العدد 4027 - الأحد 15 سبتمبر 2013م الموافق 10 ذي القعدة 1434هـ

ماذا أثبَتَ لنا «الربيع العربي»؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نحن نفكر كثيراً ونشعر قليلاً. هذا ما قاله الممثل الكوميدي الإنجليزي/ الأميركي شارلي شابلن. وهو وصفٌ حاد، لكنه (قد) يُلخِّص بدقة ما كنا (ولازلنا) عليه من أحوال، منذ أن ظَهَرَ ما سُمِّي بـ «الربيع العربي» بعدما جرى ما جرى في أكثر من مكان في عالمنا العربي الجريح.

وربما كان هناك تلازمٌ (بالصدفة) بين الجدل الذي يدور حول وصف ذلك «الربيع العربي» وهل أنه خريف، أم شتاء، وبين معنى الربيع في اللغة، حين اختُلِف فيه، فمنهم مَنْ سمَّاه خريفاً، ومنهم مَنْ سمَّاه شتاء، كون الأخير عند العرب كله ربيع من أجل النَّدى والمطر.

في كل الأحوال، فإن «الجدليَّة اللغوية» و»الجدليَّة الاصطلاحية» للربيع، تجعل الفرصة أمامنا قائمة، كي نشعر أكثر بذلك الربيع (لا أن نتفكَّر كثيراً فيه كما قال شابلن). والحقيقة، أن الشعور به مؤلم، رغم ما صاحبه من انهيارات سياسية واجتماعية.

مؤلمٌ لا لأنه ربيعٌ فاشلٌ بحد ذاته، بل لأنه أظهر مثالبنا وعيوبنا من بواطنها، قولاً وسلوكاً وشعوراً وأمنيات، وعَرَّانا إلى الحد الذي ظَهَرَ لنا حجم الحيوانية التي تستولي على غرائز الكثيرين من منتسبي هذه الأمة، لأنها أظهرتهم بلا رحمة ولا شفقة وبلا دين حتى.

في كلِّ مرةٍ أتساءل: ماذا أثبَتَ لنا الربيع العربي؟ هل حقاً جعلنا لا نشعر إلاَّ بالانتشاء، كوننا شعوباً لا ترضى بالظلم على نفسها، واستطاعت أن تقول: لا، وأن تفرض واقعاً جديداً، أم أن هناك قَيحاً، أفرزه لنا ذلك الربيع (بشكل موازٍ) كي ترى نفسها جيداً؟

بالتأكيد، هو كذلك. فقد أثبَتَ لنا الربيع العربي، أن الإنسانية عند الكثيرين هي مُجزَّأة، حين تدمع عينٌ على جثةٍ هناك، لكنها تأبى أن تفعل ذلك على أخرى هنا. وأن صرخة ثُكْلٍ على مظلوم هناك، قد تصبح صرخة ضَحِكٍ على أخرى هنا، مع أن الضحيتيْن «آدميتان».

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع، أن الكثيرين لدينا هم مُنفَصِمون، مشطورون، على بحرٍ من العواطف المقسومة، التي تتوقَّد في بلاد وتخبو في أخرى، وكأنها أسقام الأبدان، التي تَبَيَّأت واستوطنت هنا، وعافت أن تستوطن هناك، وبالتالي، تساوت عندهم العاطفة بالمرض المفضي إلى الموت، وهي بالضبط، عواطفهم، التي تحوَّلت إلى سكاكين قاتلة.

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع، أن قطاعات كثيرة، من شعوب هذا المشرق العربي، لازالت تكره الهويات الجامعة (القومية/ الوطنية/ الأممية)، لصالح الهويات الفرعية (القبلية/ العِرقية/ المذهبية/ الطائفية)، لذا، ترى ذواتها وقد ترهلت وشاخت أمام سيادة تلك الهويات الفرعية على المجموع! ومتى صار الكل أصغر من مجموع أجزائه؟

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع، أن الكثيرين منا مُحَجَّمون في ضمائرهم، والسبب، هو التسليم المطلق للتياريَّة والحزبية، التي فقأت أعينهم كي لا يروا أكثر من أنوفهم. وكما قال الصينيون القدماء «إذا كان الشخص لا يعرف ما هو بعيدٌ، فسيجد الحزن في متناول يده».

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع، أن العبودية لم تزل فاعلةً، وأن هناك مَنْ يتلذذون بها لا كونهم أسياداً، بل لكونهم عبيداً، يستأنسون بقسوة سيِّدهم عليهم، وكأنه يكشطهم كشطاً، «مثلما يُكشَط جلد الحصان أولاً عشر مرات بالمشط ذي الأسنان الحديدية» كما قال مالِكٌ إقطاعي روسي لأقنانه قبل قرنين من الزمان.

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع، أن الأنظمة الظالِمَة، لازالت قادرةً على جمع أنصارٍ لها، مرةً باسم الدِّين، ومرةً باسم المؤامرة، ومرةً باسم الوطنية، وفي ذلك كله، لا يبدو غير عقول صغيرة تسمع لهم بِبُله، لا تفقه مَنْ هو الصديق ومَنْ هو العدو، بجهل مُركَّب مأساوي.

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع، أن كثيرين من هذا المشرق، لديهم أزمة مفاهيم وانحراف في التفكير (كما سمى عبد الكريم غلاب كتابه)، فالديمقراطية لديهم مختلفة، والحرية لديهم مختلفة، وتطبيق القانون لديهم مختلف، بل وحتى الرحمة عندهم مختلفة!

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع أن عَنجَهية نيرون قد بُعِثَت مرةً أخرى، وأن حكمة هنري الرابع قد تعود، وأن هناك طغياناً مستنيراً، بذات المقدار الذي فيه مستنيرون طغاة، اعتقدوا أن السياسة وقيادة الأمم «محصورة بهم» وكأنهم أصحاب «عِلم لَدُني» و»تعليمات وحي»، فما كان منهم إلاَّ ضياع المجتمعات.

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع أن الديمقراطية عنوان جميل، لكن، قد تحمله وجوه قبيحة، لا تعرف معناه، ولا تدري من أين تَلِج إليه، لأنها بالأساس، جُبِلَت على نقيضه، لذا فهي عادةً ما تُنتِجُ لمجتمعاتها مشاريع سياسية ممسوخة، لأن عنوانها خلاف معنونها تماماً.

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع، أن كثيراً من النخب تعثرت في أول اختبار في المناقبيات، فانزلقت في المحظور والرقص على الضحايا، وتمزيق عرى الوطنية واجتماع الناس، معيدةً بذلك أمجاد الجوقة المحافظة، التي استعرت أقلامها وألسنها إبَّان التاريخ الثوري في أوروبا.

لقد أثبَتَ لنا ذلك الربيع أن قول ابن السمَّاك حقيقة لا تنتهي بالتقادم: «لولا ثلاث لم يقع حَيْفٌ ولم يُشهَر سَيْف: لقمة أسْوَغ من لقمة، ووجْهٌ أصْبَح من وجه، وسِلْكٌ أنعَم مِن سِلْك». وقد ظَهَرَ أن هناك مَنْ يريد كل ذلك، حتى ولو رَقَصَ على صدور ضحايا الحَيْف.

نعم... لقد أظهر لنا الربيع العربي كل هذه السوءات وأزيد، والحقيقة، أن ذلك نعمةٌ من نِعَم الله علينا، أن بَصَّرنا بما نحن عليه من حال كسيح، فيه من البؤس والظلم الكثير. حتى صار الواقع مراً، وصارت الأحلام أضغاثاً، والحياة المتغيِّرة دونها شِيْب الغراب. وربما أستحضر هنا ما قاله الشاعر السوداني الكبير إدريس محمد جمّاع:

إن حَظِّي كَدَقِيْقٍ فَوْقَ شَوْكٍ نَثَرُوه ... ثم قالوا لِحُفَاةٍ في يَوْمِ رِيْحٍ اجْمَعُوه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4027 - الأحد 15 سبتمبر 2013م الموافق 10 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 5:00 ص

      العيب فينا

      العيب ليس في الربيع بل فينا . فنحن الذين عندما جاءنا الربيع نحرناه بسكاكين لطالما دافعت عن أصحاب الكراسي

    • زائر 8 | 3:12 ص

      لا تقولو الربيع العربي بل الثوره العربيه

      لا تقولو الربيع العربي بل قولو الثوره العربيه ، الربيع العربي اسم اخترعه الامريكانَ

    • زائر 7 | 2:49 ص

      من إكتشاف النفط الى إكتشاف الغاز

      يقال الحقيقة ذلك المجهول بينما كشفت مصادر مطلعة بعد دراسة وضع شعب البحرين وحدودها البحرية التي تحولت بحيلة أمريكية الى حدود قطرية. كما أن تواجد الأمريكان في خليج مخالف للقوانين الدولية. فقد إستخدمت مخابراتها ومخابرات أو جواسيس محليين – صناعة هندرسنيه يعني. وهذا تدخل سافر في دولة ذات سيادة ومستقلة. فهل القانون الدولية يجيز هذا التدخل؟ أو هل من الأخلاق أو من الأدب التجسس ونصب قواعد بحرية في البحرين مثلاً؟ أين المنطق أين القانون وأين الشرعه وأين حقوق الشعوب عند البيت الأبيض ضايعة؟

    • زائر 6 | 2:43 ص

      الربيع العربي ما هو إلا بداية المشوار

      الربيع العربي ما هو إلا بداية للمشوار في طريق الانتصار للشعوب في تحقيق الحرية و العدالة و الديمقراطية و ان التحديات التي إصابته بفعل ما سمي بالثورة المضادة و التدخلات الأجنبية... الربيع العربي هو بداية الانطلاقة في السكة الصحيحة نحو الحرية و الكرامة و الديمقراطية و تعويلنا على ارادة الشعوب ووعيها في استغلال رياح التغيير و مواكبة أجواء و أدوات التغيير في الجانب الإعلامي لنقل زخم ثورتنا و حضاريتها للعالم

    • زائر 3 | 1:07 ص

      الربيع العربي

      صعب الامر عليهم ثم قالو كيف من اشقاه ربه انتم تسعدوه

    • زائر 1 | 10:26 م

      الربيع العربي كذبة القرن

      عن أي ربيع تتحدث فلا ربيع ولا شتاء فما هو إلا صيف وخريف وأخشى أن نكون فتحنا البرميل من أسفله فلا عسل ولا حلاوة وإنما...... وهذا حالنا كنا ولا زلنا أمةً تضحك من جهلها الأمم.

    • زائر 2 زائر 1 | 12:57 ص

      حبيبي لا ربيع ولا بطيخ هذه كذبه

      الزعيم القذافي الدكتاتور الذي الشعب لم يفكر يوم يحركة من كرسي لرئاسة يسقط مثل الورقة ماذا السر وزين العابدين بن علي ايضا بعد سنوات يسقط مثل الماء قطرة الندى هذا ربيع اجنبي خدعو الشعوب لم يحبو الدول العظمى اسقاط الزعماء والرئساء الدول بيدهم حتى يقال ان الاستعمار الاجنبي اسقط نظام بل وهمو الشعوب انتم صانعون التحرير انتم صانعو الدمار العربي ليسه الربيع اسمه الدمار العربي زنحنو نعم (( وهذا حالنا كنا ولا زلنا أمةً تضحك من جهلها الأمم )) هذا صحيح اغبياء وجهلاء نحنو كل العيوب فينا التكفير والقاعدة

اقرأ ايضاً