طالبة دراسات عليا في السلم العالمي وحل النزاع، وتعمل مع منظمة «الإصلاح » التونسية غير الحكومية
أثار تعليق المجلس الوطني التأسيسي التونسي يوم 7 أغسطس/ آب مرةً أخرى مقارنات يبن تونس ومصر في أوساط المحللين السياسيين والإعلام، متسائلين إذا كانت تونس سوف تؤول إلى العنف الذي شهدناه مؤخراً في مصر.
صحيح أن هناك أوجه تشابه بين مصر وتونس، حيث تشهد كلا الدولتين اضطرابات سياسية. تملك الأحزاب السياسية المهيمنة التي فازت بالانتخابات في كلا البلدين خبرة محدودة في الحكم، وتكافح كلا الدولتين لموازنة التأثير الإسلامي داخل أنظمتها الديمقراطية الناشئة. إلا أن نظرة عن كثب على الدولتين تكشف بعض الفروقات الأساسية التي تقترح أن المقارنة بينهما ربما تكون مضلّلة.
إذا نظرنا إلى الدول التي تمر بفترة انتقالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أنها وحدة واحدة، فإن المجتمع الدولي يخاطر بإيجاد نبوءة ذاتية التحقيق تعتمد على سيناريوهات الحالة الأسوأ التي تفتقد الفروقات الدقيقة في كل دولة. بدلاً من ذلك، يتوجب علينا إدراك الوضع الفريد لكل دولة وتشجيع الحلول المكيفة مع المضمون المحلي.
ففي مصر، حافظ الجيش على موقع القوة في البلاد لعقود عديدة. ورغم أن حكومة مدنية سيطرت على السلطة في مصر، فقد واصل الجيش لعب دور سياسي واقتصادي رئيسي في المجتمع المصري، كما ثبت من اعتقال الرئيس السابق محمد مرسي.
وفي تونس، لم يصل الجيش إلى السلطة أثناء الثورة. فخوفاً من انقلاب عسكري ضده، منع الرئيس التونسي الأول الحبيب بورقيبة المشاركة العسكرية في السياسة بحكم القانون، وبدلاً من ذلك بنى، ومن بعده الرئيس زين العابدين بن علي، قاعدة سلطتيهما حول قوات الشرطة والأمن الداخلي. وبعد ثورة العام 2011، حلّت حكومة مدنية بدل حكومة بن علي في تونس، ويستمر الجيش بلعب دور محدود جداً في السياسة التونسية.
تُعتبر الفروقات بين قطاعي الأمن في تونس ومصر ذات أهمية رئيسية، فالجيش التونسي يخضع لقيادة ديمقراطية منتخبة، بينما يملك الجيش المصري السلطة للتدخّل.
كذلك فإن الفرق في الدينامية السياسية في تونس ومصر حاسمة. فقد تميّز النظام المصري بعد الثورة بحزب واحد له روابط قوية بجماعة الإخوان المسلمين، بينما يحكم تونس تحالف بين حزب النهضة وحزبين علمانيين هما التكتّل والمؤتمر من أجل الجمهورية.
تواجه الحكومة التونسية معارضةً متزايدةً نتيجةً للإحباط حول انعدام التقدم السياسي. أشعل اغتيال سياسيين بارزين اثنين من المعارضة هذا العام فتيل مظاهرات واسعة، وأدى فشل الحكومة في القبض على الفاعلين وتقديمهم للعدالة إلى إذكاء نار غضب الشعب التونسي. ولكن في الوقت نفسه، تمكّنت الحكومة من حل الخلافات من خلال تنازلات سياسية وحلول وسطى. تخلى حزب النهضة على سبيل المثال عن وزارات رئيسة لأحزاب علمانية ومستقلة، وحدّ من الإشارة إلى الإسلام في مسوّدة الدستور.
كان هناك عنف محدود جداً في الاحتجاجات الأخيرة في تونس بين المتظاهرين وقوات الأمن، أو بين أنصار الحكومة وأعدائها. فقد توفي متظاهر واحد فقط منذ بدء المظاهرات في 25 يوليو/ تموز نتيجة لضربة في الرأس من أنبوبة غاز مسيل للدموع.
وتظهر الاحتجاجات أن التونسيين مازالوا غير سعداء بالتقدّم في التغيير السياسي، وربما يكون النقّاد متشائمين جداً حول التطورات الديمقراطية في تونس. إلا أن الطبيعة السلمية إلى حد بعيد للمتظاهرين والاستجابة المحسوبة من طرف قوات الأمن تشير إلى تطور إيجابي تجاه الممارسات الأكثر ديمقراطية واحترام حقوق الإنسان اللذين يجب أن نقدّرهما ونشجعهما.
يتوجب علينا أن نتذكر أن التحوّل إلى الديمقراطية عملية صعبة ومعقدة تحتاج إلى الوقت، إلى عقود في أحسن الحالات، وتعتمد التحولات الناجحة إلى الديمقراطية على مجال واسع من العوامل المتنوعة بما فيها التاريخ والثقافة والنمو الاقتصادي والقيادة السياسية والمجتمع المدني.
رغم أوجه الشبه الثقافية والقرب الجغرافي، تواجه دول التحوّل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات مختلفة، وسوف تعتمد تحولاتها على فروقات بسيطة محددة في كل دولة.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 4016 - الأربعاء 04 سبتمبر 2013م الموافق 28 شوال 1434هـ