ليس من المعتاد أن يطرح المتابعون لتاريخ السياسة الأميركية السؤال، عن أسباب إقدام رؤساء الولايات المتحدة الأميركية على اتخاذ قرارات الحرب، بحق الدول الأخرى، فتلك هي القاعدة، والاستثناء هو التردد عن الدخول في الحروب.
فمنذ إعلان الرئيس روزفلت الحرب على دول المحور، في الحرب العالمية الثانية، تفرّد الرئيس جيمي كارتر، بين كل الرؤساء بالامتناع عن الزج بالجيش الأميركي في دخول حرب ضد أي من الدول، مع أنه كان الأكثر احتياجاً لشنها، إثر قيام الحرس الثوري الإيراني باحتجاز أعضاء السفارة الأميركية في طهران، في الأيام الأولى للثورة الإيرانية التي قادها آية الله الخميني. قام بمحاولة يائسة لإنزال قوات من البحرية الأميركية لإنقاذ الرهائن، وتعثرت تلك المحاولة إثر سقوط الطائرة العسكرية التي تحمل قوات المارينز، ولم يعاود المحاولة مرة أخرى.
والخلاصة، أن الشعور بالحاجة إلى حرب، عمّ معظم الرؤساء الأميركيين. فالنصر العسكري هو الطريق الأسهل للدخول في قائمة القادة العظام. فلماذا إذاً تردد الرئيس أوباما عن تنفيذ تهديده بالحرب ضد سورية؟
قبل يومين من انعقاد الكونغرس الأميركي، صرح أحد أعضائه، بأنه من غير المتوقع أن ينهي المجلس مناقشاته حول الأزمة السورية قبل أسبوعين من انعقاده. وقد أشارت استفتاءات الرأي إلى أن المعارضة للحرب قوية داخل الكونغرس. وأن أوباما لن يتمكّن من حشد عدد كافٍ لاستصدار قرار يؤيد الضربة العسكرية.
دفع موقف الكونغرس هذا بالرئيس الفرنسي، إلى الإعلان عن أن مشاركته في أية عملية عسكرية ضد سورية، ستظل مشروطة بنتائج التحقيق الأممي حول استخدام السلاح الكيماوي في غوطة دمشق. وقبل الإعلان الفرنسي، رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة في الحرب.
وفي قمة مجموعة العشرين، فشل الرئيس أوباما في حشد التأييد للحرب، وكشفت الاجتماعات عن صلابة الموقف الروسي، حيث أعلن بوتين صراحة، أنه سيواصل تقديم الأسلحة والدعم الاقتصادي والإنساني للحكومة السورية، حتى لو نفذت الإدارة الأميركية مشروع الحرب عليها.
والنتيجة أن قرار الحرب، ظل متردداً. ولا يستثنى الرئيس أوباما من هذا التوصيف. فليس في الذاكرة المعاصرة، حادثة تشير إلى انتظار أي رئيس أميركي موافقة من الكونغرس لشن الحرب. فهو وحده بموجب الدستور صاحب هذا القرار وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة. وبموجب التقليد الأميركي، فإن الرئيس يشن الحرب أولاً، ثم يبلغ الكونغرس الأميركي. وتمتد فترة تجاوزه للكونجرس التسعين يوماً.
يشير كثير من المحللين السياسيين في الغرب، إلى أن الشراكة الأميركية مع الصين وروسيا تعززت في الأزمة الاقتصادية العالمية. وكان دور الصين، بمخزونها المالي، وشرائها للسندات الأميركية عامل تهدئة وخلق مناخات جيدة للخروج من الأزمة، التي لاتزال تداعياتها ماثلة حتى يومنا هذا. إن الخشية على هذه الشراكة هي أحد أسباب التردد الأميركي. فروسيا والصين تقفان بقوة ضد أي تدخل عسكري أميركي في سورية، واستخدما «الفيتو» مرات عدة للحيلولة دون صدور أي قرار يوصي بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بحق القيادة السورية.
تنفيذ وعد الرئيس أوباما بالحرب على سورية، يعني أمرين خطرين بالنسبة لصانع القرار الأميركي. الأول هو تعرض العلاقة الاقتصادية مع الصين وروسيا للخطر. وقد ألمح الرئيس الصيني إلى ذلك في خطابه في اجتماعات مجموعة العشرين. إن تراجع العلاقة الأميركية مع الصين وروسيا سيسهم في خلق أزمة اقتصادية عالمية أكثر حدة. والثاني، هو استعادة روح حرب فيتنام. ففي تلك الحرب لم يتدخل السوفيات والصينيون فيها بشكل مباشر، وكان دعمهما لوجستياً في الحرب. بقيت جسور الإمداد العسكري السوفياتي والصيني مفتوحة لسنوات عدة. تمددت الحرب إلى لاوس وكمبوديا، ولكنها انتهت بهزيمة سياسية ماحقة لأميركا.
يخشى أوباما من تكرار سيناريو فيتنام، وخاصة أن الروس أفصحوا أنهم سيساعدون سورية لوجستياً، في حالة اندلاع الحرب. وأوضح رسالة في هذا السياق، هي إنذارهم المبكر، قبل أيام عدة عن الصاروخين الباليستيين «الإسرائيليين»، وإبلاغهم بوتين عنه، في رسالة واضحة للإدارة الأميركية، عن نواياهم في حال اندلعت الحرب.
صحيح أن الإدارة الأميركية بوسعها أن تبدأ الحرب، وبإمكانها أن تعلن عن أنها ستكون محدودة وجزئية، لكن ما هو متاح من معلومات، يشير إلى رفض القيادة السورية وحلفائها للتكتيك العسكري الأميركي، واعتبارها إطلاق صاروخ أميركي واحد هو بمثابة إعلان حرب شاملة. وهو أمر لا يرغب به الرئيس أوباما، الذي خاض حملته الانتخابية الأولى على أساس عدم توريط بلاده بحروب مماثلة كالتي خاضها سلفه الرئيس جورج بوش.
يعلم الرئيس أوباما، عبر المواقف الروسية - الصينية المعلنة، أن الحرب المفترضة، إذا ما تحققت لن تكون نزهة، وأنها يمكن أن تشعل النيران في عموم المنطقة، بما في ذلك «إسرائيل». وذلك هو سر تردده.
بالإمكان الحديث عن قوة النيران الأميركية و «الإسرائيلية»، لكن المفاتيح ليست جميعها بيدها. وفي الحروب ليس بإمكان التأكيد على مآلاتها وتطوراتها. والتقديرات تشير إلى أن هذه الحرب، إن حدثت ربما تحمل مفاجآت غير سارة. وحتى إذا افترضنا، أن الأمور سارت بسلاسة، وفق الترتيبات الأميركية، فالمؤكد أن هناك فراغاً سياسياً كبيراً ستعيشه سورية ما بعد الانتهاء من الهجوم العسكري. والأقرب أن تتفتت إلى مناطق يتقاسمها أمراء الحرب، من جبهة النصرة، وتنظيمات أخرى متطرفة. وأن تعيش لأمد غير منظور في وضع مشابه لليبيا، مع فارق موقع سورية في الخارطة السياسية، واحتمال انتقال الفوضى لدول مجاورة، بما يهيئ الفرص لتنفيذ مشروع الوطن البديل في الأردن. ويجعل المنطقة بأسرها حبلى بمفاجآت لا تحمد عقباها.
ما حدث أخيراً، هو وقفة هدنة في الصراع بين العمالقة على سورية، لها ما بعدها، من تطورات في ملف الأزمة، فإما الذهاب إلى جنيف وذلك احتمال ليس مؤكداً، أو أن تستمر آلة القتل في طحنها، إلى أمد غير محدود، وذلك ما ستكشف عنه التطورات اللاحقة، بعد القبول السوري للمبادرة الروسية بتسليم مخزونها من السلاح الكيماوي وتوقيع اتفاقية حظر استخدام هذا النوع من الأسلحة. وما لم يتمكن العقلاء من إيقاف هذه الحرب المجنونة، فليس أمامنا سوى المزيد من الخراب والانهيار وفقدان الأمن.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 4038 - الخميس 26 سبتمبر 2013م الموافق 21 ذي القعدة 1434هـ
حرب خاسرة أو دمار الشامل أو إزالة إسرائيل من الوجود؟
ليس من اسرار الحرب لكن أمريكا خاسرة في هذه الحرب كما خسرت ودمرت العراق وعليها دفع ضرائب عن الحروب التي شتنها على الشعوب ومنها الحرب في فيتنام وأفغانستان ويوغسلافيا وفي السودان والصومال ودول أفريقيا. فقد عمل المخابرات بالتجسس وزرع الفتن بين الناس وهذا ليس فيه أخلاق أو قيم أو مباديء إنسانية. فقد تستحل الدول و تبيح القتل والنهب. وهذه مشكلة عقول أمريكية تجارية وليست أصلية. فتفكر من منطلق لا أساس له إلا مصالحها كما ترشوا أو تعطي صلاحيات لما تسميهم حلفائها لكن الضريبة تدفعها الشعوب. أين فائدة الشعوب؟
قراءة عميقة ودقيقة حول تراجع او تأخير الحرب على سوريا
المواطن العربي البسيط يظن ان امريكا تشن الحرب متى ما شاءت وفي اي منطقة اختارت لكن يبدو ان الوقت والوضع تغير واصبح اكثر تعقيدا مما يدفع الغرب للحذر في ان يتورط في حروب لا يعرف تداعياتها رغم ضخامة صناع قرار
الخوف على اسرائيل أيضاً
تهديد النظام السوري بالرد على اسرائيل في حال حدوث الحرب ، وتربص حزب الله ، والتهديد الإيراني بأنهم لن يكونوا متفرجين اذا تم ضرب حليفتهم سوريا ثم تهديد دول الخليج بطرب القواعد العسكرية الأمريكية