سأكتب عن لمسي، كتابي الرابع الذي صدر قبل يومين، والذي ترددتُ كثيراً في الكتابة عنه، لكن من باب الوفاء للحظة، ومن قبلها الوفاء لأبي قيس – رحمه الله- الذي كان سبباً في تأليفه، قررتُ الكتابة.
حين كتبتُ «لمس» كان حسين الأمير معي شاهداً على مخاضه، سعيداً به وكأنه ابننا الثالث، لم يكن كغيره من المجموعات الشعرية التي أصدرتُ بالنسبة له، ربما لأنه فوجئ بعنوانه وربما بسبب إفرادي قسماً كاملاً للمس عند الأعمى، وهو الذي كان كفيف بصر منذ ولادته، كان شغوفاً بقراءته وكلما قرأ جزءاً في قسم «هل يستوى الأعمى والبصير» زاد تعلقه بهذا الكتاب.
كنت أتمنّى أن أستطيع إدراج قصيدةٍ كاملةٍ بداخله بلغة بريل - وهي اللغة التي يقرؤها المكفوفون - والهدف من هذا الإدراج هو أن يلجأ المبصر هذه المرة إلى كفيفٍ لقراءتها وليس العكس كما هو معتاد. ولكن ظروف الطباعة والمطابع تحول دون ذلك، فآثرت أن أكتب عنوان الكتاب بارزاً، آملةًً أن يؤدي شيئاً من الغرض لدى الكفيف الذي سيعرف كيف تكتب كلمة «لمس» بأحرف المبصرين، واخترتُ الزميل الكاتب قاسم حسين ليخطّ عنوانه واسمي.
جاء «لمس» نتيجةً طبيعيةً لزواجي من كفيفٍ اقتنعتُ به اقتناعاً تاماً قبل زواجي به وبعده، فأن تعيش تسع سنواتٍ مع كفيف أحببته مع كل نفس، مع كل نبض، مع كل طرفة عين، فذلك يعني أنك تشبعت لمساً بكل معانيه الحسية والمادية، إذ لدى المكفوفين المقدرة على تحسس كل شيءٍ بقلبٍ من نورٍ وبصيرةٍ هائلةٍ لا تسعها عين مبصر.
ولكي أكتب هذا الكتاب، طفتُ بالكثير من كتب المثيولوجيا كعادتي حين أفكّر بالكتابة، إضافةً إلى بعض الكتب التي تتحدّث عن اللمس وتشريح اليدين باعتبارهما الوسيلة الأولى للمس المادي، ولكن كان بحوزتي الموسوعة الأهم من كل تلك الكتب والأكثر صدقاً وعمقاً، كان لدي تجربتي مع أبي قيس يرحمه الله.
كُتِبَ هذا الكتاب قبل وفاته، فقرّرتُ أن أضيف بعد وفاته فصلاً كاملاً عن اللمس من بعده، ولكنني عدلتُ عن هذه الفكرة لينشرَ كما قرأه في المرة الأخيرة ولكن مع اختلاف الإهداء؛ إذ كان الإهداء ينص على «لماذا يجب أن يهدى لأحد؟» فأجاب قدر الله على سؤالي فصار: «إلى أمير اللمس والبصيرة، حسين الأمير وحده».
ربما يشعر من يقرأ هذا الكتاب بشيء من الاستغراب إذ كُتِبَ وكأنه يحاكي روح حبيبٍ غادر في كثيرٍ من مقاطعه، إضافةً إلى المقطع الذي يتكلم عن الطفل الذي فقد أباه في فصل «فرددناك إلى أمك»، ولكن الآن فقط وبعد وفاته يرحمه الله عرفتُ لماذا وكيف كتب هذا اللمس.
لأنه كان سبباً في كتابة «لمس» وفي تعلمي الرؤية باللمس، لابد أن أقول لروحه: شكراً، كما أقولها لجميع من كانوا سبباً في ظهور هذا الكتاب للنور وبالأخص من ساهم في تكبد مصاريف طباعته إيماناً بي.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4023 - الأربعاء 11 سبتمبر 2013م الموافق 06 ذي القعدة 1434هـ
كل التحية
تحياتي. نسيج حروف به من الرقي ما يلامس شغاف القلب. اطمح ان احتضنه بين يدي لارتوي. تجربة تجعلنا نرتقي بك. محبتي ولك الجنة صديقنا ابو قيس الرائع.
في كل يوم نكتشف فيك اشيا جديدة
لم اكن اعلم انكي شاعرة وكنت اعلم انك وفية لكن هذا المقال بين لي كم انتي انسانة راقية
ناس قصر نظر وناس ماعدهم بصر والبعض يختلفون على وجهة نظر
يقال الحياة ضيق لولا فسحة الأمل كما يقال النور لا يقضي على الضلام لكن يبدده. وهذا ليس سراً أن العمى ليس عمى النظر وإنما عمى البصر والبصيرة. هنا حالة من حالات العمى القهري قد تكون - متى ما كان الناس لا يبصرون أنهم لا يبصرون – عامتنهم الدنيا بملذتها وشهواتها يعني. هل يجوز أعمى قلب - قيادي غير راشد أن يقود عالم أو مبصر؟
أنت انسانة رائعة كثيرا
شكرا لوفائك
الاخت سوسن بارك الله فيك
الله جل وعلا يكتب في حسناتك ويرفع من درجاتك لانك عاشرت رجلاً كفيفا في مجتمع لا يرحم الاسوياء فكيف باصحاب الحاجات الخاصة ..
أتمنى شخصيا قراءة هذا الكتاب واغتنم الفرصة لكي استوعب مدى الحس المرهف لك وللمرحوم أبي قيس رحمه الله