يعقد وزيرا الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف ويرافقهما عشرات الخبراء مفاوضات صعبة الخميس(12 سبتمبر / أيلول 2013) في جنيف حول كيفية تطبيق المبادرة الروسية الهادفة لوضع ترسانة الاسلحة الكيميائية السورية تحت رقابة دولية وهو هدف تعتبره المعارضة السورية غير كاف.
وعشية هذه المحادثات التي يرتقب ان تستمر ليومين على الاقل وتذكر ببعض حقبات الحرب الباردة، وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس تحذيرا شديد اللهجة الى الولايات المتحدة بان اي تحرك عسكري احادي ضد سوريا قد يقضي على النظام العالمي.
وفي افتتاحية نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في وقت كان كيري على متن طائرة تقله الى سويسرا، اتهم بوتين مقاتلي المعارضة السورية وليس قوات الرئيس بشار الاسد باستخدام الاسلحة الكيميائية في الهجوم الذي وقع في 21 اب/اغسطس في ريف دمشق بهدف حمل الولايات المتحدة على "التدخل".
وحذر بوتين، اقرب حلفاء دمشق، من ان اي استخدام للقوة خارج اطار مجلس الامن الدولي "غير مقبول" و"سيشكل عملا عدوانيا".
كما حذر من ان ضرب سوريا "سيزيد العنف وسيطلق موجة ارهاب جديدة"، مشددا على ارتباط العديد من المقاتلين المناهضين للاسد بتنظيم القاعدة.
وتابع ان توجيه ضربة عسكرية "سيقوض الجهود المتعددة الاطراف لتسوية المشكلة النووية الايرانية والنزاع الاسرائيلي الفلسطيني وسيزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.. وقد يقوض نظام القانون الدولي برمته".
وكتب بوتين انه "يجدر بالولايات المتحدة وروسيا وجميع اعضاء الاسرة الدولية اغتنام فرصة استعداد الحكومة السورية لوضع ترسانتها الكيميائية تحت رقابة دولية من اجل تدميرها".
وختم بوتين تحذيره بلهجة تصالحية مرحبا ب"اهتمام الرئيس (الاميركي) بمواصلة الحوار مع روسيا حول سوريا" ومشيدا ب"الثقة المتنامية" بينهما واكد "علينا ان نعمل معا لابقاء هذا الامل حيا".
لكن في مؤشر يدل على ان بوتين يرى في الازمة السورية فرصة لاعادة تأكيد نفوذ موسكو بعد عقدين من انتهاء الحرب الباردة، وجه انتقادات اوسع نطاقا الى واشنطن.
وعلق على الكلمة التي وجهها اوباما مساء الثلاثاء الى مواطنيه وقال فيها ان الولايات المتحدة لديها دور "استثنائي" ينبغي ان تضطلع به فقال بوتين انه من الخطأ لاي قوة ان تفترض بان لديها دور زعامة فريدا.
وكتب "من الخطورة الى حد بعيد ان نشجع الناس على ان يعتبروا انفسهم استثنائيين ايا كان الدافع".
وتابع "جميعنا مختلفون، لكن حين نطلب بركة الله، علينا الا ننسى ان الله خلقنا متساوين".
وكان الرئيسان اللذان تتسم العلاقات بينهما بالفتور التقيا على انفراد على هامش قمة مجموعة العشرين الاسبوع الماضي في سان بطرسبورغ لمناقشة الخطة الروسية القاضية بوضع اكبر ترسانة للاسلحة الكيميائية في الشرق الاوسط تحت اشراف دولي من اجل تدميرها.
وسيبحث وزراء خارجية البلدين مع خبرائهما هذا المقترح بشكل مفصل في جنيف.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية انهما اتفقا خلال مكالمة هاتفية الاربعاء على اجراء "مناقشة فعلية في آلية الكشف والتحقق والتدمير لترسانة اسلحة الاسد الكيميائية حتى يصبح من المستحيل استخدامها بعد اليوم".
وفي هذا الوقت افادت صحيفة كومرسانت الروسية الخميس ان موسكو سلمت الولايات المتحدة خطة على اربع مراحل لتنفيذ مبادرتها.
وكشفت الصحيفة لاول مرة تفاصيل الخطة الروسية مشيرة الى انه تم تسليمها الثلاثاء الى الطرف الاميركي، رغم ان روسيا لم تعلن تسليم الخطة الى الاميركيين سوى الاربعاء.
وتنص الخطة في المرحلة الاولى على انضمام دمشق الى منظمة حظر الاسلحة الكيميائية، وفق ما نقلت كومرسانت عن مصدر دبلوماسي روسي. ثم تفصح سوريا عن مواقع تخزين وصنع الاسلحة الكيميائية، على ان تسمح في المرحلة الثالثة لمفتشي منظمة حظر الاسلحة الكيميائية بالتحقيق بشأنها.
وتقضي المرحلة الاخيرة من الخطة بتحديد كيفية تدمير الاسلحة، وذلك بالتعاون مع المفتشين بحسب الصحيفة.
الى ذلك، اعلن الجيش السوري الحر المعارض الخميس رفضه الاقتراح الروسي، وذلك في بيان تلاه رئيس هيئة اركانه سليم ادريس. وقال ادريس في البيان المصور في شريط فيديو بث على يوتيوب "تعلن رئاسة الاركان رفضها القاطع للمبادرة الروسية لوضع السلاح الكيميائي تحت الوصاية الدولية".
واضاف ان رئاسة اركان الجيش السوري الحر المعارض "تطلب من المجتمع الدولي عدم الاكتفاء بسحب السلاح الكيميائي ... وتعدي ذلك الى محاسبة مرتكب الجريمة ومحاكمته".
وفي باريس، اعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الخميس ان تقرير مفتشي الامم المتحدة حول استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا سينشر "الاثنين على الارجح". واوضح فابيوس "من البديهي انه سيقول ان مجزرة كيميائية وقعت .. وستكون هناك بالتأكيد مؤشرات" الى مصدر هذه المجزرة التي جرت في 21 اب/اغسطس في ريف دمشق واوقعت مئات القتلى.
وتتهم الولايات المتحدة النظام السوري بارتكاب مجزرة بالاسلحة الكيميائية في 21 اب/اغسطس في ضواحي دمشق اوقعت 1429 قتيلا بحسب الاستخبارات الاميركية بينهم اكثر من 400 طفل.
وتعقد هذه اللقاءات الاميركية الروسية الاستثنائية نتيجة تطور دبلوماسي لافت مع طرح موسكو الاثنين خطة سارعت سوريا الى الموافقة عليها، تقضي بتفكيك مخزون اسلحة دمشق الكيميائية تحت اشراف دولي.
وكشف لافروف الاثنين عن مشروع "قابل للتحقيق، مفصل وملموس"، ورد اثر اعلان كيري في اليوم نفسه في لندن ردا على سؤال خلال مؤتمر صحافي ان على سوريا ان تسلم جميع اسلحتها الكيميائية "في مهلة اسبوع" لتفادي ضربة اميركية.
وفي جنيف سيواصل كيري تقصي السبيل الدبلوماسي لمحاولة تسوية النزاع في سوريا، وفي هذا السياق سوف يلتقي الموفد الخاص للجامعة العربية والامم المتحدة لسوريا الاخضر الابراهيمي.
وتسعى الامم المتحدة وواشنطن وموسكو منذ اشهر لتنظيم مؤتمر دولي للسلام اطلق عليه اسم مؤتمر جنيف 2 يضم الاسرة الدولية حول النظام السوري والمعارضة السياسية والمسلحة.
غير ان روسيا والولايات المتحدة تتواجهان حول سوريا منذ اندلاع النزاع قبل سنتين ونصف السنة، وهذه المواجهة تشل مجلس الامن الدولي وتمنعه من القيام باي تحرك.
وقد عقد الاعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الامن (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين) اجتماعا الاربعاء استمر 45 دقيقة في مقر البعثة الروسية في الامم المتحدة في نيويورك بدون التوصل الى اتفاق حول مسودة قرار يهدف الى تدمير الاسلحة الكيميائية السورية.
وكانت موسكو اعتبرت "غير مقبول" نصا اوليا اعدته باريس وايدته واشنطن وكان يحمل دمشق مسؤولية استخدام الاسلحة الكيميائية وينص على استخدام القوة في حال انتهاك مضمونه.
وفي كلمته الى الامة ترك باراك اوباما المتحفظ بشدة من حيث المبدأ على التدخل عسكريا في سوريا، فرصة للدبلوماسية واصفا الخطة الروسية بانها "مشجعة" وارجأ ضربة اميركية محتملة كان اعلن بنفسه انه اتخذ قرارا بشأنها في 31 اب/اغسطس ولو انه طلب موافقة الكونغرس عليها.