إلسا رزق الله
طالبة في كلية الحقوق في مونتريال بكندا، والمقال ينشر بالاتفاق مع خدمة «كومون غراوند»
بينما يستمر الخلاف حول النقاب في صنع عناوين الأنباء في فرنسا، يستحق الأمر تفحّص ما يمكن لفرنسا أن تتعلمه من كندا، التي عملت على تسوية حرية الأديان مع الأمن الوطني وحقوق المرأة.
تم إيجاد القوانين التي تمنع النقاب (الذي يغطي جسم المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها) في مضمون انعدام الأمن بعد الحادي عشر من سبتمبر. قامت كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وكندا بتطوير قلق متزايد حول الأمن الوطني، الأمر الذي أدى إلى قلق متزايد حول المجموعة الدينية الأوسع التي يدّعي مفجرو الحادي عشر من سبتمبر أنهم جاءوا منها. إلا أن الكثيرين يعتقدون أن مشاريع القوانين هذه حاولت تحجيم حريات المسلمين في العقيدة والدين. ولكن الحرية في لبس النقاب يحميها الدستور الفرنسي في مقدمته، إذ تنص المادة الأولى على أن «فرنسا ستكون جمهورية لا يمكن تقسيمها، علمانية ديمقراطية واشتراكية. وسوف تضمن المساواة بين كافة المواطنين أمام القانون دون تمييز في الأصل أو العرق أو الدين. كما أنها سوف تحترم كافة المعتقدات». وبالمثل يقول البيان الكندي للحقوق والحريات في الدستور الكندي: «يملك كل فرد الحريات الأساسية التالية: أ) حرية الضمير والدين، ب) حرية الفكر والمعتقد والتعبير...»، فكيف يمكن لأية دولة إذن أن تساوي بين القيم الدينية لشعبها ومنعها القانوني لتعابير دينية معينة؟
الأمر الذي ربما لا يفهمه البعض، هو أن تنفيذ قانون ضد النقاب لا يمنع المرأة من لبسه، وإنّما يعني فقط أنها لم تعد تتمكن من لبسه خارج المنزل. إلا أن المنع يتعلق بموضوع أكثر اتساعاً: عزل النساء المسلمات. سوف يؤدي إنكار المرأة حق التعبير عن حرياتها في العقيدة والدين إلى زيادة شعورها بالعزلة.
هكذا، ورغم أن الهدف المعلن لمشروع القانون يمنع النقاب في فرنسا هو تشجيع المساواة في النوع الاجتماعي والأمن وقيم الجمهورية الفرنسية، إلا أن هذا المنع يحدّ في الواقع من التنوع.
لدى كندا تاريخ طويل في استخدام «التكيّف المعقول» عندما يعود الأمر إلى كافة الممارسات الدينية والثقافية، الأمر الذي يعني أنه يجب التكيف مع الأقليات، ضمن المعتدل. وانطلاقاً من قانون العمل لعام 1985، يحافظ «التكيف المعقول» على مرونة المعايير في مكان العمل أو في المجتمع حتى يتسنى تجنّب الممارسات التمييزية. الهدف الأول للتكيّف المعقول هو توفير مجتمع مع الأمن والسلام وفي الوقت نفسه احترام واكتساب تفهّم أفضل لتنوعه.
ففي مقاطعة كوبيك الكندية على سبيل المثال، تسمح الحكومة الإقليمية للمرأة لبس النقاب علناً، ولكنها تطلب من هؤلاء النساء بعض التكيّف، مثل إظهار وجوههن على بطاقات تأمين الرعاية الصحية.
كلما تمكّنا أكثر من فهم هذه الفروقات، كلما تمكّنا بصورة أفضل من حماية السبب الرئيسي وراء الهجرة: العيش في مجتمع ديمقراطي يحترم حرية التعبير والدين. يجب أن يُنظَر في هذا المجتمع نفسه إلى المرأة المسلمة كفرد متساوٍ مع الآخر.
ما كان يجب للحل في فرنسا أن يفرض قانوناً ضد لبس النقاب، وإنما البحث عن تكيّف معقول بين متطلبات الخدمة العامة وحريات المواطنين الدينية لإيجاد روابط اجتماعية قوية.
قبل التوجه بسرعة إلى الجمعية العمومية (البرلمان) للموافقة على هذا المنع ومثله، يتوجب على صانعي القوانين أن يلتقوا أولاً لمحاولة فهم مصادر هذه التقاليد، إضافة إلى مظاهر جديدة لها. ويمكن كذلك مشاورة هؤلاء الممثلين والطلب منهم لتقديم حلول، وسوف يتكيف هذا التوجه بالتأكيد بصورة أفضل مع المسلمين في المجتمع الديمقراطي.
هدف هذا الحوار في نهاية المطاف هو ضمان الأمن والمساواة للجميع، ومنع الحقد والنزاع من الظهور. إنه نوع من العقد الاجتماعي الجديد.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 4024 - الخميس 12 سبتمبر 2013م الموافق 07 ذي القعدة 1434هـ