حدَّدت المحكمة الصغرى الجنائية الرابعة برئاسة القاضي حمد السويدي، وأمانة سر ناصر الحايكي، يوم (2 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل) للحكم في قضية متهمَيْن بالتجمهر والشغب في السنابس.
وقد أسندت النيابة العامة للمتهمَيْن أنهما في (19 أبريل/ نيسان 2013) اشتركا وآخرين مجهولين في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه الإخلال بالأمن العام، مستخدمين في ذلك العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها، وذلك على النحو المبيّن بأوراق الدعوى.
وقد مثل المتهمان وأنكرا ما نسب إليهما أمام المحكمة، فيما تقدمت الحاضرتان بمرافعة طلبتا في نهايتها ببراءة موكليهما.
وقد دفعت المحامية زينب عبدالعزيز ببطلان اعترافات المتهم كونها صادرة تحت وطأة التعذيب، ووليدة إجراءات القبض الباطلة، ولمخالفتها للحقيقة والواقع، وقالت الاعتراف سلوك إنساني، والقاعدة أنه لا يعتبر سلوكاً إلا ما كان يجد مصدراً في الإرادة فلا عبرة بالاعتراف -ولو كان صادقاً - إذا جاء نتيجة إكراه مادي أو معنوي مهما كان قدره أو كان نتيجة وعد أو إغراء؛ لأنه يُعّد قرين الإكراه والتهديد، وله تأثيره على حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والاعتراف، ويؤدي إلى حمله على الاعتقاد بأنه قد يجني من وراء الاعتراف فائدة أو يتجنّب ضرراً.
ويتفّقد ما سبق مع التعريف الوارد في المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 1998 بالانضمام إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدّة في (10 ديسمبر/ كانون الأول 1984)، حيث جاء في المادة (1) من الاتفاقية سالفة الذكر أنه:
«لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات، أو الذي يكون نتيجة عرضية لها».
وأضافت فقد قرر المتهم في شكوى تعذيب قُدمّت للنيابة العامة بأنه تعرض للتعذيب النفسي والمعاملة الحاطة بالكرامة أثناء سؤاله من قِبل الإدارة العامة للتحقيقات الجنائية ثم أُجبِرَ على الإدلاء بأقواله عند التحقيق معه بمعيّة النيابة العامة من خلال تهديده لفظياً.
ما سبق لا يمكن أن يتسّق مع المفهوم القانوني للاعتراف كونه: «عمل إرادي ينسب به المتهم إلى نفسه ارتكاب وقائع معينة تتكوّن به الجريمة»، فالتوقيع على إقرار تحت ظل التهديد والترهيب والخشية من ملاقاة المزيد من الاعتداء لا يمكن أن يوصَف بالعمل الإرادي.
كما دفعت عبدالعزيز ببطلان اعتراف المتهم لمخالفته للحقيقة، إذ بيَّنت أن من المقرّر أنه لتقدير قيمة الاعتراف كدليل في الإثبات فإنه لا يكفي توافر أركانه وشروط صحته، بل يلزم بالإضافة لذلك أن يتحقّق القاضي من صدقه ومطابقته للحقيقة بمراعاة الانسجام بينه وبين الأدلة الأخرى في الدعوى، وما يقتضيه العقل والمنطق إعمالاً لمبدأ «تساند الأدلة الجنائية».
كما دفعت عبدالعزيز ببطلان محاضر جمع الاستدلالات والتحريات والصحة لما كان من المقرر قانوناً وفقهاً وقضاءً أنه لا يجوز الاستناد في الإدانة إلى محاضر جمع الاستدلالات والتحريات التي تُعّد بناءً على معلومات تفيد بها المصادر السرية، ولا تصلح هذه المحاضر إلا لمراحل تحضير التهمة وصولاً لتعزيز ما تنتهي إليه التحريات بأدلة أخرى.
وإنْ بنى القضاء قناعته استناداً لما ورد من أقوال المصادر السرية في محاضر الاستدلال لوحدها فإن حكمه يكون معيباً إلا إذا قررت سلطة الاتهام تقديم المصدر السري الذي اتصلّت بإحدى حواسه الخمس وقائع القضية أو جانب منها كشاهد في الدعوى كدليل مستقل عن محاضر جمع الاستدلالات والتحريات.
خلاصَة ما سبق أن الملازم لم يتوصّل بشخصه لهوية المتهمّين محل المحاكمة، ولم يكن يميّز أشخاص المرتكبين للفعل المادي المكون للجرائم محل الاتهام، بل زعم أنه توصّل لاحقاً للمتهمين من خلال مصادره السرية التي لا يُعلم طبيعتها ولا مدى مصداقيتها وجديتها، ولن تُمكّن المحكمة من الوقوف على أقوالهم بنفسها، الأمر الذي لا يصّح معه الاستناد لما ورد في محاضر الاستدلال كأساس للإدانة.
كما دفعت عبدالعزيز بشيوع الاتهام، كما تنّص المادة (20/ب) من الدستور البحريني «العقوبة شخصية».
وإعمالاً لهذا المبدأ الذي يقتضي أن لا يعاقب شخص إلا لجريمة ارتكبها أو ساهم فيها فإنه يشترط في التهمة التي تتناول أكثر من شخص بالإدانة أن تحدّد بشكلٍ مفصّل الفعل الجرمي الذي صدر من كل متهم على حدة، بحيث يحاكم كل منهم بقدر ما صدر منه من مخالفة، ويعاقب بموجبها لا بقدر ما تحملّه غيره من وزر.
فالاتهام الموجّه يجب أن يبيّن حقيقة الدور الذي أدّاه المتهم تحديداً بحيث يشكل هذا الدور في عمومه أركان الجريمة فلا تكون الإدانة مشوبة بإجمال أو إبهام مما يتعذّر معه نسبة الفعل الجرمي للفاعل.
وبتطبيق ما سبق على الدعوى محل النظر يتضّح لعدالتكم شيوع التهمة الموجهة لموكلّي بين عدد يتراوح بين 40 شخصاً، فمن أين استقت سلطة الاتهام اطمئنانها لثبوت التهمة في مواجهة موكلّي؟
ثم إنه من بين مجموعة الأفعال المادية المكونة للجريمة محل الاتهام والتي أوردها محررّو المحاضر من ضمنها (سد الطرقات، الاعتداء على الدوريات الأمنية، الهتافات التحريضية، التجمهر) ما هو الفعل المادي المنسوب لموكلّي تحديداً؟، وهل شاهد المصدر السري المتهم وهو تصدر منه هذه الأفعال شخصياً؟.
زِدْ على ذلك أن أقوال المصادر السرية ذاتها لم تحدّد الفعل المادي الصادر من كل متهم على حدة، بل أجمعت بأن المتهم الماثل وآخرين اشتركوا في تجمهر واعتداء على الدوريات الأمنية دون تحديد للفعل المادي الصادر منه تحديداً.
وبخصوص الدفع بتخلّف أركان مواد الاتهام أفادت عبدالعزيز بأن النيابة أسندت للمتهم جريمة التجمهر والشغب، والواضح لعدالة المحكمة أن التُهمة محل الرد تتطلب كغيرها من الجرائم توافر أركان الجريمة بنوعها المادي والمعنوي والخاص.
فأما جريمة الاشتراك في التجمهر في مكان عام واستخدام العنف لتحقيق الغاية من ذلك والركن المادي فيها هي الحركات المادية التي يقوم فيها الفاعل أما الركن المعنوي فهو القصد الجنائي العام المتمثّل في العلم والإرادة، فضلاً عن ضرورة توفّر القصد الجنائي الخاص الذي اشترطه المشرّع لتحقّق هذه الجريمة، ويُراد بهذا القصد العلم بالغرض غير المشروع من التجمهر، وفي ذلك قضت محكمة التمييز: «لما كان ذلك، وكانت المادة 178 من قانون العقوبات التي دين الطاعن بموجبها قد نصّت على أنه كل من اشترك في تجمهر... ومن ثم فإن العقاب على التجمهر المنصوص عليه في تلك المادة يتطلّب فوق توافر القصد العام توافر قصداً جنائياً خاصاً، وهو العلم بالغرض غير المشروع من التجمهر (الطعن رقم 144 جنائي لسنة 2011 جلسة 14 فبراير 2011)».
لما كان ذلك، ولما تبيّن من أقوال المتهم أمام عدالتكم فهو منكر لمشاركته في التجمهر، بل لم تكن له نية المشاركة أساساً، وإنمّا صادف وقت خروجه من المنزل مرور المسيرة فكان واقفاً على قرابة من منزله أثناء مرور المسيرة فانتظر لحين مرورها ليتمكن من التوجه لسيارته. كما لا يمكن القبول بأي حال من الأحوال بالقول بتوافر الركن المعنوي فالمتهم لم يبتغِ الإخلال بالأمن العام ولا يعلم بقصد المتجمهرين أو وافقهم عليه، فلا يصّح أن يُحاسب على قصدهم دون غرضه.
مفاد ما سبق أنه حتى لو صادف مرور المتهم في ذات الطريق الذي كان يمر فيه المتجمهرون فهذا لا يجعله شريكاً لهم في الجرم لتباين قصدهم عن إرادته وقصده، وبالتالي تفتقر التهمة الموجهّة للمتهم أركانها الأساسية مما يحول دون قيامها في مواجهته.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ مناط تحقق جريمة «التجمهر بقصد إحداث الشغب» هو صدور الأمر للمتجمهرين بالتفرّق فإن لم يتفرقّوا رغم صدور الأمر بذلك كان لرجل الأمن أن يتخّذ من التدابير لتفريق الذين خالفوا الأمر وليس الأشخاص المتجمهرين ابتداءً، وعلى ذلك نصّت المادة (180) من قانون العقوبات صراحة.
بالتالي فإن جميع أوراق الدعوى بما فيها محاضر البلاغات وأقوال المتهمين، والتي لا نسلّم بصحتها، تفيد بأنه كان هناك مسيرة تمّ المشاركة فيها ثم انفضّت دون تدخل من قبل رجال الأمن.
بالتالي ولو فرضنا جزافاً مشاركة المتهم في المسيرة فلا يمكن تباعاً اعتبار الأعمال التي صدرت من المتجمهرين أعمال شغب وفقاً للشروط التي جاءت بها المادتين (179) و(180) من قانون العقوبات، بل تُنسَب له احتياطياً تهمة التجمهر فقط دون الشغب.
وطلبت عبدالعزيز قبل الفصل في الدعوى ضم شكوى التعذيب المقدمّة من قبل المتهم باعتباره مجني عليه في مواجهة رجال الأمن وأعضاء النيابة الذين حققوا معه لملف الدعوى ووقف النظر في الدعوى لحين الفصل فيها لارتباط مآل التحقيق فيها بالحكم الصادر في الدعوى الماثلة، واستجواب المتهم الأول عن مدى مصداقية أقواله فيما يتعلّق بمشاركة المتهم الثاني في الواقعة محل الاتهام، والإفراج عن المتهم لحين صدور الحكم في الدعوى الماثلة.
وعند الفصل في الدعوى أصلياً الحكم ببراءة المتهم مما أسند إليه من تهم، واحتياطياً استعمال أقصى موجبات الرحمة والرأفة ووقف تنفيذ العقوبة إعمالاً لنص المادة (81) من قانون العقوبات مع الأخذ بعين الاعتبار كونه العائل الوحيد لأسرته.
العدد 4039 - الجمعة 27 سبتمبر 2013م الموافق 22 ذي القعدة 1434هـ