العدد 2465 - السبت 06 يونيو 2009م الموافق 12 جمادى الآخرة 1430هـ

قراءة بحرينية في خطاب أوباما

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في خطاب تفصيلي طويل، وغير ممل، خاطب الرئيس الأميركي باراك أوباما العالم الإسلامي. ومن يقرأ الخطاب بعناية فائقة وتركيز دقيق، سيكتشف أن أوباما أراد أن يعلن من القاهرة، عوضا عن واشنطن، أو أية عاصمة أخرى، عن سياسة أميركا الخارجية في المرحلة المقبلة مُركّزا على مسألتين:

1. اعتراف واضح وصريح بالخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته الإدارات الأميركية السابقة، وتحديدا منذ سقوط الكتلة السوفياتية، والمرتكز على «الرعونة الأميركية» القائمة على الاستفراد بالقرار العالمي والإصرار على إرغام الجميع برؤية العالم من خلال النظارة الأميركية، والتي جاءت إدارة جورج بوش السابقة، كي تعزز من سلبياته بدلا من تقليصها، الأمر الذي ولّد حالتي كره وامتعاض عالميتين من سياسات الولايات المتحدة.

2. تمسك أميركا بسياسة التغيير الإيجابي، ليس على الصعيد الداخلي فحسب، وإنما على الصعيد الخارجي أيضا. هذا التغيير الخالي من أي توجه متطرف تجاه أية قضية عالمية شائكة، من مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو العلاقات الأميركية مع الكتلة الإسلامية... هذا التغيير الجذري في السياسة الأميركية، سيحاول أوباما أن ينفذه بشكل تدريجي، كي لا يستفز، بشكل غير مبرر، كل القوى الداخلية والخارجية المحافظة، والمناهضة للتغيير، أو تلك التي من الطبيعي أن يمسَّ التغيير الكثير من مصالحها السياسية والاقتصادية على حد سواء.

وإنْ كان لأيِّ مراقب سياسي أن يضع عنوانا لذلك الخطاب، فلربما كان «تسامح الشراكة العالمي غير المستثني للكيانات السياسية الصغيرة» هو أقرب العناوين القادرة على إلقاء المزيد من الأضواء على لُبِّ ما جاء في ذلك الخطاب. ولربما تساءل المواطن البحريني، هل هناك خانة للبحرين، بحجمها الصغير، وعدد سكانها المتواضع، وإمكاناتها الاقتصادية المحدودة في خطاب أوباما؟ والرد على ذلك السؤال إيجابي، إذا ما ولجت البحرين: حكومة، ومؤسسات مجتمع مدني، وقطاعا خاصا، ذلك الخطاب من تلك الطاقة الصغيرة المشرعة أمامها. تملؤنا الثقة في الذهاب إلى ذلك، رغم كل التحديات التي تكتنفه، ثلاث خصائص استراتيجية تتمتع بها البحرين:

1. العلاقات التاريخية العسكرية بين البحرين والولايات المتحدة، والتي تعود إلى نهايات الحرب العالمية الثانية، وهي اليوم من أهم مراكز التواجد العسكري الإميركي في الشرق الأوسط، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تلك التسهيلات العسكرية المتوافرة في ميناء سلمان، والتي تعززها تلك التي يقدمها مطار المحرق، سوية مع ما هو قائم في قاعدة الشيخ عيسى الجوية. أما الأهم من ذلك كله فهي قاعدة الجفير العسكرية والتي ينظر لها الأميركان كواحدة من أهم القواعد العسكرية في الخليج، فهي تضم مركز قيادة الأسطول الخامس الأميركي، ومركز قيادة القوات الخاصة. وينتشر على أرض البحرين، وفقا لبعض المصادر، ما بين 860 و1200 عسكري. ليس المقصود هنا تعزيز الوجود العسكري الأميركي في البحرين، بما من شأنه المَسّ بسيادة البحرين واستقلاليتها، بقدر ما هو تعزيز العلاقات البحرينية - الأميركية، كما تؤطرها قوانين ومعاهدات العلاقات الدولية، وبما يعود من الفائدة على الدولتين.

2. المركز الاستراتيجي المالي والاقتصادي؛ فالبحرين في قلب المنطقة النفطية بما يعنيه ذلك من ثقل على مستوى تزويد العالم بالطاقة من جهة، وحجم السيولة النقدية المتوافرة لدول هذه المنطقة من جهة ثانية. الأهم من ذلك كله هو تميُّز البحرين، دون سائر دول المنطقة، بما فيها دبي، بقدرتها على مراقبة حركة تدفق الأموال من وإلى الأسواق المالية العالمية من خلال ما طورته من أنظمة وقوانين ساعدت واشنطن كثيرا، خلال الفترة التي أعقبت هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة، وخاصة إذا أخذ في الاعتبار كون البحرين المركز الدولي للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية. ويشهد الكثير من المؤسسات المالية العالمية بكفاءة المصرف المركزي البحريني في تحركه بشكل فعال، وحسب اعتراف السلطات الأميركية، لوقف تدفق الدعم المالي للإرهاب عبر النظام المصرفي البحريني. ومرة أخرى، ليس المقصود تحويل البحرين إلى شرطي بقدر ما هو القيام بدورها، ضمن متطلبات حماية النظام المالي العالمي، كأحد صمامات أمان التحويلات المالية في الأسواق العالمية.

3. أسبقية البحرين، وهي الدولة الصغيرة، في توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وهو أمر لم تجيّره البحرين، حتى يومنا هذا، في تعزيز مواقعها في سلم العلاقات الأميركية الدولية الخارجية، ولربما آن الأوان اليوم، وفي هذه المرحلة المبكرة من حياة الإدارة الأميركية الجديدة كي تلقي البحرين المزيد من الأضواء على تلك الأسبقية، ودورها في فتح الباب أمام الولايات المتحدة لنسج علاقات متطورة، في نطاق تلك الاتفاقية مع دول المنطقة، مأخوذا في عين الاعتبار تلك الفقرات ذات العلاقة بالتوجه الاقتصادي العالمي الذي ستأخذ به الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة على أقل تقدير.

هذه العوامل الثلاثة، تتطلب تضافر جهود كل مؤسسات المجتمع البحريني: الدولة، مؤسسات المجتمع المدني، القطاع الخاص، كي تضع برنامجا عمليا محددا من أجل نقل ما جاء في خطاب أوباما، وذي العلاقة بالمميزات البحرينية، من مستوى الخطاب النظري العام، والمناشدة السياسية، إلى درجة البرامج العملية المشتركة. فمن غير الصحيح، ولا المبرر، أن تنتظر مؤسسات المجتمع المدني، أو أن يتراخى القطاع الخاص، محكومين بذهنية اتكالية غير مجدية تقوم على أن مثل هذه المهمة هي من صلب اختصاصات الدولة، فالبحرين ملك الجميع، ومسئولية الدولة لا تشمل كل المسئوليات.

يد أوباما ممدوة لكثير من الدول الإسلامية، فلماذا لا تكون يد مملكة البحرين أولى الأيادي المستجيبة؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2465 - السبت 06 يونيو 2009م الموافق 12 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً