العدد 357 - الخميس 28 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ

دور عسكري ألماني في الخليج... مرهون بعامل الوقت

أحاديث السياسة في مرحلة ما بعد الحرب

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بدا اليوم وكأنه سيكون يوماً سعيداً بالنسبة إلى المستشار غيرهارد شرودر حين جلس إلى مكتبه الكائن في الطبقة السابعة بمقر المستشارية يراجع خطاباً أعده بمناسبة الإفراج عن الرهائن الأوروبيين. كما كان يستعد وزير الخارجية يوشكا فيشر للسفر في اليوم التالي إلى مدينة شتوتغارت لمشاهدة المباراة الدولية في كرة القدم بين ألمانيا وإيطاليا. لكن بعد وقت قصير تغير مزاج شرودر وفيشر بعد أن نقلت وكالة الأنباء الألمانية نبأً حزيناً من العراق يتحدث عن اعتداء تعرض له مقر الأمم المتحدة أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، وجاء لاحقاً نبأ أفاد بأن المبعوث الخاص للهيئة الدولية لقي حتفه نتيجة الاعتداء الذي استهدف مكتبه في فندق «قنال». وضع المستشار كلمته جانباً وألغى فيشر زيارة ستاد مدينة شتوتغارت وراح يتحدث عما أسماه «تحول».

وقال أحد معاوني وزير الخارجية الألماني إن الأخير استعاد على الفور ذكريات الهجوم على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وقال إن ألمانيا أصبحت مضطرة الآن إلى مراجعة موقفها. بعد الاعتداء على مقر الأمم المتحدة أصبحت ألمانيا مضطرة إلى الإجابة عن السؤال المحتمل: ماذا سيكون الرد الألماني إذا طلبت منها الولايات المتحدة التعاون معها في العراق؟ أليس من مصلحة أوروبا تجنب تصعيد جديد؟ ثم السؤال الأهم: هل سيوكل للقوات المسلحة الألمانية العمل في المستقبل القريب في حفظ الأمن في منطقة الخليج؟ إلى متى تستمر ألمانيا متمسكة بتحفظها حيال عمل عسكري في العراق؟

في الحقيقة هناك أيام ساخنة تنتظر السياسة الخارجية الألمانية. مرة أخرى ينبغي على طرفي الحكم وأحزاب المعارضة مناقشة الموضوع المتعلق بإرسال جنود ألمان إلى منطقة ساخنة. نجح الاشتراكيون والخضر في تجنب المشاركة في حرب العراق لكن الضغط يزداد عليهم لتقديم مساهمة في مرحلة ما بعد الحرب. ستظهر الحقيقة بشأن المشروع الألماني بتوسيع مهمة أفغانستان أو رفع العلم الألماني في العراق حيث تواجه الولايات المتحدة صعوبة في متابعة مهمتها. سيصبح بوسع الجنود الألمان القيام بدوريات تتجاوز مدينة كابول وتصل إلى منطقة قندوس، لكن توسيع أفغانستان لا يعفي الألمان من احتمال التوجه إلى بغداد على رغم النتائج المترتبة على حكومة شرودر داخل بلده. من وجهة نظر الخبير السياسي كريستوف بيرترام من مؤسسة البحوث والسياسة التي تعتبر مصنع الأفكار التي تعتمد عليها الحكومة الألمانية، فإن مسألة انتشار جنود ألمان في العراق مسألة مرهونة بعامل الزمن ليس أكثر. ويرى أنه عاجلاً أم آجلاً سيعهد إلى الأمم المتحدة بدور بارز في العراق. وفي حال طلبت الهيئة الدولية من حلف شمال الأطلسي التدخل في العراق، سيصبح من الصعب على ألمانيا التمسك بموقفها الرافض للمشاركة عسكرياً في العراق.

وأعلنت رئيسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض انجيلا ميركل موافقتها منذ الآن على إرسال جنود ألمان إلى العراق، وقالت في مقابلة مع مجلة «دير شبيجل» إنه في حال طلب من الأطلسي (الناتو) التدخل وفي الوقت نفسه لدى ألمانيا مقومات المشاركة العسكرية، فإنه ليس برأيها ما يمنع مشاركة ألمانيا في مهمة فرض الأمن والاستقرار في العراق. يحاول وزير الخارجية الألماني الإيحاء بأن هذا أمر غير قابل للطرح لكن من يأخذ كلامه على محمل الجد؟ كيف سيكون موقفه وموقف المستشار شرودر إذا تنازلت الولايات المتحدة للهيئة الدولية أو إذا طلب الناتو مساهمة عسكرية ألمانية؟

في حقيقة الأمر تستعد الحكومة الألمانية الآن، على الأقل عن طريق وضع تصورات، لدور عسكري محتمل في العراق. لقد أوحى أكبر اعتداء وقع على الأمم المتحدة منذ تأسيسها العام 1945 بأن الولايات المتحدة ليست قادرة على الإمساك بزمام الأمور وحدها في العراق وكم هي عاجزة عن وقف أعمال القتل والدمار. ونشأ وضع جديد يهدد بانفجار الوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط وانتشار الفوضى وكل ما يتبع ذلك من نتائج ليست واردة في الحسبان بالنسبة إلى جيران المنطقة في أوروبا. ونصح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والتابع للحزب الجمهوري السيناتور الأميركي ريتشارد لوغار، الحكومة الألمانية بأن تأخذ بمصالحها القومية، وذلك حين زار برلين الجمعة الماضية واجتمع مع المستشار ووزير الخارجية. حسبما الموقف الحالي ليس أمام حكومة شرودر/ فيشر سوى التجاوب مع الحلفاء ومساندتهم عسكرياً. وعلى رغم أن الرئيس بوش لم يعلن على الملأ بعد، أن القوة العظمى بحاجة إلى مساعدة للسيطرة على الوضع في العراق وأنه على استعداد لتقديم تنازلات، لكن مسئولين كبار في برلين يعتقدون جازمين بأن بوش لابد وأنه أدرك منذ وقت أنه ينبغي عليه أن يقدم تنازلات. ويقول هؤلاء إنه يفكر في طريقة يحفظ بها ماء الوجه ويتوقعون أن يغتنم فرصة إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل وهي المناسبة التي سيشارك فيها الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير والمستشار الألماني.

بالنسبة إلى الائتلاف الحاكم في برلين، حان الوقت للعمل جدياً على الاتفاق على شروط يجري التمسك بها في حال طلب إرسال جنود ألمان إلى العراق. إلى جانب مطالبة ألمانيا بحصول الأمم المتحدة على دور رئيسي في عملية إعادة إعمار العراق، هناك رغبة في أن يجري إدماج الدول العربية بشكل فعال في هذه العملية، وفي الوقت نفسه الإصرار على مطالبة الولايات المتحدة بثمن عال مقابل تقديم مساهمة عسكرية مساندة لها في العراق. يضع معاونو المستشار شرودر في حساباتهم أن الرئيس بوش، في ضوء تمسك فرنسا وروسيا وألمانيا بدور بارز للهيئة الدولية، وهي خطوة توحي بعودة ظهور الجبهة الثلاثية المناهضة لواشنطن ولندن، سيضطر في نهاية المطاف إلى التنازل والدعوة إلى قمة لمناقشة وضع نظام جديد في منطقة الشرق الأوسط لأن الأمر لا يتعلق بالعراق وحده، بل هناك النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويبدأ بإيران وصولاً إلى أفغانستان.

وتنظر برلين بغضب إلى ما يجري في العراق وترى أن ما سبق وحذرت من وقعه نتيجة الحرب، يجري منذ وقت، وأصبحت أعمال القتل والتفجير روتينية مع زيادة متنامية لخصوم الاحتلال. وفقاً لهذه المعطيات لم يعد مهماً تحقيق الديمقراطية في العراق وأفغانستان وإنما المهم القضاء على حال الفوضى. تعتزم الحكومة الألمانية التعجيل بتنفيذ مهمة توسيع نشاطاتها في أفغانستان ونشر قوات ألمانية جديدة في منطقة قندوس، ويرى المراقبون أنها خطوة تمهيدية تسبق بدء الحديث جدياً عن انتشار جنود ألمان في العراق. ويعتقد خبير الشرق الأوسط في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم غيرنوت إيرلر أن شرودر سيحصل على تأييد غالبية برلمانية إذا دعا إلى هذه الخطوة. يوشكا فيشر يرى أن المهم أولاً توسيع مهمة أفغانستان وقال إن بلاده لا تتعرض لضغط لإرسال قوات تابعة لها إلى العراق... لكن فيشر يقول هنا نصف الحقيقة

العدد 357 - الخميس 28 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً