العدد 4012 - السبت 31 أغسطس 2013م الموافق 24 شوال 1434هـ

هيليـن كـــــــيلــر تطيـر بهمتها وتتغلب على العمى والصمـم

مــــن الظـــــــلام والــصمـــت إلى الكتابة ومنصات الخطابة

قال الإمام علي بن أبي طالب (ع): «يطير المرء بهمته كما يطير الطائر بجناحيه». هذه الحكمة تصلح عنواناً لحياة الكاتبة والمحاضرة الأميركية هيلين كيلر العمياء والصماء، التي يُطلَق عليها «معجزة الإنسانية»؛ لما قاومته من إعاقتها بحيث كانت مقاومة تلك الظروف بمثابة معجزة.

وتقول كيلر في إحدى أشهر مقولاتها: “عندما يُغلَق باب السعادة يُفتح آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلاً إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التي فُتِحت لنا”.

وُلِدت هيلين كيلر في مدينة توسكومبيا في ولاية ألاباما بالولايات المتحدة الأميركية في 27 يونيو/ حزيران 1880، ولم تولد هيلين عمياء وصماء غير أنه بعد بلوغها 19 شهراً أُصِيبت بمرض شخّصه الأطباء أنه “التهاب السحايا وحمى قرمزية”؛ ما أفقدها السمع والبصر. آنذاك كانت تتواصل مع الآخرين من خلال مارتا واشنطن ابنة طباخة العائلة التي بدأت معها لغة الإشارة وعند بلوغها السابعة أصبح لديها 60 إشارة تتواصل بها مع عائلتها.

وعلى رغم أنها عمياء وصماء لكنها استطاعت الحصول على شهادة في اللغة الإنجليزية، فذهبت إلى مدينة بالتمور لمقابلة طبيب مختص بحثاً عن نصيحة، فأرسلها إلى ألكسندر غراهام بل الذي كان يعمل آنذاك مع الأطفال الصم فنصح والديها بالتوجه إلى معهد بركينس لفاقدي البصر حيث تعلمت لورا بردغهام. هناك تم اختيار المعلمة آن سوليفان التي كانت في العشرين من عمرها لتكون معلمة هيلين وموجهتها ولتبدأ معها علاقة استمرت 49 سنة.

حصلت آن على إذن وتفويض من العائلة لنقل هيلين إلى بيت صغير في حديقة المنزل بعيداً عن العائلة؛ لتعلّم الفتاة المدللة بطريقة جديدة فبدأت التواصل معها عن طريق كتابة الحروف في كفها وتعليمها الإحساس بالأشياء عن طريق الكف. فكان سكب الماء على يدها يدل عن الماء وهكذا بدأت التعلم ومعرفة الأشياء الأخرى الموجودة حولها ومن بينها لعبتها الثمينة.

وبعد مرور عام تعلمت هيلين 900 كلمة، واستطاعت كذلك دراسة الجغرافيا بواسطة خرائط صُنِعت على أرض الحديقة كما درست علم النبات. وفي سن العاشرة تعلمت هيلين قراءة الألفبائية الخاصة بالمكفوفين وأصبح بإمكانها الاتصال بالآخرين عن طريقها.

في سنة 1891 عرفت هيلين بقصة الفتاة النرويجية راغنهيلد كاتا التي كانت هي أيضاً صماء وبكماء لكنها تعلمت الكلام. فكانت القصة مصدر إلهام لها فطلبت من معلمتها تعليمها الكلام وشرعت آن بذلك مستعينةً بمنهج تادوما عن طريق لمس شفاه الآخرين وحناجرهم عند الحديث وطباعة الحرف على كفها. لاحقاً تعلمت هيلين طريقة برايل للقراءة فاستطاعت القراءة من خلالها ليس فقط باللغة الإنجليزية ولكن أيضاً بالألمانية واللاتينية والفرنسية واليونانية.

وفي مرحلة ثانية أخذت آن تلميذتها إلى معلمة قديرة تدعى سارة فولر تعمل رئيسة لمعهد هوارس مان للصم في بوسطن وبدأت المعلمة الجديدة مهمة تعليمها الكلام بوضع يديها على فمها أثناء حديثها لتحس بدقة طريقة تأليف الكلمات باللسان والشفتين. وانقضت فترة طويلة قبل أن يصبح باستطاعة أحد أن يفهم الأصوات التي كانت هيلين تصدرها.

لم يكن الصوت مفهوماً للجميع في البداية، فبدأت هيلين صراعها من أجل تحسين النطق واللفظ، وأخذت تُجهِد نفسها بإعادة الكلمات والجُمَل طوال ساعات مستخدمة أصابعها لالتقاط اهتزازات حنجرة المدرّسة وحركة لسانها وشفتيها وتعابير وجهها أثناء الحديث. وتحسن لفظها وازداد وضوحاً عاماً بعد عام في ما يُعَد من أعظم الإنجازات الفردية في تاريخ تربية وتأهيل المعوقين. ولقد أتقنت هيلين الكتابة وكان خطها جميلاً مرتباً. ثم التحقت هيلين بمعهد كامبردج للفتيات، وكانت الآنسة آن ترافقها وتجلس بقربها في الصف لتنقل لها المحاضرات التي كانت تُلقَى وأمكنها أن تتخرج من الجامعة عام 1904 حاصلة على بكالوريوس العلوم والفلسفة في سن الرابعة والعشرين.

ذاعت شهرة هيلين كيلر فراحت تنهال عليها الطلبات لإلقاء المحاضرات وكتابة المقالات في الصحف والمجلات.

بعد تخرجها من الجامعة عزمت هيلين على تكريس كل جهودها للعمل من أجل المكفوفين، وشاركت في التعليم وكتابة الكتب ومحاولة مساعدة هؤلاء المعوقين قدر الإمكان. ساهمت في دعم وتنمية المؤسسة الصناعية للمكفوفين التي تهتم بالمكفوفين ونتيجةً لنشاطها تم تغيير اسمها إلى مؤسسة هيلين كيلر لخدمات المكفوفيين في 1985.

وفي أوقات فراغها كانت هيلين تخيط وتطرز وتقرأ كثيراً، وأمكنها أن تتعلم السباحة والغوص وقيادة العربة ذات الحصانين والخياطة .

ثم دخلت هيلين في كلية رادكليف لدراسة العلوم العليا فدرست النحو وآداب اللغة الإنجليزية، كما درست اللغة الألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية.

ثم قفزت قفزة هائلة بحصولها على شهادة الدكتوراه في العلوم والدكتوراه في الفلسفة.

في الثلاثينات من القرن الماضي قامت هيلين بجولات متكررة في مختلف أرجاء العالم في رحلة دعائية لصالح المعوقين للحديث عنهم وجمع الأموال اللازمة لمساعدتهم، كما عملت على إنشاء كلية لتعليم المعوقين وتأهيلهم، وراحت الدرجات الفخرية والأوسمة تنهال عليها من مختلف العالم.

ألفت هيلين كتاب “أضواء في ظلامي” وكتاب “قصة حياتي” في 23 فصلاً و132صفحة في 1902، وكانت وفاتها عام 1968 عن 88 عاماً.

حصلت كيلر على العديد من الأوسمة والتكريم على المستويين العالمي والوطني، ففي 14 سبتمبر/ أيلول 1964 منحها الرئيس الأميركي السابق ليندون جونسون الوسام الرئاسي للحرية واحداً من اثنين من أعلى الأوسمة المدنية في الولايات المتحدة. وفي عام 1965 تم انتخابها لقاعة الوطني للمرأة في معرض نيويورك الدولي. وأُطلِق اسمها على العديد من الشوارع في كثير من دول العالم.

نُشِرت قصتها على نطاق واسع في العالم لتكون مصدر إلهام للناس، فتناولتها أفلام وثائقية وأخرى سينمائية وأفلام كارتونية أيضاً.

العدد 4012 - السبت 31 أغسطس 2013م الموافق 24 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً