العدد 357 - الخميس 28 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ

قانون العقوبات وقضايا المخدرات

اضرب الكبير يسقط الصغير

عدنان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

صحافي بحريني

إذا صح ما كشفه بعض المختصين في قسم مكافحة المخدرات من مباحث إدارة التحقيقات الجنائية التابعة لوزارة الداخلية في الندوات التوعوية التي اقيمت أخيراً في بعض محافظات المملكة بشأن ما تصدره المحاكم الجزائية المختصة من أحكام ضعيفة في حق المتاجرين البحرينيين والخليجيين والاجانب بعد ضبطهم بالجرم المشهود في قضايا الاتجار والتسويق والتعاطي للمخدرات أو محاولة تهريبها إلى البحرين، فإن الواجب الاخلاقي والانساني، وايضاً الوطني والشرعي، يدعونا إلى أن نضع ايدينا على قلوبنا خوفاً وهلعاً على مصير شبابنا ووحدة مجتمعنا الذي باتت تهدده الاخطار، وبالذات اخطار براثن المخدرات، من كل حدب وصوب، لأن ما ينهض به المجتمع بكل قواه في مواجهة ديناصور المخدرات المنفلت يهدمه التساهل في تطبيق القوانين الزاجرة والرادعة لظاهرة المخدرات التي باتت بفعل هذا المسلك أقوى من القانون. ولأن الامر كذلك، أصبح القانون حماراً والروتين حماراً يمتطيهما من يشاء بفعل العقوبات الرحيمة التي تنتقى من مواد القانون من دون ان يحقق القانون، المعول عليه كرأس حربة في معركة المجتمع مع الخارجين على القانون، الردع العام والخاص لإحداث التوازن المطلوب لضبط إيقاع الحياة وحماية الأمن الاجتماعي بجميع صوره الكبيرة والصغيرة.

فمن خلال فهمنا المتواضع لنصوص قانون العقوبات في قضايا المخدرات الذي صدر العام 1976 وأجريت عليه التعديلات في الثمانينات، وجدنا أن المشرع البحريني منح القاضي بموجب ديباجة القانون صلاحيات ومساحة واسعة لاتخاذ التدابير الرادعة المنبثقة من روح القانون ضد المتورطين بصورة منقطعة ومتكررة في قضايا المخدرات الصغرى والكبرى المتمثلة في التهريب والاتجار والتسويق والتعاطي من دون مسوغ طبي أو شرعي، وتجسدت هذه الصلاحيات في الكثير، الكثير من المواد، ولكنها بدت واضحة في سلطة نص المادتين «23 و24» من قانون العقوبات الخاص بظاهرة المخدرات وإذ اعطى المشرع، بحسب متن النص القانوني، القاضي سلطة التقدير غير المقيدة اثناء اتخاذ الاجراءات الرادعة لايقاع العقوبات المشددة ضد من تثبت الادلة إدانته في الاتجار والتسويق والتعاطي غير المشروع للمواد المخدرة والتي تصل في مداها، تأسيساً على نص المادتين 23و24، إلى الحكم بالسجن مدى الحياة والاعدام... والمتتبع لمقاصد ما تنص عليه المادتان يتبين له بجلاء ان سلطة نص المادتين وفرت الاريحية للقاضي ولم تقيد إرادته القضائية - لكن - ومن خلال ما افرزته الوقائع فإن مسلك المحاكم المختصة مع نص هذه المواد وروحها لايزال، فيما يبدو، فيه نوع من الخصومة.

ولذلك بقت هاتان المادتان خارج «فورمة» التطبيق، وإلا بماذا نفسر ما يصدر من احكام تقضي بدفع غرامات مالية ضد بعض المتورطين الذين يتم ضبطهم في الداخل وعلى حدود المنافذ الشرعية متلبسين بجرم تهريب المخدرات من الخارج إلى الداخل؟ ولماذا لم تصل مرحلة التدرج في تطبيق بنود القانون الرادع إلى الذروة بما يتناسب وحجم الجرم وخطورته؟ ولماذا لم نسمع حتى الآن بصدور احكام ضد بعض المتورطين الذين تم ضبطهم وهم يقومون عن عمد وسبق إصرار بعمليات اتجار وتسويق وتهريب تصل في درجتها إلى ما انبرى عليه نص وروح المادتين المشار اليهما في الحديث هنا؟ واذا لم يتم تفعيل سلطة نص المادتين الآن، وفي مثل هذه القضايا، فمتى سيتم ذلك؟ وهل المرونة في تنفيذ الاحكام الجزائية ضد هؤلاء فعلت فعلها حتى نوجب على أنفسنا اسقاط نص تغليظ العقوبات ضد من دفعتهم أنانيتهم الضيقة إلى ان يجعلوا من مبدأ الحرية الشخصية الذي توليه البحرين اهتماماً خاصاً جسر عبور للعبث بالأمن الاجتماعي في صوره النفسية والثقافية والصحية والأمنية؟ وهل من الحكمة ان يصدأ سيف القانون أمام من سولت لهم أنفسهم المريضة وحظهم العاثر جعل البحرين سوقاً لتجارتهم غير المشروعة، وشباب البحرين حطباً للعنة المخدرات التي يريدون ان يجعلوها سلعة كباقي السلع المحرمة التي تحظى بحماية القانون على رغم ما افرزته من أمراض وجرائم؟

ان ما يثير الدهشة والكثير من علامات الاستفهام ما نشاهده من تناقض صارخ، فبينما تتشدد المحاكم بكل غرفها في القضايا المدنية وخصوصا اثناء تطبيق نصوص مواد قانون المرافعات التجارية وتحديداً «المادة 256» مع بعض المدينين المعسرين من دون بحث حال المدين ومدى قدرته على الدفع، وهي القاعدة التي وفرها القانون لحماية الأفراد من العبث، نجد في المقابل أن المحاكم المختصة بالنظر في دعاوى المخدرات تتعامل مع بعض هذه القضايا بنوع من التيسير واللين، وهو ما يعني ان هذه القضايا أصبحت محصنة ضد علاج القضاء الرادع والمتفق عليه انطلاقاً من القانون... وهو ما يعيد إلى الاذهان ضرورة العمل على انشاء جهاز معلومات في وزارة العدل لتطوير البنية الأساسية للقضاء من خلال تطوير عمل الباحث القانوني.

لقد ادى غياب وتغييب سلطة الردع القانونية المؤثرة والمجازة ضد المتعاملين في أنشطة قضايا المخدرات، إلى إضعاف الاحكام الصادرة في حق المتورطين، وبدلاً من ان يصبح القانون، قياساً إلى جرمهم المرفوض جملة وتفصيلاً، نقمة عليهم صار رحمة لهم، بينما القراءات والنصوص والغايات تؤكد ان القانون يحمل في طياته من ادوات الردع ما يكفي لكي يردف وبقوة جهود الأجهزة المختصة وهيئات المجتمع المدني في شوطها الطويل الذي تلعب فيه مدافعة عن سلامة المجتمع ضد آفة المخدرات التي طالت وطوت الكثير من أعمار شبابنا ناهيك عما خلفته من تداعيات ومآس على الاصعدة الأسرية والاجتماعية والأخلاقية...

وانطلاقاً مما تقدم من معطيات، ننادي مع المنادين بضرورة أن يغير القضاء المختص بقضايا المخدرات زوايا الرؤية القانونية من دون اغفال الحق الانساني للمتورطين، وأن يعمل على ضرورات المحافظة على الغاية من اجراءات التفويض التي منحت له بموجب القانون، فمن المعروف ان الغاية من آلية الاجراءات القانونية المتبعة، هي في الاساس تصب في حفظ الحق العام ومكافحة جرائم المخدرات بكل صنوفها. وعليه فالواجب يدعو اصحاب المهابة، قضاتنا المختصين بتطبيق قانون العقوبات في قضايا المخدرات والذين نكن لهم الاكبار، إلى توظيف سلطة القانون المغلظة والضرب بيد من حديد ضد هذه الفئة التي لا هم لها إلا التلذذ بآلام وأوجاع الآخرين حتى لو كانوا شعوباً أو أوطاناً أو... أو... وقديماً قيل «اضرب الكبير يسقط الصغير»

إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"

العدد 357 - الخميس 28 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً