إذا كانت الطائفية، قد انتَقَلَت من القول إلى الفِعل، فهذا يعني، أن علاجها وَجَبَ أن يكون بالمثل. بمعنى، أنه حين كان الطائفيُّون، يمارسون طائفيَّتهم بألسنتهم القذرة، وفتاواهم التحريضية، في وقت مضى، فقد كان كافياً آنذاك، أن يُجَّبَ قولهم الكريه بقولٍ مضاد أحسن منه وأتقى، يُعرِّيه، ويملأ مكانه، وكأنها صراعات غير مادية.
أما الآن، فلم تعد الألسِنة هي وحدها من يُسَعِّر أوار الطائفية بل الفِعل، وهي مرتبة أكثر خطورة. فقد بات لدينا: قتلٌ طائفي، تهميش طائفي، تهجير طائفي، تحالفات طائفية، بطانات سُلطة طائفية، وزارات طائفية، استئثار طائفي بالثروة. هذه الأفعال، لا يُوقفها التنديد والتعيير والفَضح باللسان، بل يوقفها ما يُضادها عملاً كي تموت وتتحجَّر.
وإذا كان «الأكثر» من الناس يُصرِّحون، ويُلمِّحون في العَلَن والسر، على أنهم أناسٌ غير طائفيين، ويمقتون الطائفية، فعليهم أن يُمايزوا أفعالهم النقية، عن أفعال الطائفيين الفاسدة. فحين يجد أحدٌ أن هناك قتلاً طائفياً ضد الأغيار باسم حمايته هو وطائفته ومذهبه، فعليه أن يتمترس بين أولئك المستهدَفين، وأن يُدافع عنهم بيده، وبماله؛ كي يُبطِل عملاً كالذي كان يرمي إليه أولئك الأوباش القَتَلَة. وقد حَصَلَ مثل ذلك في غير مكان.
هذا الفِعل، ينسحب على كافة «المضادات العملية ضد الطائفية». مَنْ يَرَى مُهَمَّشاً لدواعٍ طائفية، فعليه أن يعيده إلى المركز من مِخرَزِ مغايرته له ولذلك الفعل المشين، وفي نفس الوقت من خلال غيرته عليه أيضاً. ومَنْ يرى محروماً مِنْ ثروة بلاده، فعليه أن يُجزِل له ويُساويه. ومَنْ يرى مُهَجَّراً، فعليه أن يحتويه، ويضمّه ويُؤويه في بيته ومحيطه. ومَنْ يرى هَمساً طائفياً في أذن حاكم، فعليه أن يضع همساً آخر يُبطِله، وهكذا دواليك.
سأضرب مثالاً هنا. انظروا إلى أجسادنا نحن البشر عندما تعتَلّ، وتُصيبها الأمراض والأسقام، فإننا نتعامل معها بالدواء كي تبرأ، طبقاً لتشخيص الطبيب حول قوة الداء. فحين يكون الدَّاء صغيراً، لا نحتاج إلاّ لدواءٍ يناسبه في حجم خَطَرِه، فيُوفِّر الوقاية، ويعمل على زيادة أو إنقاص الوظائف المعنية في الجسم. لكن، وحين يستفحل ذلك الدَّاء ويتطوَّر ويستشري، فإن الدواء هو الآخر يتطوَّر عن سابقه، ويُفرَشُ على مقاس الداء المستفحِل كي يبرأ.
حتى في الإنذارات الخاصة بالكوارث الطبيعية، فإن لها درجات، فحين تكون الاستعدادات القائمة متناسبة مع ظروف الضوء الأخضر (وهو أدنى درجات الإنذار)، في حين، أن الإنذار يَشِي بأن لونه قد تحوَّل إلى برتقالي (وهو التحذير ما قبل الأخير) فهذا يعني، أن تلك الاستعدادات ليست كافية، بل إنها لن تمنح الناس أماناً في ظلِّ وجود خطرٍ أكبر منها، وبالتالي سنتوقع ضحايا أكثر، وكأننا لم نجهز لهم ما يُنجِيهم من الخطر الدَّاهِم.
أحوالنا مع الطائفية كذلك. فاستعداداتنا لا تتناسب مع تدحرجها المستمر. لقد أوصَلَت الطائفية البعض، لأن يقتل دون أن يهزَّ كتفاً، ولأن يُهجِّر ثم يسرق مَنْ هَجَّرهم، ولأن يعتقل دون رحمة، ولأن يقطع رزقاً دون حياء، ولأن يركل جثة صبي وهو ينتشي نصراً، ولأن ينظر إلى جنازة ثم يضحك! هذه أسقام ضَرَبَت ضمير الإنسانية، وهي لا تُحَل بلقلقة لسان، ولا بِهَسهَسة مجالس مُغلقة. إنها تحتاج إلى قِيَم عملية طاردة وفاعلة.
هذه الآفة اليوم، باتت خطراً داهماً على جزء مهم من المجتمعات العربية. لقد تمدَّدت أفقياً بشكل سريع، لكنها وفي الوقت نفسه، تجذَّرَت عمودياً أيضاً، بفعل الممارسات، والأفعال وردود الأفعال، وأصبحت في حالة توالد مستمر. وعندما تكون السِّمة هي «الطائفية» في الفعل الاجتماعي، فإنها بالتأكيد، ستكون مساهِمَة في إنتاج مجتمعٍ مُشَوَّه في سلوكه، وغير قادر إلاَّ على مجاراة الارتدادات اللحظية لآفات الطائفية.
لذا، من الخطأ، أن ننتظر «العلاج الحصري» كي تأتينا من خارج وعائنا الاجتماعي العليل. فالبعض يُصر على انتظار نظم السلطة كي تُحرِّك ساكنها، دون أن يُدرك، بأن بعضاً منها (أي الأنظمة) هو بالأساس مُستفيدٌ من وضع اجتماعي مأزوم كهذا، لكي تُمَرِّر في أتون هذا الاقتتال ما لم يُمرَّر في الرخاء. بل إن بعضاً من تلك الأنظمة هو بالأساس ذو نَفَسٍ طائفي بغيض، وبالتالي علينا أن لا نطلب الرحمة من الذئب، ولا النَّغْي مِمَّن نابه يقطِرُ حقداً. ففي ذلك قِلَّة وعي، وخِفة عقل، لا ينبغي أن نتلبسها بأي حالٍ من الأحوال.
كذلك، يجب أن نُدرِك، بأن مثل هذه الأسقام، هي في جوهرها تُعبِّر عن قابليَّات ذاتية، تبدأ بالأفراد، وتُحاكي نَزعاتهم الدينية الخاصة، وهوياتهم، التي صاغتها أحداث التاريخ الموبوء، وبالتالي، هي (أي الطائفية) تتعزَّز عبر استفحال المِلكيات الخاصة للأفكار، والنظرة إلى الأشياء من خلالها وتفسيرها أيضاً، وهو ما يجعل الموضوع مرتبطاً بذواتنا قبل كل شيء.
إنه سلوكٌ مُرتبطٌ بالترويض الذاتي للنفس (على مستوى الأفراد قبل الجماعات، والشعوب قبل الدول)، بِهَدف إبعادها عن مناطق الشَّحن والاستعادات الباطلة والوهمية للمِلكيات والهوية المُظهَرَة على أنها مُهدَّدة في وجودها ومستقبلها. إنها استعادات فرعية، وضيقة، أمام الحقيقة الإنسانية الأشمل، التي تعني الاعتداد بقيمة الإنسان كإنسان، بعيداً عن تحويله (أو تجييره) للعب أدوار تافهة، في معارك عبثية قاتلة.
خلاصة القول، أنه من الجيد أن نعرف ما لا نريد (الطائفية) ونكره الفعل الناتج عنه، لكنه من السيء أيضاً أن لا نعرف ما نريد (مقارعتها بالعمل). وهي سِمَة باتت تلاحقنا في كل شيء، وقد أحسن مَنْ قال ذلك.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4013 - الأحد 01 سبتمبر 2013م الموافق 25 شوال 1434هـ
هل تريد ان تعرف السبب
الاموال الطائله هى السبب عندم تقوم دوله تعتبر من اغنى الدول من ناحيه الموارد الطبيعيه من بترول وغاز وعدد سكانها لا يمثل حتى الثلث مقارنه بدخل هاده الموارد فتدفع بلمليارات للجهات التكفيريه وتزرع فيهم الطائفيه البغيضه على حسابها الخاص لكى تكون المسيطر الاول والاخير على شعوبها لانها هى السيد وله اليد الاطول ليحركها كما يحلوا لها وخير شاهد ما يحدث فى العراق الشقيق وما يحدث فى لبنان وما يحدث فى السودان والخليج ومناطق كثيره حتى المسيحين والبوديين وامم اخرى لم يسلموا منهم
لو
ماعمل به الصغار من اعمال بعيدة عن الدين والشريعه والأنسانيه ورضي به الكبار وصفق له من يريد تحويل الدين الى ارهاب والدولة الى دمار وحرمان الأنسان من حقوقه هو مخطط صهيوني تكفيري حاقد على الأسلام.
nice
الطائفية مع شديد الأسف باتت شعار من لا شعار له وسلوك من هم في أدنى مراتب البشر
مقترح للقضاء علي التميز الطائفي
إزاحة المسؤولين الطائفين عن التعليم وشؤون الموظفين والإعلام والمنابر الدينيه