في العام 1990 هبّ الشارع العربي وبترخيص من حكوماته تنديداً بالغزو العراقي للكويت. كانت الهبّة بصمت رسمي عنها في اتساعها؛ ولكنها صادقة في تعاطفها وتنديدها بأول غزو/ حماقة يرتكبها نظام عربي بغزوه بلداً عربياً جاراً.
كانت هبَّة مطلوبة لامتصاص شيء من الغضب الذي قد يبرز مع تحرّك أكثر من نصف مليون جندي من دول التحالف وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، وتمركزهم في شبه الجزيرة العربية، في أول سابقة في تاريخ المنطقة يحتشد فيها ذلك العدد من الجنود متعددي الجنسيات.
في العام 2003، كان الشارع العربي هذه المرة أمام غزو قامت به الدولة التي كانت قائدة التحالف الدولي لتحرير الكويت. كان أمام غزو أميركي للعراق.
كان العنوان والمبرّر السهْل الممتنع: امتلاك نظام صدام حسين لمنظومة من الأسلحة الكيماوية، وهناك تخوّف من استخدامها في استذكار لتجربة المجزرة الشهيرة: حلبجة، التي راح ضحيتها مئات من الأطفال والنساء والشيوخ من الأكراد.
انشقاق مفتشين دوليين وقتها، وفضحهم للنوايا الأميركية بمهاجمة العراق؛ على رغم عدم وجود أدلة بامتلاك العراق لتلك الأسلحة؛ إلا أن الغزو تم من دون الالتفات إلى تفويض من مجلس الأمن أو الرجوع إليه أساساً. كان القرار أميركياً وبإسناد من دول في المنطقة هي على تحالف تقليدي وعريق لا يمكن لحاسّة أن تغفل عنه!
كانت عيون الشارع العربي مركّزةً على إسقاط أعتى وأشرس طاغيةٍ عرفه التاريخ العربي القديم والحديث (صدام حسين). العراقيون في الدرجة الأولى – ولأكن أكثر تحديداً – في غالبيتهم يبحثون عن الخلاص المستحيل: إسقاط حكم العائلة/ الحزب الذي نهب ونكّل بالعراقيين لأكثر من ثلاثة عقود أتت على الحرث والنسل.
الشارع العربي عموماً، تحت قبضة منظومة أمنية مازالت في ذروة شراستها وشبه استحالة الخروج عليها والوقوف أمامها أو مواجهتها.
كان الهبَّة في حدود الكلام والتنديد والاستنكار والشجْب؛ عبر وسائل إعلام أتاحت هامشاً خجولاً من الحرية ضمن تلك الحدود؛ في مقابل وسائل إعلام وجدت في الغزو هذه المرة تصحيحاً لأخطاء تم تأجيلها لأكثر من 13 عاماً منذ غزو الكويت، وكان لابد أن يرافق تحريرها إسقاط النظام الذي تسبّب بكوارث ومآسٍ تجاوز أثر الكويت والعراق؛ لتمتدّ آثاره وصولاً إلى نواكشوط، بنظامها الذي لم يخفِ تعاطفه مع الغزو.
في العام 2011، تغيّرت الصورة النمطية للأثر والفعل الذي يمكن للشارع العربي أن يحدثه ويلعبه في مستقبل السياسات في المنطقة.
مع سقوط واحد من أشرس الأنظمة الأمنية والقمعية في منطقة شمال إفريقيا (تونس) بهرب زين العابدين بن علي بعد أن تأخر فهمه لمطالب شعبه، وبعد أن أحرق بائع خضار نفسه ليبدّد وهْماً امتد إلى ثلاثة عقود إلا قليلاً. مع ذلك السقوط/ الهرب لم يعد الشارع العربي آخر المحصّلات التي يجب الالتفات إليها؛ بل بات أول ارتكاز في أول تحرك؛ على الأقل بالنسبة إلى القوى الكبرى؛ وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، وإن استمرت المكابرة من بعض الأنظمة التي مازالت مهيمنة على الأوضاع في بلدانها؛ بأن ما حدث في بعض الدول لا يعنيها من قريب أو بعيد، في تكرار للأزمة: لسنا مثل (س) أو (ص) من الدول والأنظمة!
تكرر سقوط قطع الدومينو في ليبيا... اليمن ومصر. كانت الولايات المتحدة الأميركية تتبع سياسة: انتظرْ لتقرّر مع من تصطف. في سورية طال الانتظار؛ وخصوصاً مع تأكد دخول حزب الله على الخط في مساندة النظام السوري. جاءت مجزرة السلاح الكيماوي لتقدّم على طبق من فرصة تاريخية لتكرار سيناريو العراق. لا يقين من أن النظام وراء استخدام السلاح الكيماوي. خسر النظام في ذروة المواجهات مناطق ومراكز حيوية لم تدفعه إلى استخدام مثل ذلك السلاح. التوقيت مريب؛ وخصوصاً مع إقرار مدّ المعارضة السورية بسلاح نوعي؛ كان ذلك قبل أيامٍ فقط من المجزرة، وعلى لسان الجيش السوري الحر، وعبر تصريحات رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا.
لم يتم الحديث عن مناطق آمنة يُحجّم فيها تحرك الطيران السوري في عمليات ضرب المجاميع المسلحة، ومحاولة فك الحصار عن عدد من البلدات التي تتحكّم المجاميع في مداخلها. التفويض من مجلس الأمن فشل بالاعتراض الروسي - الصيني. تقرير مفتشي الأمم المتحدة يحتاج إلى 10 أيام أو أسبوعين. التحالف فشل. بريطانيا وفرنسا خارج تحالف ضرب سورية. الشارع العربي في العام 2013 لم يعد هو الشارع في عامي 1990- 2003. الربيع العربي ماحق للخريف الذي طال. هل تنتظر أميركا نتيجة التقرير؟ تصريحات وزير الخارجية جون كيري اختصرت المسألة: ضرب سورية رسالة إلى إيران وحزب الله. المسألة إذاً لا علاقة لها بالسلاح الكيماوي. لها علاقة بـ «إسرائيل». تجاوز معادلة الشارع العربي ستحرّك ما همد وتأجّل من ذلك الربيع في بعض دول المشرق. الكُلف باهظة. ومظلة الحماية للأنظمة التي وفرتها أميركا لا يمكن أن تُفعّل في حال تم تجاوز ذلك الشارع المرشّح لإعادة الكرّة في قلب الطاولات والمعادلات من جديد!
هل تحدث الضربة دون انتظار نتيجة التقرير؟ لا إيحاءات في تصريحات كيري. تصريحاته واضحة. يبدو أنه الحنين إلى ارتكاب مزيدٍ من الحماقات. الضربة مرشّحةٌ لأن تحدث دون تفويض، ودون انتظار نتيجة تقرير المفتشين الدوليين.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4013 - الأحد 01 سبتمبر 2013م الموافق 25 شوال 1434هـ
العرب هم دائما جموهر يصفق ولن يكونوا لاعبين
امريكا والغرب يتحركون حسب مصالحهم ولا تهمهم الشعوب اي شعب واي حقوق ليس لها اي اعتبار لديهم انما هي اعذار يوجدونها لمن يريدون ضربه وابعاده.
اما العرب ففريق يصفق هنا وفريق يصفق هناك ، اي انهم جمهور ومشجعون فقط والمشكلة ان خيرات بلادهم هي الملعوب فيها وبها وعليها
يامن تنادون بديمقراطية امريكا!
قبل ايام وفلتمان ورسالته لايران سوف نجعلكم دوله نوويه وحتى قنبله نوويه نعطيكم اياها ولكن ابعدوا اياديكم عن المقاومه وفلسطين ودعوا اسرائئيل تعيش وتنهب وتقتل بسلام!
الحنين الى مزيد من الحماقات
اين هؤلاء الذين قال الله عنهم يمشون هونا في الارض ولا يمشون مرحا وتكبرا ولا يصفقون ويطبلون لضرب اخوتهم من العرب والمسلمين سوف ياتي عليهم الوبال ليتعلموا من الماضي وليحفظوا ماء وجوههم لانهم لا يعرف من الخاسر ومن الرابح في الحروب وماذا عن الصلح بعد الحرب بين دولهم
التاريخ يكرر نفسه
التاريخ سيعيد نفسه وأمريكا هي أمريكا والعرب هم العرب لا أحد يتعلم من أخطائه بل قل حماقاته كيف لا وهي تحافظ على مصالحه وتحرك عجلة مصانعه وسوق رائجه لبضائعه. وللآخرين وسيلة لتثبيت عروشهم.
المختار الثقفي
كانت الضربة الأولى لاسقاط اعتى ذئب عربي نهش الامة العربية طولا وعرضا (صدام حسين) والان المقصود من ذلك ضرب أعتى وأشرس مقاومة اسلامية شريفة لا لشيء إلا ارضاء لاسرائيل وحلفائها من العرب المصيفين في مصائف باراتها.......