العدد 4032 - الجمعة 20 سبتمبر 2013م الموافق 15 ذي القعدة 1434هـ

تجارة الأصداف في دلمون

عادة عندما يتم الحديث عن التجارة في الحقب القديمة، سواء في البحرين أو في مناطق أخرى في العالم، فإنه يتم تناول مواضيع تتعلق بالفخار أو النحاس أو الأختام أو الأحجار الكريمة أو الدلائل الأدبية أو غيرها من الدلائل، ولكن من النادر أن يتم تناول الأصداف أو بقايا الكائنات الحية (Reese 1991). بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك، بصورة عامة، ندرة في الدراسات المتخصصة التي تناولت دراسة الأصداف في المواقع الأثرية في الخليج العربي؛ وذلك بسبب عدم وجود المختصين في هذا المجال وهو علم دراسة الأصداف الآثاري Archaeomalacology. وبسبب ذلك وقع دارسو الآثار في البحرين في عدد من الأخطاء التي تتعلق بالأصداف التي توجد في المواقع الأثرية، على رغم أن بعض بعثات التنقيب استعانت باختصاصيين في علم الأصداف كالبعثة الإنجليزية التي نقبت في موقع سار الأثري، والبعثة التي نقبت في موقع سوق الخميس في البلاد القديم. ومن الأخطاء التي وقع فيها أولئك الدارسون، وسبق الإشارة لها في فصول سابقة، هي تحديد ماهية التمائم الصدفية المصنعة من القواقع المخروطية كونها تمائم أم أختاماً صدفية. أما الأخطاء الأخرى فتتمحور حول تصنيف الأصداف والقواقع التي عثروا عليها في المواقع الأثرية. ربما يجد البعض أن معرفة نوعية الأصداف ليس بالأمر المهم للتعرف على تاريخ المنطقة، وهي على عكس ذلك، فمعرفة تصنيف تلك الأصداف والقواقع، وبالتالي، معرفة التوزيع الجغرافي الموثق لها على سواحل الخليج العربي؛ ومن خلال ذلك يمكن معرفة ما إذا كانت هذه الأصداف متوافرة على سواحل البحرين أو أنه يتم استيرادها من مناطق أخرى. هذا، وتشير الدراسات إلى ثبات توزيع القواقع والأصداف على السواحل خلال الخمسة آلاف سنة الأخيرة؛ وبالتالي فإن الأصداف والقواقع التي يعثر عليها في المواقع الأثرية يمكن أن تستعمل كدليل على وجود التجارة (Reese 1991) و(Gensheimer 1984). وفيما يلي أهم القواقع التي كانت تستورد في دلمون.

القواقع المخروطية

من أهم القواقع التي حظيت باهتمامنا كبيراً منذ أكثر من خمسة آلاف عام حتى يومنا هذا، هي القواقع المخروطية أي ذات الشكل المخروطي؛ وهي أنواع من القواقع تنتمي إلى جنس Conus. ويعتبر هذا الجنس من الأنواع النادرة على سواحل الخليج العربي باستثناء السواحل العمانية حيث يكثر فيها (Bosch and Bosch 1982, pp.123 - 131)؛ أما في البحرين فقد عثر على ثلاث عينات صغيرة فقط وفي حالة يصعب تصنيفها بصورة دقيقة، وفي العام 1993 نشر Green مقال يروي فيه قصة بحثه عن هذه القواقع على سواحل البحرين وكذلك قصة البحث عن الاسم العلمي للنوع الذي عثر عليه (Green 1993)، وقد نشر Green في كتابه عن أصداف البحرين نوعاً واحداً ينتمي لهذه القواقع في حالة رديئة ولم يصنفه بصورة دقيقة بل رجح تصنيفاً معيناً (Green 1994, p. 68).

وهناك أنواع من القواقع المخروطية ذات أهمية أثرية مثل النوع Conus ebraeus، وفي الخليج العربي لا يوجد هذا النوع إلا على السواحل العمانية (Bosch and Bosch 1982, p.124). يذكر أن Conus ebraeus كان يستخدم لعمل العقود أو السبحات في العديد من الثقافات، القديمة والمعاصرة، وكان أقدم عقد عثر عليه في مدينة أوروك في بلاد الرافدين، ويعود تاريخه لنهاية الألف الرابع قبل الميلاد (Terlau and Olivera 2004). وقد عثر على عقد شبيه بذلك في أحد القبور الدلمونية وقد نشره Lombard في العام 1999م، إلا أنه أخطئ في تصنيف هذه القواقع حيث ذكر أن العقد مصنوع من قواقع من نوع Engina mendicaria الذي سنتحدث عنه لاحقاً (Lombard 1999, p. 71). ويبدو أن هذه العقود تصنع في البحرين فقد عثر على عدد من القواقع من نوع Conus ebraeus مثقوبة وذلك في موقع سار الأثري (Killik and Moon 2005, pp. 176 - 180)، وكذلك، في عدد من القبور التي تعود للحقبة الدلمونية في كل من مدينة حمد (صويلح 2009, ص 312 و570) وسار (Mughal 1983, p. 540).

قواقع من نوع Limbis

استخدمت القواقع الكبيرة كنوع من الأوعية، ومن أشهر هذه القواقع في الخليج العربي النوع Lambis truncata الذي عثر عليه في عدة مواقع أثرية في حضارة بلاد الرافدين وعمان (Gensheimer 1984) و (Mery and Charpentier 2002). يذكر أن هذا النوع يتواجد بصورة أساسية على السواحل العمانية، وكذلك يعتقد بوجوده على السواحل الإيرانية إلا أنه لا توجد دراسة تفصيلية حول توزيع هذه القواقع على السواحل الإيرانية، ويعتبر العثور على هذه القواقع في مواقع أثرية خارج عمان وإيران دليل وجود تجارة خاصة بهذه الأنواع من القواقع مع عمان بصورة أساسية (Gensheimer 1984).

وفي البحرين عثر على هذا النوع من القواقع في أحد القبور الأثرية في مقبرة الحجر (Green 2004, p. 4)، وكذلك عثر على هذه القواقع وقد تم نحتها على شكل مغرفة في كل من موقع سار الأثري والمدينة الثانية في موقع قلعة البحرين (Killik and Moon 2005, pp. 176 - 180).

قواقع من نوع Engina

من القواقع المشهورة، أيضاً، التي يعثر عليها في المواقع الأثرية هي Engina mendicaria، وقد عثر على هذا النوع في البحرين في موقع سار الأثري (Killik and Moon 2005، p. 180). ويرجح Green أن هذا النوع من الأصداف لا يوجد على سواحل البحرين، وقد نشر في كتابه عينة واحدة عثر عليها بالقرب من موقع قلعة البحرين ورجح أنها من البقايا الأثرية وأنها لا تعيش على سواحل البحرين (Green 2004، p. 61). وأقرب مكان تنتشر فيه هذه القواقع بصورة كبيرة هي السواحل العمانية، والمرجح أنها كانت تستورد من هناك (Gensheimer 1984).

قواقع من نوع Turbinella

من القواقع المهمة أيضاً هي Turbinella pyrum، وقد عثر على هذا النوع في موقع سار الأثري (Killik and Moon 2005, pp. 176 - 180). هذه القواقع كانت تستخدم في حضارة بلاد الرافدين لأنها تحتوي على محور أسطواني كبير؛ وكان هذا المحور ينحت بصورة أسطوانية وتشكل منه أختام أسطوانية صدفية (Gensheimer 1984)، وهي أختام مميزة لحضارة بلاد الرافدين. يذكر أن هذا النوع من القواقع لا يوجد على سواحل الخليج العربي، وأن اقرب منطقة يتواجد فيها هي خليج كوتش وساحل كراتشي في شبه القارة الهندية (Gensheimer 1984).

الخلاصة

منذ الحقب الدلمونية، كانت هناك تجارة نشطة في القواقع والأصداف بين حضارة دلمون في البحرين وكل من عمان وحضارة وادي السند، وقد كانت هذه التجارة رائجة بين بلاد الرافدين وعمان ووادي السند قبل قيام حضارة دلمون في البحرين. وفي البحرين استمرت هذه التجارة حتى القرن السابع قبل الميلاد، بأقل تقدير، بحسب تاريخ اللقى الأثرية الصدفية.

العدد 4032 - الجمعة 20 سبتمبر 2013م الموافق 15 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً