يا تُرى كيف سنتصرف لو أن ثمة صديقاً عزيزاً علينا لم نره منذ أمد بعيد سيحلُّ ضيفاً علينا في البلاد، وأنَّ علينا الذهاب إلى المطار لاستقباله؟
لا شك أننا سنتأكد أولاً من يوم وتاريخ وصوله إلى البحرين، وعلى أية شركة طيران تكون رحلته؟ وكم رقم رحلته؟ وما وقت هبوط الطائرة؟ وما إذا كان سيُقيم في دارنا أو بأحد الفنادق وغير ذلك من أدق التفاصيل، فقط لنترك انطباعاً جيِّداً عنا لدى الآخرين.
ها قد رجع أبناؤنا وبناتنا إلى المدارس اليوم، ولنكن صريحين فإن الكثيرين منهم لا يزالون متشبثين بآخر رمق من أيام إجازة العطلة الصيفية، وبالتالي فهم ليسوا مستعدين بالشكل المطلوب لاستقبال العام الدراسي الجديد.
نتفق جميعاً بأن تعوّد الأبناء على السهر إلى أنصاف الليالي وربما إلى وقت طلوع الفجر وما بعده واستيقاظهم مبكراً من الصباح وارتداء الزيّ المدرسي وحرمانهم من الألعاب والهواتف المحمولة وعموم الأجهزة الإلكترونية الحديثة، تعدُّ جميعها أسباباً رئيسية ومنفّرة في كرههم للمدارس وانطفاء حالة الشوق والرغبة لديهم في العودة إليها مجدداً.
وأكثر ما يعانيه المعلمون قبل غيرهم هو نوم التلاميذ في الفصول الدراسية، فمهما كانت حصصهم مشوِّقة من حيث التخطيط والإعداد الجيّد للدرس والتنويع في توظيف الاستراتيجيات التدريسية الفعالة والوسائل التعليمية والتقويم وغير ذلك، إلا أنه لا فائدة حقيقة تُرجى في هذه الحالة من العملية التربوية والتعليمية أصلاً.
تشير الأبحاث العلمية إلى أن حصول الأطفال على قسطٍ كافٍ من النوم من شأنه أن يحسّن سلوكهم وأداءهم العلمي داخل الفصول، فقد اهتمت دراسةٌ أجراها مركز أبحاث «دوغلاس» في مدينة كيوبيك الكندية بالنظر في مدى تأثر سلوكيات أطفال المدارس الابتدائية بعدد ساعات النوم، حيث قام الباحثون بتقسيم المشاركين وعددهم 23 طالباً تراوحت أعمارهم بين سن 7 و11 عاماً على مجموعتين، نالت الأولى قسطاً أوفر من النوم، بمتوسط 27 دقيقة إضافية في الليلة، فيما قلّصت ساعات نوم المجموعة الثانية بنحو 54 دقيقة كل ليلة، وتبيَّن حصول تفاوت في سلوكيات المشاركين بشكل واضح للغاية، فلم يتعد تأثير تقليل ساعات النوم على الإرهاق فحسب، بل أصبحوا سريعي الانفعال والتوتر ومشتتي الانتباه، على عكس المجموعة الثانية، التي تميّزت بالقدرة على التحكّم في عواطفها واليقظة والانتباه أثناء ساعات الدراسة. وهذا المعنى نشاهده بوضوح في بكاء الأطفال وصراخهم عندما يحين وقت نومهم أو إذا لم يناموا بالقدر الكافي.
إن التهيئة المدرسية تفرض علينا كأولياء أمور، القيام بتهيئة الأرضية المناسبة لأبنائنا لاستقبال العام الدراسي الجديد بشيء من الاهتمام والجدية، وأضعف الإيمان أن نعوّدهم تدريجياً قبل أسبوعين أو أسبوع على الأقل على النوم والاستيقاظ مبكراً للمدارس.
بصراحة، لن يلتزم أبناؤنا بالنوم مبكّراً إذا لم نبدأ بأنفسنا باعتبارنا قدوةً صالحةً لهم بعدم السهر أو الرجوع إلى البيت في أوقات متأخرة من الليل والجلوس مع الهواتف النقالة أو أمام التلفزيون لمشاهدة الأخبار أو المسلسلات أو المباريات الرياضية كالدوري الأوروبي لكرة القدم وما شابه ذلك، فكل هذه الممارسات توحي بعدم جديتنا في دعوتهم إلى النوم مبكراً.
نقدِّر ما يعانيه الآباء والأمهات الأعزاء في هذه الفترة من ضغوطات نفسية والتزامات مالية لا مفرَّ منها كتوفير التجهيزات اللازمة وشراء الأدوات المدرسية والمتطلبات التعجيزية لبعض المدارس سواءً الحكومية منها أو الخاصة، لذا لابدَّ أن يتجنبوا الحديث أمام أبنائهم عن المشكلات المادية؛ لكي لا يشعروهم بأنهم عبء إضافي عليهم.
من المهم إعداد اتفاقية مكتوبة مع أبنائنا قبيل بدء العام الدراسي الجديد، بحيث تتضمن هذه الاتفاقية بنوداً عدة، منها: التزام الطرفين (آباء وأبناء) بالنوم مبكراً طوال أيام المدارس، وتعهّد الأبناء بتنظيم أوقات استخدام الألعاب والأجهزة الإلكترونية الحديثة لينحصر استعمالها في إجازة العطل الأسبوعية والعطل اللاحقة، وتعهّد الآباء بتوفير بيئة منزلية محفّزة ومشجّعة على التعلّم كالاهتمام بالهدوء وبنظافة المنزل وعدم إثارة الفوضى استعداداً لبدء موسم المدارس، وتعهّد الأبناء بالمحافظة على الكتب المدرسية من التلف والضياع، وإطلاع الآباء على كافة مفردات المناهج الدراسية، وتزويدهم بنسخةٍ من الجدول الدراسي اليومي وأرقام التواصل مع الإدارة المدرسية بقصد متابعة مستوى الأبناء سلوكياً ودراسياً، والمشاركة في اللقاءات المبرمجة كاليوم المفتوح؛ أو غير المبرمجة كالتواصل المستمر مع قسم الإشراف الإداري والاجتماعي والأكاديمي بالمدرسة، والتزام الأبناء بالأنظمة واللوائح المدرسية كارتداء الزيّ المدرسي وعدم التأخر أو التسرب من الحصص أو الهروب من المدرسة، والابتعاد تماماً عن العبارات السلبية المتداولة التي من شأنها تثبيطهم ورفضهم العودة إلى المدارس، مثل: «ليتهم يلغون الإجازة الصيفية وتكون الدراسة طوال العام لنتخلّص منكم»، أو «سنرتاح منكم بمجرد عودتكم إلى المدرسة»، أو «أن الوزارة أحسنت صنعاً في تمديد اليوم الدراسي»، أو ما تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الأيام من نشر البرودكاستات التي يتبادلها البعض بقصد الدعابة من قبيل: «ذهب الصيفو.. بدأ الكرفو.. والمعلم صوصو.. شاف العطلة قالها طولي، قالت له: NO NO... إهداء مني للمعلمين والمعلمات»، وغير ذلك من العبارات السلبية التي تسيء إلى مكانة التعليم.
من جهتها، أعلنت وزارة التربية والتعليم استكمالها كافة الاستعدادات الإدارية والفنية اللازمة لاستقبال طلبة المدارس الحكومية والخاصة البالغ عددها 206 مدارس، إيذاناً ببدء العام الدراسي 2013/2014 اليوم (الأحد) 8 سبتمبر/ أيلول 2013، إلا أن المعلمين والمعلمات يستقبلون العام الدراسي الجديد بشيء القلق والتوجُّس، خصوصاً بعد التقليص التدريجي لأيام العطلة الصيفية السنوية، فقد كانوا محسودين قديماً بأن إجازتهم تمتد لثلاثة أشهر تقريباً، إلا أنها بدأت تتقلّص إلى شهرين ونصف ومن ثم إلى شهرين اثنين ومؤخراً إلى 56 يوماً، ولا يعلمون مستقبلاً إن كانت العطلة الصيفية ستصل إلى شهر واحد فقط!
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 4019 - السبت 07 سبتمبر 2013م الموافق 02 ذي القعدة 1434هـ
يا رب توفق وتنجح طلبتنا
موفقين والى الامام وبجهود الابناء والاباء والمدرسين يتفوقون