تنسحب بعض المصطلحات الاقتصادية والتجارية على السياسة والسياسيين، وتعاطيهم مع البشر الذين وجدوا أنفسهم إما في ظل إنصافهم وعدلهم؛ وإما تحت نيْر ظلمهم وإهدار دمائهم وكرامتهم معاً. والمَيْل كل الميْل فيما نشهد ونعاين إلى الثاني؛ إذ هو الغالب والشائع، ويكتسب مع مرور الوقت، وتجاهل القوى الكبرى الحريصة على حقوق الإنسان في بلادها ولصالح مواطنيها، وتجاهلها خارج حدودها، ما يشبه السلوك العادي؛ والممارسة بحيث إذا حدثت انفراجة هنا أو هناك، يتم الالتفات إليها، وهذه المرة حرصاً على المصالح، وتأكيد تقوية عراها؛ لا أكثر ولا أقل!
يُراد للمواطن النموذجي الذي يجب أن يُحتذى، أن يكون من دون كرامة. أن تتعطّل لديه الحواس. أن يكون موجَّهاً وليس بالضرورة عن طريق «الريموت كنترول». أن يعرف ما يريده سادته، وأن يضع افتراضاً احتياطياً لمزاج سادته أيضاً. لأن ما يريحهم ويفرحهم اليوم ليس بالضرورة أن يكون كذلك في اليوم الذي يليه؛ وبالتالي عليه أن يكون بموهبة استثنائية أيضاً، كي يكون سدّاً منيعاً يحول بينه وبين الكرامة تلك، وكي يكون أحد أسباب وجوده في هذا العالم هو إسعاد سادته ولو كان على حساب شقاء مئات أو آلاف أو حتى ملايين، وفي نهاية المطاف إسقاط السعادة من حساباته؛ لأن في إسعاد سادته سعادته، وخلوّه من الكرامة ضمان كي لا يوسوس له الشيطان فيخرج على القواعد التي رسمتْ، والطرق التي خُطّطت، والأدوار التي حُدّدت!
***
منسوب تلك الكرامة يغيض أو يفيض؛ تبعاً لما يجري في العالم؛ وخصوصاً الذي ننتمي إليه؛ عربياً كان أو إسلامياً.
ليس من باب التندّر القول الشائع: يعطس نظام هناك، فيصاب نظام بالزكام الحادّ هنا وهنالك. الممارسات السياسية؛ وخصوصاً تلك الخارجة على العقل والأخلاق والقيم والدّين والضمير لها تأثير بالغ وإمكانات عدوى عميقة، قد تكون أكثر من أي مرض أو حتى وباء.
في الأوبئة تعمد الدول إلى إقامة مراكز حجْر أو عزل. قد تنجح في احتوائها وقد تفشل؛ أو قد تحقق نجاحاً نسبياً في الحدّ من انتشارها، وقد تحقق فشلاً «ملفتاً» أيضاً يكشف عمّا يرتبط برخاوة بنْيتها! البنْية الرخْوة من جهة، والقبضة التي عنوانها البسيط بطش وحديد، وما بعده عذابات وانسداد أفق، ومصادرة كرامات، من جهة أخرى.
في الأوبئة السياسية والقلاقل والاضطرابات خارج الحدود، وخصوصاً في حيّزات جغرافية على تنافر معها، وترى فيها عدوّاً لابد منه، تماماً كالشرّ الذي لابد منه، تكون العيون على الذين يسبّبون صداعاً داخل أوطانهم، وأحياناً يسبّبون كوابيس؛ لأنهم ليسوا من فئة الذين نذروا حيواتهم كي يكونوا مجرّدين من الكرامة إما تطوّعاً أو رهَبَاً.
هنا يكون دور مراكز العزل والحجْر، ولكنها من نوعية أخرى. من نوعية ألفناها في الأدبيات قديماً وحديثاً: «الداخل فيها مفقود، والخارج منها مولود»، وحتى الذين يخرجون لن يكونوا بطبيعة الحال مولودين في معزل عن التشوّهات النفسية، والجروح الغائرة في الروح بفعل الممارسة في الداخل.
نحن لا نتحدث عن منتجعات ومراكز «سبا». نتحدث عن «تعليق» لكل شيء من الأجساد إلى المصائر و «سحلها» و «جرّها» و «رفْعها» في وضعية مختلفة عن الرفع الذي نألف، وتثبيت التهم والمؤامرات عليها بـ «الجزْم» ليخرج الإعلام وقد حفظ درس «النصْب» على العالم عن ظهر وبطن قلب!
ثمة جاذبية عجيبة وغريبة في نقل أسوأ النماذج وتبنّيها. ثمة هروب من أفضل النماذج التي تحدث في العالم بالتعاطي مع الإنسان وقضاياه وملفاته التي هي بطبيعة الحال معقّدة؛ على رغم أن الإنسان بسيط!
في الملفات المعقّدة في المحيط المكاني، أو حتى ما بعده، يرتفع مؤشر التضييق والاستهداف لمنابع الصداع والكوابيس؛ أو كما يُراد تصويرها والتعامل معها. موازين القوى في ذلك المحيط تحدّد حجم وكمية الألم والإهانات التي يجب أن تبث في آفاق الناس وحركاتهم وسكناتهم. وفي الانفراجة مدعاة لاستراحة تستحقها لالتقاط الأنفاس كي تستأنف الدور نفسه مجدّداً، وتبعاً للمؤشرات تلك.
ليست معقّدة الحلول التي تحفظ قيمة الإنسان وكرامته، وإن كانت الملفات مع مرور الوقت تأخذ طابع التعقيد؛ ليس فقط بحكم تراكمها، وتثبيت منهج تأجيلها؛ وأحياناً كأنها لم تكن؛ بل بعدم الاعتراف بوجودها أساساً!
أقول، ليست معقّدة الحلول بالتصدّي الفطري لحاجات الإنسان وما يعمّق قيمته، والإيمان بأنها الحق الطبيعي الملازم لتكوينه ونفسه؛ كي يكون سويّاً بحفظ تلك الحقوق، ومن دونها لا أثر يدل على إنسانيته. هو شبح إنسان. والأشباح لا تبني أوطاناً ولا تحقق إنجازاً يعوّل عليه.
وتكون الحلول معقّدة؛ أو يُراد لها أن تكون كذلك؛ تبعاً لانسلاخ الذين بيدهم أمر تلك الحلول عن فطرتهم من جهة؛ واندماجهم مع ما يناقض ويهدد تلك الفطرة، من جهة أخرى.
***
في أوطان بتلك المواصفات والمقاييس، تُهدر فيها كرامة الإنسان بجرّها إلى أسفلْت؛ أو بجرّها إلى اليأس، والجزْم بأنها مصدر تهديد وخطر ماحق، و «رفعها» عناوين للتهويل، وإعلام يمارس «النصْب» الذي يمكن تسويقه فقط على الذين تنازلوا طوْعاً عن كرامتهم؛ أو تسويقه خارج الحدود لمن هم على الشاكلة نفسها!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4034 - الأحد 22 سبتمبر 2013م الموافق 17 ذي القعدة 1434هـ
19 سنه وانا انتظر بيت الا سكان
حسبي الله ونعم الوكيل
جعفر عبد الكريم صالح
ها ؤلاء
هاؤلاء ماصدقو احصلون هالفرصة حتى لو تدر عليهم اموال حرام وفى الاخر سيبكون ندما على فعاليلهم والله ينتقم من الظالمين
أموال الدولة اذا سخّرت لشراء الذمم فلن يكون هناك شعب صاحب قيم
التعامل بهذه الطريقة يفقد البعض قيمهم الانسانية وهذه الطريقة تذكرني بفيلم لعادل امام الذي(مرجان احمد مرجان) يقوم فيه بشراء الضمائر وفي جلسة مع احد اصحاب الضمير يضع له كومة من الاموال ولما كانت ضمير ذلك الشخص يقظ وصاحي لم يستطع شراءه الا بمبالغ طائلة ولكنه اشتراه وخضع ذلك الاستاذ لإغراء المال رغم كونه شخص صاحب ضمير ولكن لكل شخص مستوى من الامتحان يسقط او ينجح عنده.
شراء الضمائر والذمم ماضي على قدم وساق وهذا تخريب للقيم الانسانية وهو اكبر تخريب بدل زرع المثل والقيم
المختار الثقفي
أمثال ذلك الانسان المسلوب الارادة عبر عنه احدهم بقوله: انهم ريموت كنترول.... أي أنه كما قلت معطل الحواس لا يصدر عنه الا ما أمر سيده بأن يقال أو أن يفعل... ولا يستطيع ان يفكر في يوم الايام يخالف (سيده) حتى نفسه... في أحلامه ... في أوهامه حتى في حركة رمش عينه...
شكرا
بارك الله فيك على هذا المقال