«وما محمد إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم» (آل عمران، 144). نعم، محمد بن عبدالله رسول الله بشر مثلكم، وقد فرّق النبي (ص) بين ما يوحى إليه، وهو كلام منزل، وبين أمور دنياكم فأنتم أعلم بها كما ورد في مضمون الحديث. وتظهر لنا حياة الرسول (ص) مدى تواضعه وحلمه، أما الخليفة أبوبكر الصديق (رض) فقال مخاطباً المسلمين من مسجد الرسول (ص) بالمدينة: «لقد وليتموني أمركم ولست بخيركم، فإن أصبت فأعينوني وإن أخطأت فقوّموني».
أما الخليفة الثاني الفاروق عمر (رض) فقال في موقف تاريخي: «أصابت امرأة وأخطأ عمر». وكان رسول الإمبراطور الساماني قد جاءه يحمل رسالةً من سيده وتوقّع أن يراه في ديوان الخلافة الفخم، لكنهم عندما دلّوه عليه وجده نائماً على الأرض في ظلّ شجرة، فقال قولته المشهورة: «عدلت فأمنت فنمت».
أما الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب (ع)، فكان يحاجج مخالفيه بحلمه المشهود، بمن فيهم الخوارج وهم يغلظون له بالقول. وكان وهو الخليفة على أراضي المسلمين، لا ينام إلا بعد أن يتفقد الفقراء والمساكين في عاصمته الكوفة، ويوصل لهم ما يسدّ حاجتهم.
ونستطيع أن نراجع سير بعض الحكام العرب والمسلمين الذين جسّدوا قيم التواضع والنزاهة. مثالنا الرئيس الراحل شكري القوتلي، الذي توفي وليس لديه سوى بيت متواضع في دمشق. أما القائد العربي الراحل جمال عبدالناصر، فقد توفي دون أن يكون لديه حتى بيت خاص به، ومنحت الدولة عائلته بيتاً للسكن، كما أنه لم يترك سوى مئات الجنيات سندات بريد.
هؤلاء العظام الذين تولّوا الحكم على الدولة الإسلامية المترامية الأطراف، أو بلد كبير بحجم مصر مثلاً، لم تغرهم السلطة، ولم تتملكهم شهوة الحكم، ولم يستبدوا رغم ما توفّرت لهم من سلطات، ولم يثروا وموارد الدولة والبلاد تحت تصرفهم.
أما اليوم في بلاد العرب السعيدة، ورغم ادعاء الحكم العرب بأنهم مسلمون ويتبعون خطى إسلافهم من الخلفاء والحكام، فإنهم على خلاف ذلك. الدولة العربية الإسلامية تمزقت وتشظّت إلى 22 دولة. لكن الغريب في الأمر أن دخل الحكام العرب هو الأعلى في العالم مقارنةً مع حكام دول عظمى كالولايات المتحدة مثلاً.
لقد كشف مؤخراً عن ثروة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقد كان شريكاً مع زوجته ميشيل في مكتب محاماة ناجح للشركات، وكان سناتوراً لأربع سنوات، وتبين أنه يملك داره فقط في شيكاجو لازال يسدد أقساطها وسندات الخزانة الأميركية وبنوك أخرى لا تتعدى مليوني دولار. وللعلم فإن دخل الرئيس الأميركي لا يتعدى مليوني دولار في العام، يدفع 40 في المئة منها ضرائب كأيّ مواطن أميركي.
لكننا عندما نراجع أرقام الثروات للأفراد التي تنشرها مجلة «جينيس» كل عام، نجد الحكام العرب وأقرباءهم وحواريهم مصنّفين ضمن «البليونيرية» وليس «المليونيرية» فحسب، حتى في بلدان متبلاة بالفقر الشديد كموريتانيا واليمن. وفي الوقت الذي يستثمر هؤلاء الحكام أموالهم بالبلايين في الغرب، ويملكون القصور والضِيَع، فإن بلدانهم تستجدى المساعدات المشروطة من الغرب والشرق.
يتنافس الحكام العرب في المظاهر الفارغة، فكل واحد له عدد من القصور في مختلف أرجاء البلاد، ومطار خاص وأسطول طائرات خاص، وديوان يفوق في نفقاته وزارة التعليم، وحاشية كأنها جيشٌ لَجِب، وللحاكم شاعر أو شعراء البلاط، وكأننا في عصر السلاطين وليس في القرن الحادي والعشرين. والحاكم العربي لابد أن يكون خارقاً لا يُجارى في كل شيء، من السياسة والحرب إلى الرياضة والفن والأدب، وهو معلّم الأجيال. والحاكم العربي محاط بشلة المنافقين، استحوذ على كل مصادر النفوذ واختزلها في شخصه، أو أقاربه أو حوارييه، ولذلك هو حاكم متميّز، أما الشعب فمجرد رعية، «من أنتم أيها النكرات»، هكذا خاطب حاكم بائد شعبه. لذلك خاطب مظفّر النوّاب شاعر العرب بحرقة، وهو يبكي ضياع القدس: ياربي كفى خجلاً يارب كفانا حكاماً مثقوبين.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4022 - الثلثاء 10 سبتمبر 2013م الموافق 05 ذي القعدة 1434هـ
القرون الوسطى
العرب أجسادهم في الحاضر وعقولهم (رؤسهم) في الماضي لذا كل أمثلتهم وطريقة تفكيرهم وسلوكهم الاجتماعي والسياسي منقول من الماضي وليس لهم علاقة بالحاضر ..نتمنى التوصل إلى اختراع علمي يساعدنا على نقل أجسامهم أيضاً للماضي ونخلص من مشاكلهم ..
هل يا ترى
هل يا ترى يا أستاذ عبدالنبي قرائك الأفاضل يعترفون ببعض القصص التى أوردتها من سير الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم ، الى المزيد من هذه المقالات التى تجمع ولا تفرق ، وتزيد الألفه والمحبه والصفاء بين بنى الأنسان . مره أخرى أشكرك على هذا المقال الرائع
من المشتركات ومن المشركين
ليس من الأسرار أن الاقتصاد الرأس مالي مبني على الإسراف والتبذير والرفاهية بينما الله لا يحب المسرفين. يعني الإقتصاد السياسي وسياسة الإقتصاد الإشتراكي أي أن كل ما يوجد على الكرة الأرضية مشترك للناس - للأمة. والناس أمة واحدة أبوهم آدم وأمهم حواء وليست أمم وإنما شعوب وقبائل.فأمم أمثالكم من من سبقوكم. فهل عدنا الى القطاع والجاهلية وبعض البشر يضن أو يعتقد أنه ليس من آدم ولكن من كوكب الأرض يعني من البشر لكنه لا يقر ولا يعترف بذلك؟
يسرقون شعوبهم ويتفاخرون بذلك
الحكام العرب يتلاعبون بخيرات بلادهم وشعوبهم على القمار وعلى شراء الاسلحة الكاسدة وعلى شراء الذمم وعلى الحروب التي يعتقدون انها تطيل بقاء حكمهم
فقد تلاعب القذافي بخيرات بلاده في حروب ليس لبلده فيها ناقة ولا جمل وهو مثال واحد فكم مثل القذافي
مهتم
صح السانك على هذا المقال
نعم اخي كلام جميل ونحن ايضا نرغب في التاخي والمحبه والموده التي تجمعنا ولان تفرق السلطه بيننا
اسد من اسود الفاتح
مقال في قمة الروعة ،أناشدك يااخ عبد النبي انا تبذل الغالي والنفيس للإعادة الوئام والالفه بين السنة والشيعه خاصه في البحرين لأني اسمع واري مايفعله الطرفين من تكفير وكره وبغض لبعضهما البعض غير مسبوق تاريخيا لعدة أسباب لايسعني الوقت لسردها
عين الحسود فيها عود....
لماذا لا تريدنا أن لا نتباهى بأمر وحيد لدينا و هو أكبر أغنياء العالم؟ اذا فقدنا المباهاة بهذا الواقع، ماذا يبقى لدينا لكى نتباهى و نفتخر به فى وقتنا الحالى؟