لوضع حد لتهميشهم ودونيتهم، والانطلاق من ذلك في الإسهام في بنية الدولة اللبنانية الجديدة على قاعدة الإنصاف من ناحية، والوطنية من ناحية أخرى في مواجهة إسرائيل والغرب، وبالطبع في تحالف مع إيران، وخصوصية العلاقات الدينية التي تربط حزب الله والمؤسسة الدينية الإيرانية.
واستعرض سعادة الانتقادات والتهجمات التي توجه إلى حزب الله باعتباره أداة إيرانية، فعرض تعقيدات العلاقة ما بين حزب الله وإيران مع عدم إمكانية فصمها.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4043 - الثلثاء 01 أكتوبر 2013م الموافق 26 ذي القعدة 1434هـ