العدد 4039 - الجمعة 27 سبتمبر 2013م الموافق 22 ذي القعدة 1434هـ

سكان وقرى البحرين في العام 1936

دوّنت الوثيقة التي بين أيديكم في غرة شهر رمضان للعام 1355هـ، كما هو مبين في أعلاها، الموافق لـ 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1936م. وتأتي أهميتها في هذا العرض لا من حيث الطلب الذي قُدم فيها على لسان الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، لمزيد من الخدمات الصحية من قبل المعتمد البريطاني، وكان آنذاك الليفتنانت كولونيل برسي جوردن الذي تولي منصب المعتمدية من نوفمبر 1932 وحتى أبريل/ نيسان 1937؛ بل لكون هذه الوثيقة تسجل بشكل موثق عدة أرقام مهمة للباحثين في الحقل الديموجرافي في البحرين في تلك الفترة أي قبل نحو 77 عاماً من الآن. وما يلفت الانتباه في هذه الوثيقة هو ما ذكرته عن عدد القرى، وعدم وجود سوى مدينتين فقط في العام 1937 في البحرين هما (المنامة والمحرق) إنما جاء ذلك باعتراف أكبر رأس في سلطة الدولة في عهد الحماية البريطانية ليدحض أقلام بعض مزوري التاريخ اليوم.

ولنقرأ الوثيقة سوياً حتى نتابع ما طرحناه بداية، وهي تقول في سطورها:

«بسم الله الرحمن الرحيم

حمد بن عيسى آل خليفة

في غرة رمضان المبارك 1355

حضرة جناب الأجل الأمجد محبنا صاحب السعادة معتمد دولة بريطانيا المحترم بالبحرين

بعد السلام عليكم ورحمة الله

نحرر هذا الكتاب لانه في ظننا ان الوقت مناسب بان تشرع حكومة البحرين بمستشفي حكومي لمنفعة اهل البحرين.

ان صحة رعايانا اهم مسألة وتحسين صحة الناس قضية ينبغي ان تنظر فيها حكومتنا. ان عدد سكان جزرنا لا يقل عن 150,000 ويوجد في الوقت الحاضر مستشفيان وهما مستشفي فكتوريا الذي فيه 12 فراشا ومستشفي الارسالية الاميركانية الذي هو اكبر. ولكن هذا غير كاف. لمدة سنوات كثيرة لم يعمل عمل المستشفيات الا من قبل هذين المستشفيين ونحن ورعايانا دائما شاكرين لعمل اطباء هذين المستشفيين وان شاء الله انهم يواصلون قيامهم بعملهم الطيب - الذي له منا استحساننا التام. ولكن رعايانا في البحرين عديدون والحاجة داعية لزيادة المستشفيات ونرغب في ان يكون مستشفي خاص بنا وان يكون باسمنا. لقد شيدنا المدارس وجهزنا الماء وبنينا الطرق وعملنا اشياء كثيرة لاصلاح حال رعايانا ولكن الصحة اهم من كل هذه الاشياء الاخرى. انه ليس من اللائق هنا وفي اقسام الدنيا بوسعهم القول (وهم في ذلك صادقين) بان حكومة البحرين لا تهتم بصحة الرعايا وانه ليس لديها اطباء ومستشفى. اننا لا نريد ان ننقص عمل المستشفيين الموجودين وانما الذي (نوضحه؟) هو التسهيل على رعايانا بحصولهم على المساعدة الطبية اكثر من الآن. ويحصل في الوقت الحاضر للناس الذين يسكنون في الريف (القرى) مساعدة صحية قليلة مع انه يوجد ما يزيد على المائتي قرية غير المنامة والمحرق.

وفي الابتداء نرغب في فتح مستشفى صغير للرجال والنساء والاطفال ونحب ان توظف طبيباً انكليزيا صالحا وطبيبة. وسوف يكون في عهدته قابلات بلدياتنا والصيدليات المجانية وسيزور القرى كما انه سيشتغل في المستشفى وهو سيشور علينا باحسن الطرق لاصلاح صحة رعايانا.

اما من خصوص قيمة المستشفي والمصرف السنوي فاننا سنخصص من ميزانيتنا للسنة المقبلة مبلغا من الواردات لبناء المستشفي وتجهيزه. ولاجل القيام بشئونه في السنين المقبلة فاننا سنودع مبلغا لذلك.. هذا والباري يحفظكم والسلام. (الختم)».

يمكن التوقف عند أكثر من معلومة مهمة في سياق تحليل بعض أجزاء هذه الوثيقة الأصيلة، ومنها أنها تشكل أو إحصاء غير رسمي ومدون عن عدد سكان البحرين العام 1937، ويتضح أن عدد السكان كان لا يقل عن 150,000 نسمة بما فيهم من يسكنون الجزر البحرينية بشكل عام.

وأن الشئون الصحية، كبقية الشئون، لا يمكن البت فيها، إلا بإذن سلطات الحماية البريطانية العليا بطلب مزيد من المستشفيات، وللمعتمد البريطاني السياسي في البحرين وليس للمستشار الإنجليزي (تشارلز بلغريف) الذي عينته السلطات نفسها لتولي هذا المنصب.

وأنه حتى العام 1937 كانت الرعاية الصحية الحكومية في البلاد تتم من خلال مستشفيات بريطانية وأميركية، ولم يكن يوجد أي مستشفي صغير أم كبير باسم الشعب قام ببنائه الأعيان وكبار القوم، وبشكل خاص في القرى البحرينية التي عانت الأمرين من الإهمال منذ ذاك الزمان كما اعترفت الرسالة. ولذا انتشر الطب الشعبي على نطاق واسع، وأدت قلة الأدوية والرعاية الصحية لانتشار الأمراض وفتكها بالناس وخصوصاً في فترات الأوبئة. وهذا ما أكدت عليه الرسالة بقولها: «انه ليس من اللائق هنا، وفي أقسام الدنيا بوسعهم القول (وهم في ذلك صادقين) بان حكومة البحرين لا تهتم بصحة الرعايا وانه ليس لديها أطباء ومستشفى». ولذا طلب الشيخ حمد «زيادة المستشفيات، ونرغب في أن يكون مستشفى خاص بنا وان يكون باسمنا».

أضف إلى ذلك، ما ذكرته الوثيقة بأن عدد قرى البحرين كان في ذاك العام يزيد على 200 قرية؛ وهذا يؤكد بلا شك ما سجله الربان أحمد ابن ماجد في أراجيزه البحرية عن وجود نحو 350 قرية في البحرين في القرن الخامس عشر للميلاد، وقد تم تكذيب هذا الرقم من قبل بعض الباحثين دونما دليل سوى أن ابن ماجد كان يقصد إقليم البحرين القديم الذي ضم الكويت، والإحساء، والقطيف، وشبه جزيرة قطر، والإمارات، وجزءاً من عمان، بالإضافة إلى جزر أوال، وكانت هجر عاصمة هذا الإقليم.

وهنا يبرز سؤال جد مهم، وهو بما أن في البحرين اليوم نحو مائة قرية، فأين ذهبت معظم القرى الباقية منذ ذاك التاريخ حتى اليوم؟ ولماذا اختفت من على الخريطة السكانية والجغرافية في البلاد؟

العدد 4039 - الجمعة 27 سبتمبر 2013م الموافق 22 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:09 ص

      كم عانيت يا وطني

      الجواب جدا سهل اين اختفت كل تلك القرى؟؟و اليوم بعد اختفاء تلك القرى يراد التخلص من ماتبقى من القرى عبر جريمة التجنيس و التغيير الديمغرافي

اقرأ ايضاً