تبدو المعارضة السورية أضعف من أي وقت مضى في خضم التحضير لمفاوضات مقترحة في جنيف، وغداة قرار دولي بقي دون التوقعات المعقودة عليه، وفي ظل تزايد مؤشرات الإحباط في الداخل حيث أعلنت فصائل مقاتلة عدة أخيراً سحب دعمها للائتلاف الوطني المعارض.
وإذا كان رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا أعلن الجمعة من نيويورك أن القرار الصادر عن مجلس الأمن بشأن تفكيك الترسانة الكيماوية السورية «مقبول»، إلا أنه أصر على أنه يبقى «دون المستوى المطلوب»، فيما عبر أعضاء آخرون في الائتلاف عن الكثير من التحفظات والمرارة.
ويقول عضو الائتلاف سمير نشار رداً على سؤال لوكالة «فرانس برس» إن «قرار مجلس الأمن محبط لنا بشكل كبير ويخدم غالبية الأطياف الإقليمية والدولية بما فيها النظام السوري وإسرائيل، لكنه لا يخدم الشعب السوري أو الثورة السورية لا من قريب ولا من بعيد».
وبعد مفاوضات شاقة، تمكن أعضاء مجلس الأمن من إصدار قرار هو الأول حول سورية منذ بدء النزاع قبل ثلاثين شهراً، يلزم نظام الرئيس بشار الأسد بإزالة كافة أسلحته الكيماوية في أقل من سنة. وفي حال لم يتم ذلك، ينص القرار على إمكان فرض عقوبات من مجلس الأمن إنما يفترض صدور قرار ثان لذلك، ما يترك أمام موسكو، حليفة دمشق، إمكانية التعطيل. بينما كانت المعارضة تطالب بتضمين القرار تدابير عقابية تلقائية، وبتنفيذ التهديدات الغربية بضربة عسكرية ضد النظام لـ «محاسبته» على استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه كما تقول.
وتقول المستشارة في شئون الشرق الأوسط، إنياس لوفالوا التي تتخذ من باريس مقراً، إن قرار مجلس الأمن «جاء على حساب المعارضة التي تعتبر الخاسر الأكبر. مع مسألة الأسلحة الكيماوية هذه، عاد بشار الأسد المحاور السوري للمجتمع الدولي، أي حصل انقلاب في الوضع».
ويرى الخبير في الشئون السورية بيتر هارلينغ من مجموعة الأزمات الدولية (إنترناشونال كرايزيس غروب) أن «الائتلاف سيضعف أكثر مع بدء آلية مؤتمر جنيف 2، إذا كانت موسكو وواشنطن تريدان هذا المؤتمر كإطار سياسي لتكريس اتفاقهما حول الأسلحة الكيماوية الذي يهدف فقط إلى تجنب حرب لا يريدها أحد».
وسبق قرار مجلس الأمن اتفاق روسي أميركي على تسليم الأسلحة الكيماوية السورية، ما أبعد شبح ضربة عسكرية كانت تهدد بها واشنطن بعد اتهامها النظام بـ «تخطي الخط الأحمر» عبر استخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق في 21 أغسطس/ آب. وعلقت المعارضة آمالاً كبيرة على هذه الضربة التي كان من شأنها، لو حصلت، أن تعطي دفعاً للمعارضة المسلحة في معركتها على الأرض مع قوات النظام.
ويزيد من هشاشة موقع المعارضة ما يتركه هذا التخلي الدولي من تداعيات على الناشطين والمقاتلين ضد النظام في الداخل السوري الذين ينقلبون على الائتلاف، أبرز طرف سياسي سوري مناهض للنظام، لا سيما أنه لم يتمكن من الحصول من «أصدقائه» على السلاح والتمويل اللازمين لمقاتلي المعارضة.
وفي هذا الإطار، أعلنت 13 مجموعة مقاتلة بينها جبهة النصرة المتطرفة الثلثاء إنها لا تعترف بأي «تشكيلات» معارضة في الخارج بما فيها الائتلاف الوطني. ودعت الفصائل العسكرية والمدنية المعارضة «إلى التوحد ضمن إطار إسلامي واضح ينطلق من سعة الإسلام ويقوم على أساس تحكيم الشريعة وجعلها المصدر الوحيد للتشريع».
وقال الجربا في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل إيام إن ظاهرة التطرف «نمت وترعرعت في ظل التجاهل والتقاعس الدولي تجاه حماية الشعب السوري».
ويقول المتحدث باسم لواء الإسلام، إسلام علوش، أحد الفصائل الـ 13، لوكالة «فرانس برس» عبر سكايب إن «الائتلاف ابتعد عن الشعب السوري، وعن واقعه وطموحاته».
وفي شريط فيديو بثه ناشطون على الإنترنت، يظهر قائد الجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر ياسر عبود وهو يتوجه بغضب إلى مسئولين سوريين معارضين مجتمعين في الأردن، ويقول «أنتم تعرفون أن المعركة شغالة... من منكم أنجدنا، من الذي أتى لنا بجرعة ماء؟ المفترض بكم كمسئولين أقله أن تسالوا العسكريين عن وضعهم وعن طلباتهم».
ويضيف متوجهاً إلى «مسئولي الخارج»، «ليست مسئوليتنا أن نقول لكم إن محافظة درعا أو مدينة درعا تحتاج إلى علبة سمن وقليل من المعكرونة والأرز ليأكل 720 مرابطاً على خط الجبهة... أنا أتيت إليكم من أرض معركة. لديّ (اليوم) سبعة شهداء و18 جريحاً، ولا أحد (...) لا أحد منكم اتصل بنا ليسألنا ما الذي نحتاج إليه».
وفي مواجهة القوة النارية لقوات النظام، يحتاج مقاتلو المعارضة إلى سلاح نوعي وذخيرة، بينما يعاني المواطنون في بعض المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر من نقص كبير في الغذاء والأدوية.
وتقول إنياس لوفالوا «هناك شرخ يتسع بين سوريي الداخل وسوريي الخارج، وبالتالي، هذا يزيل كل هامش مناورة أمام المعارضة في أي مفاوضات مقبلة».
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون السبت أن مؤتمر «جنيف 2» للسلام في سورية سيعقد في أواسط نوفمبر/ تشرين الثاني.
ويقول نشار إنه «شخصياً ضد المشاركة في جنيف» ما لم تتحقق شروط الائتلاف وأبرزها سقوط النظام وبدء عملية انتقال ديمقراطي، مضيفاً «إذا كان التفاوض بالشروط الحالية، فالأفضل أن يذهبوا ويتفاوضوا بدمشق».
وتحذر لوفالوا من أن قرارات المعارضة، في حال مشاركتها في مفاوضات «لن تكون مقبولة ومعترف بها من المقاتلين والناشطين على الأرض، ولن تكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع».
العدد 4041 - الأحد 29 سبتمبر 2013م الموافق 24 ذي القعدة 1434هـ