العدد 2465 - السبت 06 يونيو 2009م الموافق 12 جمادى الآخرة 1430هـ

دعوة أوباما لحث «إسرائيل» على الاعتراف بالشعب الفلسطيني

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

مجدَّدا يدخل لبنان في عمق الحسابات الصهيونية مع كونه لم يخرج منها، وخصوصا منذ أصبح نقطة تحوُّل مركزية في الصراع مع العدو... ولكنه في هذه الأيام يطل على مرحلة جديدة، تحاول المناورات الإسرائيلية من جهة، والضغوط الدولية من جهة ثانية، أن ترسم معالمها، لتوحي لمحور الممانعة وقوى المقاومة بأنه من المبكر المباشرة بالاحتفال بدخول لبنان والمنطقة في مرحلة الخلاص من مشروع الهيمنة والاحتلال.

ومع أننا ندرك بأن المناورات الصهيونية لا تستهدف لبنان فحسب، بل هي موجَّهة للمنطقة كلها، وربما يريد العدو من خلالها أن يبعث برسالة إلى العالم كله، بأنه سيبقى كيان الحرب الذي لا يكفّ عن صناعة القوة في الداخل لتهديد الآخرين في الخارج، والذي يعلن في شكل مباشر أو غير مباشر عن رفض المبادرات التي تطرح تجميد الاستيطان، إلا أننا نعرف أيضا أن لبنان، الذي هزم العدو في أكثر من مناسبة وموقعة، يبقى على لائحة الاستهداف الأولى من قِبَل العدوّ، الذي يعلن وزير حربه، ومن الأمم المتحدة، أنه سيتخذ الموقف المحدد من لبنان بعد معرفة نتائج الانتخابات النيابية؟!

ولعل من اللافت أن العدو الذي يهدد اللبنانيين ويتوعدهم، وخصوصا في الوقت الذي تنكشف شبكاته التجسسية الواحدة تلو الأخرى، يفسح في المجال واسعا لمستوطنيه للاعتداء على الفلسطينيين باغتيال بعضهم، وبحرق بساتينهم، وقطع أشجار الزيتون، وإطلاق النار على كل من يتصدى لاعتداءاتهم، في وقت تقوم قوات السلطة الفلسطينية بتنفيذ المهمة التي كان العدو ينفّذها بنفسه في ملاحقة المقاومين واغتيالهم، تحت عنوان «الحفاظ على القانون»!! ولعلَّ الغريب العجيب في هذه المعادلة أن الرئيس الفلسطيني، الذي رفض خيار المقاومة واستخدام السلاح ضد العدوّ، لا يجد غضاضة في استخدامه ضد المجاهدين وضد أهله وإخوته، وهو يتحدث عن «الضرب بيد من حديد»، وكأن هذه اليد لا تتحرك إلا في مواجهة المقاومة وحماية الأمن الإسرائيلي؟!

إننا نريد للفلسطينيين أن يعملوا على إنتاج وحدتهم التي تعرّضت لكثير من التصدّعات والاختراقات، ونريد للسلطة الفلسطينية أن تكفَّ عن القيام بالدور الذي تحسب أنه سيجلب لها عاطفة الإدارة الأميركية والإدارات الغربية بمجرد أن تتصدى لطموحات شعبها، وخيارات مواطنيها، لأنه لا بقاء لسلطة تخسر أهلها وشعبها، حتى وإنْ ربحت رضا العالم... وقد جرَّبت هذه السلطة كل أساليب التودد مع العدو ومع الولايات المتحدة الأميركية، منذ اتفاق أوسلو إلى الآن، ولم تحصد إلا المزيد من الخيبة والخسران وتقطيع الوقت لتمرير المزيد من الاستيطان والتهويد والقتل، وحتى حروب الإبادة المتواصلة.

أما الرئيس الأميركي الذي يحطُّ رحاله في العالم العربي والإسلامي، من خلال المنابر السياسية أو الدينية، على العكس من سلفه الذي زحف إلى المنطقة عبر الدبابات والطائرات... فقد لاحظنا أنه يدخل إلى بلادنا بلغة جديدة، ولكن اللغة الجديدة وحدها لا توحي أن ثمة تحوُّلا في السياسة، لأننا استمعنا إلى «أوباما» منذ مباشرة مهمته في البيت الأبيض، فلاحظنا أن كل كلمة إطراء صدرت منه تجاه العرب والمسلمين، أو تجاه الإسلام، قابلها التزام «لا يتزعزع» بالكيان الصهيوني.

إننا نقول للرئيس الأميركي بأن عليه أن يستمع إلى نبض الشارع العربي والإسلامي، ولا يكتفي بتدوين الملاحظات من خلال لقاءاته مع المسئولين العرب والمسلمين، وندعوه لمزيد من الجرأة ليطالب كيان العدو بالاعتراف بالشعب الفلسطيني ووقف إرهابه وعنفه ضد هذا الشعب، لأن معاناة الفلسطينيين التي يتحدث عنها أوباما بدأت مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يمكن للعرب والمسلمين أن يتفهّموا الإصرار على عدم ذكر هذا الاحتلال الذي يمثل المأساة والجريمة للفلسطينيين، والكارثة للمنطقة، والتهديد المستمر للأمن العالمي، وخصوصا أنه احتلال استيطاني ذو أنياب نووية كيميائية، ويحمل عقيدة إقصائية تجاه الآخرين.

وفي موازاة ذلك، نطل على الوضع في المنطقة، لنرى عملا مستمرا للإيقاع بين المسلمين، من خلال السعي لإحداث فتنة بين السنّة والشيعة، والتي حاول البعض أن يحرّك خيوطها في إيران هذه المرة، وخصوصا في منطقة زاهدان، بتفجير وحشي استهدف المصلِّين أُريد له أن يجتذب رد فعل معاكس، لتنطلق شرارة جديدة من شرارات الفتنة المذهبية في المنطقة، ولكنها استهدفت هذه المرة البلد الذي انفتح على قضايا العالم الإسلامي، وعَمِلَ مؤسس جمهوريته الإسلامية الإمام الخميني (قده)، الذي نعيش في هذه الأيام ذكرى وفاته، على احتضان خط الوحدة الإسلامية، وأعاد الحرارة لمشروع التقريب بين جناحي الأمة، وأطلق أسبوع الوحدة الإسلامية الذي أراد له أن يطل على قضايا الأمة كلِّها، ودعا المسلمين والعرب ومستضعفي العالم إلى وقفة مشرّفة مع الشعب الفلسطيني، انطلاقا من «يوم القدس العالمي» الذي أراده يوما للوحدة حول فلسطين وقضايا الأمة الكبرى.

إننا في الوقت الذي نستشعر خطورة ما جرى في زاهدان، وخصوصا في المرحلة التي تتعرّض فيها الجمهورية الإسلامية لسلسلة من الضغوط الدولية الكبرى، ولتهديدات متواصلة من العدو الصهيوني، نشعر بأن القيادة الإسلامية في إيران قد أحسنت التعامل مع هذا الحدث الخطير، وقطعت الطريق على الساعين للفتنة، العاملين لخدمة قوى الاستكبار العالمي والصهيوني بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

إننا في الوقت الذي نؤكد ضرورة ملاحقة ومعاقبة كل أولئك الذين تُسوِّلُ لهم أنفسهم الاعتداء على أمن الأمة، سواء حصل ذلك في إيران أو في أي بلد عربي أو إسلامي آخر، ندعو - بموازاة ذلك - إلى القيام بخطوات وحدوية إسلامية ميدانية. وبهذه المناسبة، فإننا نثمّن الصوت الذي انطلق من إيران، من خلال مرشد الثورة الإسلامية سماحة السيد الخامنئي، الذي اعتبر أن إساءة أي شيعي للسنّة تمثل خدمة للصهيونية و «إسرائيل»، وندعو إلى تأكيد ذلك بخطوات ميدانية تنعكس في وسائل الإعلام وفي الحركة الشعبية، كما ندعو المرجعيات الإسلامية، السنّية والشيعية، إلى السير في هذا الخط بما يرضي الله ورسوله، ويُسقط محاولات الأعداء للإيقاع بين المسلمين.

أما في لبنان، الذي يُقْبِلُ على الانتخابات النيابية وسط زحمة الزوّار، والتدخُّلات الخارجية التي تأتي للبنانيين تارة عبر نصائح سياسية مموّهة، وطورا عبر تهديدات مباشرة، فإننا نقول للبنانيين: حذار من السقوط في فخّ التهويل الذي ترسمه شخصيات سياسية، أو تَصُوغه مواقع دينية أو غير دينية، لأن حصانة البلد تأتي من الداخل، ولأن الوحدة الداخلية تمثل نوعا من أنواع المواجهة التي توصد الأبواب في وجه الساعين لاختراق الساحة الداخلية والعبث فيها سياسيا وأمنيا، وخصوصا من قِبَل العدو الإسرائيلي.

وعلى اللبنانيين، الذين شَحَنَهم الخطاب السياسي والإعلامي الانتخابي شحنا مذهبيا وعصبيا وحزبيا، أن يقاربوا المسألة الانتخابية من أكثر من زاوية. فمن جهة، عليهم أن يحدّقوا في المشروع الأميركي الذي لا يُبصر إلا مصالح «إسرائيل»، ليتحركوا في مواجهة هذا المشروع وما يخطط له في لبنان، وليقطعوا الطريق عليه بحركتهم الميدانية والسياسية والانتخابية... ومن جهة ثانية، عليهم أن يعرفوا أن دور النائب لا يتمثل في إصلاح طريق هنا، أو في ترتيب أوضاعهم في الريف وغيره، لأنها من الأمور التي يفترض أن تعالجها البلديات... إن دور النائب ينطلق في كل عملية التشريع، وفي انتخاب الرئيس، وفي إعطاء الشرعية لهذه الحكومة أو تلك، وفي الخيارات الكبرى التي قد تعود بالخير على الوطن والأمة، أو تنعكس وبالا عليهما، في التصديق على المعاهدات والتفاهمات وما إلى ذلك.

لذلك، إنني أخاطب في الناس ضميرهم وحسّهم الوطني والديني والإنساني، لأقول لهم: صوّتوا لمن يحمل هَمَّ القضايا الكبرى، كونوا مع دعاة الإصلاح الصادقين، تحرّكوا في الساحات التي ترفض رهن البلد للمشروع الأميركي، ولكل المشاريع المناهضة للوطن والأمة، سيروا في الخطوط التي تحمي البلد من العدوان والاحتلال وتحفظ خط المقاومة.

إن المقاومة الشريفة والصادقة التي قدّمت مئات الشهداء، وعملت على تحرير البلد، وتصدّت ولا تزال تتصدى لمخططات العدو وأطماعه، تتعرض في هذه الأيام لهجمة دولية منسّقة تستهدف النيل من سمعتها، ووضعها في خانة الإرهاب، في الوقت الذي يطّّلع العالم على هول ما خططت له «إسرائيل» من خلال شبكاتها التجسسية التي اغتالت المقاومين والمجاهدين في لبنان وسورية، من دون أن ينطلق صوت دولي واضح يتهم «إسرائيل» بالإرهاب والعمل على تخريب الأمن اللبناني وأمن المنطقة.

إننا ندعو اللبنانيين جميعا، والمسلمين والعرب وأحرار العالم، إلى الالتفاف حول هذه المقاومة التي تمثل عنصر الإلهام للأمة في خط العزة والعنفوان وصون كرامة الإنسان، وأن يعتبروا أن الحملة على المقاومة وإضعافها كالحملة على الجيش اللبناني وإضعافه، لأنهما يتكاملان في الدفاع عن الوطن، ويشكّلان قوة لبنان في مواجهة الأعداء.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2465 - السبت 06 يونيو 2009م الموافق 12 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً