في كل عام نحتفل فيه بإشعال شمعة جديدة في «الوسط»، تستوقفنا بعض المحطات التي عبرناها معاً خلال عقدٍ مضى.
وحين أتأمل في أحوال الصحافة الجادّة المستقلة، التي تريد التأسيس لثقافةٍ جديدةٍ من المهنية، وإرساء قيم التسامح والعدالة والإخاء واحترام حقوق الإنسان، أتذكر بيت أبي الطيب المتنبي وهو يتكلّم عن المجد:
وتركُكَ في الدنيا دويّاً كأنما... تطاول أذنَ المرءِ أنملُهُ العشرُ.
الصحافة المستقلة تبني مجداً لأوطانها وشعوبها، حين تخطّ طريقاً في الصخر. والحفر في الصخر عملٌ مجهِدٌ، صاخبٌ، فالصحافة ليست خبراً فقط، وإنّما هي رأيٌ وتنويرٌ ونقدٌ ودعوةٌ محمومةٌ للتغيير والإصلاح.
وفيما استذكر وقائع أحد عشر عاماً، تستوقفني الكثير من المحطات الصاخبة، المليئة بالآمال والآلام. أولها يوم انطلق العدد الأول في السابع من سبتمبر 2002، يومها كان العمل يستمر من الثامنة صباحاً حتى العاشرة مساءً، وأغلب المحرّرين يعملون في قاعةٍ كبيرةٍ بالطابق العلوي فيما يشبه حفلاً جماعياً. واستمر الوضع ثلاثة أشهر حتى تطامن الوضع وسار القطار.
في السنوات التالية اهتمت الصحيفة بالتحقيقات، وتناولت الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المسكوت عنها، وفي مقدمتها الكتابة عن الأغلبية المغيّبة، والأراضي والمال العام، وتلوث البيئة، والجزر التي عُرض بعضها للبيع في مزاد سري، حتى وصلنا بتحقيقاتنا إلى جزر فشت الجارم، وعرّفتني شخصياً على بعض مغاصات اللؤلؤ القديمة في مياه الخليج.
بعد أربع سنوات من الصدور، وفيما كنا نحتفل بهذه المناسبة التي يشعر كثيرون منا بأنها عيد ميلاد خاص به، سمعت لأول مرةٍ همساً عن تقريرٍ أصدره أحد المستشارين الأجانب، يتحدّث فيه عن خطةٍ لتمزيق المجتمع وتهميش الأكثرية، وتمكين بعض فئات المجتمع على حساب البعض الآخر. الهمس تحوّل بعد أيام إلى تسريب معلومات وأخبار، وحين نشرت «الوسط» مقابلة مع الخبير الأجنبي الذي افتخر بأنه يقبض راتباً أعلى من رواتب الوزراء، كانت الخطوط العامة قد اتضحت للرأي العام، بعد أن أصبح التقرير موزّعاً في نسخ ورقية وألكترونية على الجمهور.
كان التقرير الذي تسرّب كنزاً من المعلومات، أوقظ الكثيرين من غفلتهم. لقد شعروا بالإهانة والخديعة والتضليل. كانوا يشعرون بوجود رائحةٍ عالقةٍ في الهواء، لكن دون أن يتمكنوا من الاستدلال عليها أو القبض على خيطٍ صغيرٍ يقود إليها. جاء التقرير ليقدّم لهم تفاصيل الخطة كاملة على طبق من ذهب. لقد كانت كنزاً ثرياً، بقيت أغرف منه وأكتب عنه يومياً لأكثر من أسبوعين، حتى صدر قرارٌ رسمي بمنع الكتابة عنه. هذه حدودنا في الصحافة إذاً، وهذا هو سقفنا. أن تتوقف حين يُرفع السيف على رقبتك. ماذا يمكنك أن تفعل بقلمك أكثر؟
بعد خمس سنوات أخرى، تتوقف أمام المحطة الأخيرة... حيث تسمع صليل المجنزرات تقطع الشارع من وراء مكتبك. تطلّ من النافذة فترى الشوارع خاليةً مظلمةً من السيارات في آخر الليل إلا العربات المموّهة. الجو مغبرّ. نسبة الأوكسجين انخفضت في الهواء، وعليك أن تتعوّد بعد اليوم على تنفّس الغازات الخانقة كلّ مساء. ويأتيك النداء من الداخل: عليكم أن تُبقوا هذه الشمعة تضيء وسط الظلام.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4019 - السبت 07 سبتمبر 2013م الموافق 02 ذي القعدة 1434هـ
موفقين
نعم الصحيفة الوسط
اشكركم
شكراً لمؤسسين الوسط واتمنى من اللة العلي القدير ان يمن عليكم بالصحةوالعافية.زهراء
ارفع راسك انت في الوسط
برغم الظلام الدامس الذي تعيشه صحافتنا او مايسمى صحافه تبقى الوسط وستبقى نبراسا يضيى الطريق لكل محبي الحريه والكرامه
المجد للشعر وشاعرنا العظيم المتنبي
ولا تحسبن المجد زقا وقينة
فما المجد الا السيف والفتكة البكر
وتقطيع اعناق الرجال وان ترى
لك الهبوات السود والعسكر المجر
وتركك في الدنيا دوياً كأنما
تطاول اذن المرء انمله العشر.
الف شكر والف تحية
الشكر موصول لك يا سيد قاسم ولكل الاخوة والاخوات العاملين في هذا المنبر الحر ..ارفع قبعتي وأحييكم جميعا ما دمتم على هذا الخط الشريف.
بارك الله فيكم وثبتكم على الحق الذي تعشقونه ...
وتركك في الدنيا دوما
شكرًا لك ياسيد الكتاب في صحيفة الوسط الحرة لقد أديت وأوفيت ما عليك من واجب نجو الوسط والمواطن وأرجو لك الموفقية والرعاية الإلهية وكل عام وانتم بخير . ( بحريني أصيل )
مبروك 11عاماً
مبروك للوسط 11 عاماً من النضال الصحفي الحر في ضل العبودية والتبعية للعديد من الصحف الأخرى.الوسط كانت ولا زالت شمعة ليست في الصحافة البحرينية الحالكة الظلام ولكن في الصحافة الخليجية باستثناء بعض الصحف الكويتية.تجربة 11 عاماً من التعب والجهد المتواصل قاده أشخاص آمنوا تماماً بالحرية والكرامة وعملوا من أجل شعبهم وبلدهم لذلك تميزوا واصبحوا منبع لألهام التابعين في أماكن اخرى .يبقى الفرق بين عبيد الدينار وأحرار الفكر كبيراً جداً