يحار الإنسان في أمته العربية حتى يصل إلى مراحل الشكوك المحبطة الغاضبة. لنأخذ أحد المواضيع المحيرّة، موضوع عدم القدرة وغياب الإرادة في حسم الأمور الكبرى التي تواجهها الأمة. تمرُ السنون والقرون دون الوصول إلى حسم جمعي، نعم جمعي من قبل الغالبية السّاحقة من الناس وليس من قبل هذه المجموعة المثقَّفة الصغيرة أو تلك المجموعة السياسية الهامشية.
دعنا نذكِّر أنفسنا ببعض تلك الأمور التي واجهتها الأمة عبر الخمسة عشر قرناً الماضية، ولنبدأ بفاجعة موت نبي الإسلام صلًى اللُه عليه وسلًم.
ما إن يدفن الجسد الطاهر حتى ينفجر موضوع خلافة النبي. يبدأ كخلاف سياسي قابل للفهم لينتقل إلى خلافات مذهبية متطاحنة تشقُّ الدين الوليد وتأخذه إلى متاهات تتشابك فيها السياسة وأطماع الدنيا بهلوسات غيبية وأمراض اجتماعية حتى النخاع.
هذا موضوع في التاريخ، له أسبابه وموجباته وسوء التصرف بحقه في حينه. لكن تمرُّ القرون والموضوع باقٍ معنا، بوحدة المشاعر الغاضبة نفسها، بالشَتائم الوقحة نفسها، دون إدخاله بشكل حاسم كموضوع من التاريخ، دون إخراج لخلاف تاريخي من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، لكأن الأمة تريد أن تبقي الموضوع في وعيها الجمعي كلعنة أبديّة.
لنذكُّر أنفسنا بموضوع ثانٍ. إنه موضوع الملك العضوض الذي دشَّنه الخليفة معاوية. لقد انقلب ذلك الحدث السياسي إلى قراءة فقهية بعدم جواز الخروج على وليّ الأمر، بل طاعته حتى ولو كان ظالماً في أمور الدنيا ومصالح العباد، وذلك إتقَّاءً للفتنة.
حسناً، حتى لو وجدنا في ذلك الحين مبرّرات لذلك الخوف على الدين الوليد وأمَّته، هل يعقل أن يبقى ذلك الخوف في وعي الأمة الجمعي حتى يومنا هذا؟ لكنه باقٍ معنا على رغم أن ذلك الفهم يتناقض كلياً مع متطلبات قيام الأنظمة الديمقراطية التي أصبحت جزءاً مهماً وعميقاً من الوعي الجمعي الإنساني.
لكأن الأمة تريد بقاء لعنة الاستبداد والحكم الظالم كجزء أصيل من حياتها السياسية إلى الأبد. لو سألت أيَّ فرد في بلدان مثل فرنسا أو إنجلترا أو أميركا عن نظام الحكم الذي لا يمكن أن يقبل بسواه، فإن الجواب القاطع هو أنه لن يقبل قط بنظام غير ديمقراطي. تلك الأمم حسمت أمرها مع موضوع نظام الحكم في وعيها الجمعي.
أما عندنا فإن الأمر لم يحسم على رغم أهوال ومخازي ومظالم واستباحات فكر ونظام الملك العضوض.
دعنا ننتقل إلى العصر الحديث. الموضوع في هذه المرة هو الوحدة العربية، وحدة الأمة بمفهومها الحديث ومن ثمَّ وحدة تراب الوطن بالشكل المناسب. يستيقظ ذلك التوق بعد سقوط الخلافة العثمانية، يتجسَّد فكراً وتنظيماً في كتابات وأحزاب وحركات إلى أن يصل إلى قمَّتة في زخم الناصرية الهائل. لقد دخلت آنذاك مشاعر العروبة وآمال الوحدة العربية في نفوس وعقول الملايين وأصبحت جزءاً من عمق الوعي الجمعي العربي.
لكن ترتكب الأخطاء ويموت القائد وتتكالب قوى الخارج والداخل وإذا بذلك الزَّخم يتراجع وترتفع رايات الخصوصية القطرية لتشوية وغواية الوعي القومي الجمعي.
تمر أربعة عقود لتنكشف هشاشة التوجُّه القطري وتصبح جميع الأقطار نهباً للغريب المستعمر والصهيوني وتتعثَّر التنمية إلى حدود الفواجع. ومع ذلك يظلُّ الموضوع غير محسوم إلى هذه اللحظة في الوعي الجمعي. وحتى حراكات الربيع العربي الثورية الرافعة للشعارات الكبرى لم تحاول أن تحسم الموضوع في أذهان الملايين من مناصريها وداعميها. لكأنَّ الأمة استمرأت العيش مع اللعنات لتضيف لعنة التجزئة والتَّفتيت للمجتمعات والأوطان.
القصُّة تطول. هل نذكِّر بمرور قرنين دون حسم للأصالة والحداثة، لإمكانية تعايش المشاعر الوطنية مع القومية مع الإسلامية دون حروب وصراعات، لإمكانية تعايش مشاعر الانتماء السوسيولوجي للقبيلة والدين والمذهب مع الانصهار في المواطنة الجامعة، لموضوع تساوي حقوق المرأة الكاملة بتميُزها الطبيعي والنفسي أمام حقوق الرجل الكاملة بتميُزه الطبيعي والنفسي؟
أمام هذا التاريخ من عدم الحسم يطرح السؤال المرعب الآتي نفسه: ترى هل سنضيف إلى تلك القائمة الطويلة من عدم الحسم موضوع الجهاد التكفيري الطائفي العبثي، الذي يقسم الأمة بين مؤيد مصفِّق وإلى رافض مشمئز، والذي شيئاً فشيئاً ينقلب إلى مذهب له منظِّروه ومحلِّلوه وإلى فرق لها داعموها ومحتضنوها؟ ترى هل سيصبح هذا الموضوع لعنة جديدة في حياة الأمة لعدَّة قرون أخرى؟ القائمة تطول إلى حدِّ الغثيان.
موضوع عدم القدرة على الحسم هو مرض نفسي معروف يصيب الأفراد، وله علاج. فإلى متى سيظلُّ المفكرون والكتاب والقادة والسياسيون العرب يتلهَّون بفلسفات وتقليعات وهرطقات الآخرين دون التركيز والتفرُغ شبه التام لمساعدة الأمة لحسم الخروج من مصائبها؟
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4031 - الخميس 19 سبتمبر 2013م الموافق 14 ذي القعدة 1434هـ
فكر الأمة
غرق المفكرين في مغريات السلطات المحلية والخارجية من عوامل تأجيل نهوض الأمم
لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي =لا احنا من الشورى ولا احنا من الديمقراطية
خلوسنا الحكام من كل شيء: بعضهم قال الحكم شورى بعد النبي طيب واذا بنا يبلغ الحال الى ان يصل الحكم بالتوارث ثم يتحوّل هذا التوارث بالتحريم للخروج عليه
فلا من قال بالشورى وقف معها واصبح يحميها ويطالب بها بل اصبح يطالب بقانون جديد وهو المطالبة بالابقاء على الملك العضوض. والآن الجماعة هم بعد ورثوها ويبون يورثوها لأجيالهم ملكا عضوض فلا احنا حصلنا على الشورى ولا حصلنا على الديمقراطية وكل ما تطالب الشعوب قالوا لنا وضعنا الخاص الذي يسمح بسرقات الشعوب بلا حسيب ولا رقيب هذا هو الوضع الخاص
لا تحتار ولا تختار لكن قول نفس أمرت الناس بسوء ولم يردوها
إحتار جحا في حال البقر لكن سأل عن البشر فقال يقال إذا لم تعرف وتدرك وتعي البشرية أنها من أمة محمد الأمي - الأممي أمة احدة وليست أمم كباقي الأمم التي سبقتها أو أنها مثل أو شبه الدواب على الأرض – يعني الحيوانات مثل الحمير والجمال والبقر والطيور... ويش يعني الناس ما تعرف أصلها من فصلها أو أكو ما كو عقل يعني؟
فكر الامة كيف يبنى؟
انا كفرد ابني فكري بذاتي لكن من اي طريق ؟ من قراءتي واطلاعاتي من هنا وهناك اي من خلال ما يطرحه المفكرون وكل فرد يرى هذا المفكر او ذاك بحسب نشأته الدينية ووسطه الذي عاش فيه اذن الحسم يبدأ من مفكري الأمة واذا كانوا متعصبون ومنغلقون وشغلتهم اموال السلاطين عن طرح الفكر السليم فالسياسة هي التي لم تجعلنا نحسم امرنا وكأن لسان حالنا يقول: انت بما عندك ونحن بما عندنا= والكل راض والرأي مختلف
الهيمنة
لو استطعنا ان نتخلص من الهيمنه والقصد هنا الغرب .لهزمنا من يتربص بنا في الداخل لان الارادة ارادة شعوب وليست انظمه .ومن صنع له دين غير دين رسول الامه محمد.ص.وابتدع ما يقال با المجسمه اليس هذا هو الكفر بعينه.وشكرا ليك يا دكتور
هذه امور لن تحسم
الا برموز كبار لتوعية العقل الجمعي للأمة ومثال هؤلاء جماعة العلماء الساعية للتقريب بين المذاهب ويا ليت توجد مثلها في كل بلد وكأنما يصدق علينا قول الشاعر : وتفرقوا شيعا فكل مدينة = فيها امير المؤمنين ومنبر ....ان التوصل الى حسم سيتم على مدى طويل طويل اذا توافق مفكري ورموز الامة وهذا مالا تريده السياسة او الحكام لانه يقطع مطامعهم ومراكزهم
هنا
هنا المعضله. حتى ولو كان ظالما. اين العقول
موضوع رائع.
شكرا يادكتور على هذا الطرح الموضوعي الناقد.
فهمنا البترو دولار
المخرب لثورات الشعوب العربية وإنه الطعم المقدم لحرف البوصلة وصدق حسن المالكي حين قال لازالت الإستخبارات..