العدد 4017 - الخميس 05 سبتمبر 2013م الموافق 29 شوال 1434هـ

«السمادهي» في «اليوغا» (13)

عدنان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

صحافي بحريني

ها قد بلغنا نهاية الطريق حيث يلج المريد من خلال التأمل لجة السمادهي، إنها حالة فريدة لا يبلغها إلا المريد الدؤوب بعد أن يجتاز كل مراحل الهاثا يوغا السبعة، وهي حالة من اليقظة يكون فيها الجسد والجوراح في حالة من الراحة والاطمئنان كما لو كان المريد نائما في حين تكون ملكاته وقدراته العقلية وميزان السببية عنده في حالة من الحضور كما لو كان في تمام اليقظة، إنها حالة عصية على الفهم بل تتباين الكلمات في وصفها من شخص لآخر كلٌ حسب تجربته وقد وصفها أحد اليوغيين بأن السمادهي هي (حالة يتحد فيها العقل بالذات الحقيقية فينتج عن ذلك غبطة عظيمة) ولذلك يكون المريد في حالته تلك واعٍ ومتيقظ تماما بل ومتخطي حاجز الأنا فلا شعور عنده بالأنا وما يملك، كما تسترخي كل نشاطات الجسد والعقل كحال أشبه بالنوم العميق، إنها غاية المريد في اليوغا الحقيقية إلا أن الجنانا يوغا يذهبون إلى القول أن الوصول إلى الحقيقة أعظم من بلوغ حالة السمادهي وتبقى الأخيرة (السمادهي اليوغية) وإن بدت متقدمة جداً إلا أنها بالقطع دون الوصول إلى الحقيقة، فالأخيرة حال تتخطى الجسد والعقل والحواس وتعبر حاجز المكان والزمان، وقد عبر عنها أحد الفلاسفة واختزلها بقوله : عندما نزيل كل شيء تبقى الحقيقة، بمعنى أنك تستقر في فلك الحضرة الوجدانية على الدوام.

إن السمادهي هي تتويج لمراحل الإنتباه والتركيز وبلوغ الغاية المنشودة وهي سعادة الإنسان وتقدمه في معراج الكمال الروحي وفي ذات المعنى تصبح اليوغا الغاية والوسيلة في آن واحد، وعندما يبلغ الإنسان تلك الدرجة يتخلى عن أشياء كثيرة كان متمسكا بها وقد وصف أحد مشاهير اليوغا تلك الحالة بالقول: عندما ترفع يديك عاليا طلبا في شيء عظيم الفائدة فمن الطبيعي أن الأشياء التي اعتدت على التمسك بها بشدة بين يديك وابطيك تسقط في الحال ولكن لن تلقى إليها بالا.

وكلمة سمادهي تتألف من ثلاثة مقاطع، والمقطع الأول سام ويعني كامل. و (الألف) وتعنى أبدي. ودهي وتعني الحدس، وقد لخصها البعض بأنها الاستغراق في التأمل على إعتبار أن الاستغراق في التأمل يعني (التجسد في الشيء موضوع التأمل) وبلوغ السمادهي يعني تطوير قدرة الحدس إلى الحد الذى تذوب فيها المشاكل الفردية الخاصة. إنها حالة عصية على الفهم إلا من بلغها. إنها بأبسط مثال: الفرق الشاسع بين اللذة والسعادة، الأولى حالة آنية لحظية تتلاشى بعد تحقيق رغبة ما، أما الثانية فهي احساس دائم وامتداد في الزمن، إنها باختصار ولوج السعادة والمكوث في ملكوتها. إن الذين يبلغون السمادهي يترفعون عن الثرثرة والخصومات لأنها في عرف الواصلين آفات اجتماعية تلهب العقول والمشاعر وهي أشد فتكا من السلب والنهب والسرقة ومعول يقوض أواصر المحبة والوئام.

وعناية اليوغا بالدماغ والجهاز العصبى تقود في نهاية المطاف عبر التأمل إلى فضاء الوعي حيث نرى الاستشراقات والظواهر غير العادية مثل التخاطر والبصيرة التي تخرج الإحساسيس من عقال الحواس العادية إلى رحاب أوسع، أما بروز هذه الملكات فى فضاء الواقع فهو أكبر دليل على أن الإنسان يستطيع أن يلقى جزءا منه خارج الحدود المألوفة للمكان والزمان المتعارف عليهما، وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال جسمه السيّال وقد اتينا على ذكرة (الجسم السيال) بالتفصيل فى باب البراناياما.

وقد ركز الحكيم بتنجالي الذي وضع أسس اليوغا على السمياما التي يعتبرها تحقيقا لمرحلة الانتباه ثم التركيز وصولا إلى التأمل، والسمادهي في نهاية المطاف هي الوصول إلى كنه وجوهر الأشياء وعلى طالب اليوغا باستمرار أن يتجاوز الأبجديات العادية عند التأمل في الكائنات والأشياء التى حوله ليصل إلى تفاصيل وحقائق جديدة، وأن يحاول الوصول إلى العامل المشترك في كثير من الأشياء المتشابهة، فعندما نتأمل في تفاصيل بعض الأشياء فى الطبيعة كالغيوم والبحار والسدود والأنهار وغيرها ثم نسقط التفاصيل الشكلية جانبا ونبقى على الجوهر نرى أن العامل المشترك في كل ذلك هو الماء، وهذا هو الحدس بعينه أي تجاوز التفاصيل للوصول الى كنه الأشياء، (وسوف نتناول هذا الموضوع بأسهاب وتفصيل أوسع فى مقال منفرد لاحقاً) وربما يقودنا الحدس إلى معرفة فوائد جديدة للماء قد تتجاوز إدراكنا العادي وفي هذا السياق يقول بتنجالي: عند السيطرة على السمياما تشرق نور المعرفة ثم يسترسل قائلاً: إن أهداف المعرفة لا حصر لها فهي تتدرج بين أهداف نبيلة وأهداف ثقيلة جدا، وعندما نطبق المعرفة على الأشياء الثقيلة يجب أن نتجاوزها إلى الأشياء النبيلة ويضيف: أن المعرفة نوعان : واحدة ننهلها من الخارج بالعلم والدراسة، وأعني بذلك معرفة الكون والبشر والكائنات، أما الأخرى معرفة الذات فهى تنبع من التأمل والتفكير، الأولى تفتح الباب إلى الخارج والثانية تفتح الباب إلى الداخل والثانية (معرفة الذات) هى ارقى أنواع المعرفة على الاطلاق ( ومن عرف نفسه فقد عرف ربه) إنها درب السالكين الخُلَّص للوصول إلى الحقيقة والحكمة ومن بلغها فقد بلغ الفردوس الأعظم وهو ينبوع السعادة والحكمة.

إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"

العدد 4017 - الخميس 05 سبتمبر 2013م الموافق 29 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً