العدد 4012 - السبت 31 أغسطس 2013م الموافق 24 شوال 1434هـ

د. شهاب: حُبّي لمريم دفعنـي لعالـم الصُـــمّ والبُــكْــم والفحص المبكــر ثروة

هو الدكتور فؤاد شهاب عضو مجلس الشورى السابق ورئيس مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود لتنمية السمع والنطق، تحدث لنا بإسهاب عن تجربته مع ابنته التي فقدت سمعها بعد مرور عام من ولادتها، هي تجربةٌ معبرة، تحمل بين جنباتها القوة والعزيمة لمواجهة تحديات الحياة على رغم نظرات الأسى البادية على وجوه من حولها في المجتمع.

قال الدكتور شهاب مبتدئاً الحكاية: «تحديت تلك النظرات، وأثبت للجميع أن لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة، وضعت رجلي على عتبات الحياة لأثبت لجميع من حولي أن لا فرق ولا اختلاف بين الأسوياء منهم والمرضى، فكلاهما لديه القدرة الكافية على الدراسة والعمل والوصول إلى أعلى المرتبات، لكن دون الإرادة لن تتحقق إطلاقاً».

وأضاف: «قبل 25 عاماً من الزمن، كانت هناك فلسفة سائدة في المجتمع البحريني خصوصاً والخليجي عموماً، ألا وهي فلسفة الصم والبكم فمن لا يسمع لا يتكلم. (قُلْ: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) (التوبة: 51) هي آيات قرآنية وأحاديث شريفة يفسرها البعض لفئة الاحتياجات الخاصة كالمصاب بالإعاقة السمعية أنه قدر من رب العباد وابتلاء لهم، وهو تفسير خاطئ وخرافي؛ لأن الأصم في القرآن الكريم هو من يغلق أذنيه عن الحق».

تقبل الواقع ومجابهة الحياة

وأضاف رئيس مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود لتنمية السمع والنطق: «عندما رزقني الله سبحانه بابنتي مريم كانت ثقافتي عن الإعاقة السمعية جِدَّ ضئيلةٍ، وخصوصاً أنني لم أرَ قط مسبقاً أي طفل يعاني من هذه الإعاقة، وهو تحصيل حاصل مع غالبية الأسر؛ إذ يعتقد الغالبية منهم أنهم لابد أن يرزقوا بطفل معافى وسليم، وعندما رُزِقت بابنتي كانت أول ردة فعل لدي إعلامي لنفسي أنه لابد لها أن تتكلم، وهذا دليل أنني قبلت بها كما هي، وهي تنص على علاقة كيميائية قوية جداً تؤدي إلى مشروع أساس بين كلا الطرفين، ألا وهما الوالدان والطفل المعوق وهو تأسيس لحب نوعي بحبي وتقديري وحديثي معها كما هي، وهذا ما يقابله حب أكبر من طرفها، لكن عندما تتبع سياسة الرفض في ذلك فإنها حقاً مشكلة أكبر من الإعاقة السمعية نفسها، وهو ما يترتب عليه صراع كبير بين الأم والأب مع الطفل المعوق».

وأردف الدكتور شهاب: «يؤسفني أن أشير إلى أن مجتمعاتنا الشرقية تُعِيب حقاً ظاهرة التعبير عن حب أحد الأفراد لآخر، فما نراه فقط حرصها على تأسيس ثقافة مختلفة غرضها تكوين أسرة دون أي مشروع واعٍ. اليوم لابد من تأسيس مشروع انتشال هذا الطفل من عالم الصوت إلى عالم الكلام، من الإعاقة إلى الإبداع، فبدلاً من أن يكون عبئاً لابد أن يكون مصدر إلهام لأسرته بكاملها. فكلما رأوا طفلهم يتقدم تعلقوا ببعضهم أكثر فأكثر؛ لذا فلنتساءل: ما مدى انعكاس ذلك على العلاقة الأسرية؟ فإن ظل هذا الرفض قائماً فالفشل بالتأكيد سيكون حليفهما، وإن ظل القبول قائماً فلا نتصور حجم السعادة التي ستستشعرها الأسرة بكاملها».

وأشار: «في بعض الأحيان عندما يخبرون الوالدين بالإعاقة السمعية لطفلهما، يقلبان الأمر وكأنما نهاية حياته قد حلت وطموحه وأحلامه قد ماتت، فلا يوجد أي رب أسرة على وجه الأرض لا يحلم بواقع جميل لأبنائه، يحقق فيه كل ما تبتغيه نفسه ونفس أبنائه، وبتلك الإعاقة كأنما كل ذلك اندثر تحت الأرض؛ لذلك، فعندما تتجاوز أي أسرة لديها طفل يعاني من الإعاقة السمعية تلك المرحلة فهي تعيش في سعادة أبدية سرمدية، فالطفل يبدع، يتفوق في المدرسة، يتخرج ويعمل. كثيرون حولي ظنوا أنني أحلم، لكنهم مع مرور الوقت اعترفوا عندما وجدوني على حق».

الثقة بالنفس... حاجة ضرورية

وأكد الدكتور شهاب: «أكثر ما أعتز به اليوم أن الله أعطاني مريم، فهي ملهمتي، هي من علمتني الكثير، خاضت امتحانات عدة، لكنها كانت على قدر كبير من التحدي. وكما يُقال شعراً: الأم مدرسةٌ، فوالدتها حقاً لعبت دوراً كبيراً جداً معها، إلى جانب الدور الذي لعبته أنا والذي لم يخلق لديها أي أزمة داخلية في كونها لا تسمع. فأنتِ كونكِ حقاً لا تسمعين لكن بإمكانك أن تتفوقي، لذا فالثقة بالنفس ضرورية جداً هنا، غير أنه بالتأكيد لابد من تركيز الوالدين على استخدام الطفل للسماعة دائماً، ومنذ الأشهر الأولى تفادياً لما لا يحمد عقباه فيما بعد. فأنا على سبيل المثال أب لدي 20 % من فقدان للسمع، لكنني وعلى رغم ذلك أكابر وأرفض استخدام السماعة».

وأفاد رئيس مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود لتنمية السمع والنطق: «مريم كانت مصدر إلهام لزميلاتها من حولها، وصديقاتها من الفتيات المميزات، عاشت طفولة جميلة، ولم تتعبني خلالها إطلاقاً. وهذا كان بفضل تضافر الجهود من قبل المجتمع البحريني المتحاب ومن لم يتوانَ في إعطاء الفرصة الكافية لتلك الفئة، فنحن في البحرين حقيقةً متقدمون على دول الخليج العربي، على رغم إمكاناتنا المحدودة».

الفحص المبكر فرصة لتجاوز الإعاقة

وواصل: «حالياً أرأس مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود لتنمية السمع والنطق وهدفه خدمة فئة فاقدي السمع. أُسِّس في سنة 1994، وكانت بدايته مع أجهزة بدائية تماماً لقياس الإعاقة السمعية؛ إذ كان يستخدم جهازاً يسمى (الشوكة الرنانة) به يتم قياس سمع الطفل من عدمه، ونحن من خلال هذا المنبر نطالب جميع الأسر بالفحص المبكر لطفلهم، فكلما تم ذلك في الأشهر الأولى للولادة أصبح تجاوز الإعاقة السمعية ممكناً منذ البداية».

ابتسامة طلبتي سرّ سعادتي

وأضاف الدكتور شهاب: «عندما أعود للوراء أتذكر أن هناك بعض الأسر من يرفض الحضور مع طفله إلى المركز بدافع الخجل، بينما الآن فالحال تغير. أتذكر أنني كنت في يوم من الأيام في مكان عام، وإذا بطفلة تقبل إلي وترحب بي، للوهلة الأولى لم أتذكرها إلا أنني تذكرت في ما بعد أنها كانت إحدى طالباتي في المركز، وهو ما أثر بي بحق، فلولا مريم لما حدث كل هذا، ولم أكن لأستطيع أن أقدم لمجتمعي هذا العمل، وهو الذي أعطاني الكثير والكثير. فالإنسان وُجِد في هذه الدنيا ليواجه تلك التحديات، وبها يتمكن من إخراج كل ما لديه».

واسترسل الدكتور شهاب: «الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة أُسِّست في عام 1995 وأنا أحد مؤسسيها، وقد فكرنا في طرق إمكانية خدمة مجتمعنا فكنا نتداول كيفية تقديم خدمات متميزة. فأردت وشركائي دراسة هذا الموضوع من كل الجوانب، واستغرقت من الوقت أشهراً طويلة، اجتمعنا فيها وسعينا إلى إقناع المجلس آنذاك لما يحمله هذا المشروع من تكاليف باهظة، ولاسيما أن البحرين لا تملك متخصصين في هذا المجال، علماً أن تكلفة إنتاج مثل هذا المشروع تصل لنحو 100 ألف دينار بحريني سنوياً».

مساعدة إنسانية لا تجارية

وذكر رئيس مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود لتنمية السمع والنطق: «في ظل التكاليف الباهظة وفي ظل عدم وجود العلاج المناسب في البلد، تضطر العديد من الأسر لتحمل ألم الغربة في سبيل طفلها المصاب بالإعاقة السمعية. أنا من ناحيتي اضطررت إلى الغربة لمدة 4 سنوات لأجل ابنتي، لكن هل ستتمكن من ذلك جميع الأسر التي تعاني من ذلك؟ على رغم أن خدماتهم في الخارج ليست بالتميز المطلوب آنذاك وأجزم أن هدفها تجاري بحت، إلا أن خياراتنا كانت محدودة. وعندما اتخذنا قراراً بفتح معهد متخصص في مجال السمع والنطق في البحرين كان هدفنا يتمحور حول عدم الاستغلال التجاري وتقديم أفضل خدمات ممكنة بشكل مجاني؛ بهدف إزالة العبء المادي من على كاهل الأسر، وخصوصاً ذوي الدخل المحدود. كان ذلك هو همي الأول، وكنت أرى في أعين أطفالنا مدى إحساسهم بالانتماء لهذا المكان، إلى جانب إصرارنا على أن نؤهل ونوظف مواطنات بحرينيات في تدريس تلك الفئة، وأخذ منا الوقت الكثير حتى وجدنا ذلك».

إصابة طفلك لابدَ أن تغير سلوكك

وقال الدكتور شهاب: «أعيد وأكرر، من يَقُلْ إن الإصابة بهذا المرض هي قدر من رب العباد فهو خاطئ، فعندما تكتشف ذلك في طفلك لابد أن تغير سلوكك من الألف حتى الياء، وعندما نرى من يرفض ذلك فإنه بالتأكيد أمر غير صحيح ويتسبب بالضرر لنفسه ولأسرته. فالتغيير يبدأ منك أنت أولاً، ولابد من أن تثقف الأسرة لكونها حجر الزاوية، فالطفل المصاب بالإعاقة السمعية يقضي جُلَّ وقته بين والديه وسويعات قليلة تلك التي يقضيها في المركز؛ لذا لابد من حساب ذلك جيدا»، وأضاف: «على رغم حرصنا جيداً أن تكون السويعات التي يقضيها الطفل في المركز ثمينة جداً بالمعلومات والخدمات المقدمة فالطفل المصاب بالإعاقة السمعية يمر بتحديات كبيرة في كل محطات حياته ولابد من تهيئته بدايةً لذلك؛ لكون كل مرحلة تختلف عن الأخرى».

نصيحة أخيرة

وأخيراً أنهى الدكتور شهاب حواره: «كلما كان الاكتشاف مبكراً وفي الأشهر الأولى من الولادة استطاع الطفل تجاوز إعاقته بشكل مميز، فالمرحلة الأولى أساسية جداً وخصوصاً في السنوات الخمس الأولى من العمر، لكن وإن تأخر، فإن أصعب المهارات تعلمها هي اللغة، فكلما تقدم بالعمر ومازال لا ينطق بشكل جيد، فإن هذا الأمر مثير للريبة، فالعمر اللُغوي يعلمك بأي عمر أنت. فكلما كانت لغتك رصينة كانت مخارج حروفك جيدة، فحروفك هي من تعبر عن فكرك».

العدد 4012 - السبت 31 أغسطس 2013م الموافق 24 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:20 ص

      الحمدلله رب العالمين على كل حال
      والحمدلله على جميع النعم
      اللهم شافي وعافي جميع مرضانا ومرضى المسلمين

    • زائر 3 | 8:26 م

      د.فؤاد

      دكتور فؤاد نعم الرجل ونعم المربي ونعم المعلم

    • زائر 1 | 3:12 م

      الله عوضني بذكاء

      الحمدلله رب العالمين
      دكتور فؤاد انه كنت طالبتك بجامعة البحرين في كورس التاريخ وانه من ذوي الاعاقة السمعية
      والحمدلله تخرجت من الجامعة ولدي بكالوريوس بتقدير جيدجدا واعمل حاليا في وظيفة مرموقة
      وما حرم الله عباده شيئا الا وعوضهم خيرا منه

اقرأ ايضاً