العدد 4014 - الإثنين 02 سبتمبر 2013م الموافق 26 شوال 1434هـ

لأننا نخاف

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

نندهش حقاً حين ندرك المساحة التي يحتلها الخوف في حياتنا، بل يزيد الأمر حين نبدأ بتحليل تصرفاتنا لنجد أن غالبيتها يشكل الخوف دافعاً رئيسياً لها.

معظم ما نقوم به اليوم هي ردود أفعال لأحداث أو مخاوف عايشها من سبقنا فأصبحت ردودهم حيالها شيئاً من نمط الحياة القائم اليوم، أي أصبح القيام بفعل معين من جريان العادة بين الناس. المثير في الأمر أنه قبل ثمانين عاماً لم تكن معظم المخاوف التي تُسير حياة البشرية موجودة، عدا الخوف الفطري وهو الذي يشكل الرغبة في البقاء على قيد الحياة، ومع تعقّد الحياة وظهور الإعلام الحديث أصبحت مخاوف البشرية سلعة مستهلكة وضرورة لتنامي ثروات البعض.

«القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود» مثل شعبي يمثل حالة الخوف من المستقبل، وافتراض السوء في مرحلةٍ ما، خلاف أجدادنا الذين لم يكن لديهم هذا القلق من الغد، رغم أن الحياة لم تكن يسيرةً بهذا القدر، ولكن توفير الحياة ليومهم كان له الأولوية وللغد حكايةٌ أخرى. لا يعني ذلك أن تلك هي الصورة الأمثل لما يجب أن يكون عليه الوضع، لكنه وضع يخلو من القلق والخوف في أحسن الأحوال.

القلق من المرض هو صورةٌ أخرى لشعورنا بالخوف، إذ يدفع ذلك البشر لأخذ اللقاحات كما حصل منذ سنوات حين اجتاحت العالم موجة الهلع من انفلونزا الخنازير، وعمد الإعلام العالمي إلى تهويل مخاوفنا من الأمر، وبيعت لقاحات المرض بملايين الدولارات، وقد ذكر وزير الصحة السابق أن الوزارة أنفقت مليونين و900 ألف دينار لشراء مليون لقاح، رغم ذلك لم يُصب الأشخاص الذين امتنعوا عن أخذ اللقاح (وأنا منهم) بسوء حتى اليوم.

هناك جهاتٌ حول العالم تستفيد من إثارة الهلع لدى البشر عبر تضخيم مخاوفنا، الخوف من التقدم في العمر وخسارة نضارة الشباب يقابله صنع كميات لا محدودة من الأدوية المضادة للتجاعيد؛ الخوف من السمنة تقابله عمليات لا متناهية للحد من ذلك، بالإضافة للعقاقير. اقتراض الموظف مبلغاً ليس هيناً لشراء سنوات خدمة قادمة، يقتطع من رفاهية اليوم ليومٍ لا يعلم إن كان سيعيشه أم لا، نموذج آخر من حالة الخوف المستشري بين البشر.

لأن العالم يريدنا أن نكون خائفين، يوجه إعلامه كله ليزرع الخوف في داخلنا بشكل انسيابي يحاكي لغة عقلنا الباطن. الحديث عن نيزك يوقف الحياة على الكرة الأرضية على سبيل المثال ليست معلومةً عرضيةً بقدر ما هي إشاعةٌ للخوف والقلق من أمرٍ ربما لا يحدث، أو قد يحدث بعد مئات السنين، وفي كلا الحالتين لا يسع البشرية القيام بأي شيء يوقف الأمر إن كان سيقع حقاً.

إن الانشغال بالإعداد للغد يعتبر حالة قلق قصوى، تأجيل الاستمتاع بما لديك يُعَدّ ترجمة عملية لحالة الخوف التي تبدو طبيعية نظراً للطريقة التي تسير بها حياة البشرية. وعلى الصعيد الاجتماعي تعتبر حالات الاحتقان الطائفي أو الإثني صورةً أخرى للخوف من الآخر الذي تم ترسيخه قسراً خلال المئة عام الماضية فقط، وما العلاقات المتوترة بين المختلفين إلا مظهراً من مظاهر ذلك الخوف ليس إلا.

من ناحية أخرى فإن سباقات التسلح يمكن أن تُشكل بُعداً آخر من الخوف والقلق على مستوى أعلى؛ القلق من العدوان وتهويل المخاوف من دول الجوار ترفع من مستوى الترسانة العسكرية إلى حدٍ مرعب.

إن الاستسلام لشكل الحياة الذي تقولبنا فيه يجعل من الخوفِ المسيطرَ الأكبرَ على مفاصل حياتنا، وتصبح أفعالنا مجرد انفعالات ناتجة عن تأثير هذا الخوف. والتحرر من مخاوفنا المتوارثة والمدعمة مجتمعياً يحتاج إلى شجاعة اتخاذ القرار، لتصبح أفعالنا نتاج رغبة وإرادة وليست نتيجة لما هو ضد ذلك.

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 4014 - الإثنين 02 سبتمبر 2013م الموافق 26 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً