العدد 4011 - الجمعة 30 أغسطس 2013م الموافق 23 شوال 1434هـ

التمائم الصدفية: الأهمية الرمزية للقواقع المخروطية

من أهم القواقع التي حظيت باهتمام كبير منذ أكثر من خمسة آلاف عام حتى يومنا هذا، هي القواقع المخروطية أي ذات الشكل المخروطي؛ وهي أنواع من القواقع تنتمي إلى جنس Conus. ويعتبر هذا الجنس من الأنواع النادرة على سواحل الخليج العربي؛ ففي البحرين عثر فقط على ثلاث عينات صغيرة بالقرب من سواحل معينة وفي حالة يصعب تصنيفها بصورة دقيقة، أي التعرف على نوعها بصورة دقيقة، وقد نشر Green في كتابه عن أصداف البحرين نوعاً واحداً في حالة رديئة ولم يصنفه بصورة دقيقة بل رجح تصنيفاً معيناً (Green 1994). وفي واقع الأمر، لا يعرف حتى المصدر الفعلي لهذه العينات الثلاث ولا يمكن القطع بوجود قواقع مخروطية على سواحل البحرين في أي فترة زمنية. المكان الوحيد الذي تكثر فيه القواقع المخروطية على سواحل الخليج العربي هي السواحل العمانية، وعلى رغم ذلك، هناك أنواع من القواقع المخروطية ذات أهمية أثرية تعتبر نادرة حتى على السواحل العمانية مثل النوع Conus ebraeus حيث عثر على ثلاث عينات فقط على السواحل العمانية ولا يعرف مدى انتشارها أو نسبة تواجدها على السواحل العمانية (Bosch and Bosch 1982, p.124). وقد سبق أن ذكرنا أن هذا النوع الأخير قد عثر عليه في مقبرة «أور» الأثرية في بلاد الرافدين والقبور الدلمونية في البحرين.

الأهمية الاقتصادية

للقواقع المخروطية

للقواقع المخروطية أكثر من أهمية، فهي من الناحية التاريخية الأثرية أصبحت تستخدم كدليل على العلاقات التجارية القديمة بين الحضارات المختلفة، أما في العصر الحديث فلها أهمية اقتصادية كبيرة حيث تصنع منها حلياً تستخدمها النساء بالإضافة إلى ارتباطها بممارسات طقسية، وكذلك، استعمالها كعلامات دالة على المكانة الاجتماعية للأفراد. وقد ارتبطت هذه القواقع بنوعين من الصناعات الصدفية وهي تصنيع الحلقات الصدفية وتصنيع الأقراص الصدفية. وكل من الحلقات والأقراص الصدفية تصنع من الجزء الحلزوني العلوي المدبب للقواقع المخروطية؛ حيث يتم قطع هذا الجزء ومن ثم يتم نحته على شكل قرص مقعر دائري أو مضلع أو مثلث الشكل، ويتم عمل ثقب في وسطه ليتم تمرير الخيط من خلاله لكي يتم نظمه في عقد أو إنه يستخدم بصورة مفردة وأحياناً يتم تجويف القرص بأكمله والإبقاء على الحلقة الخارجية التي ربما كانت كبيرة بما فيه الكفاية فتستخدم كخاتم أو تكون صغيرة الحجم فتستخدم في قلادة أو عقد (Reese 1989) و(Liu 2008) و(Harding 1961). وقد بقيت هذه الصناعات ممتدة عبر العصور حتى يومنا هذا، وبالخصوص تصنيع الأقراص الصدفية التي تطورت بشكل ملحوظ؛ حيث أصبحت هذه الأقراص من الحلي المعاصرة في بعض الدول الإفريقية بل إنها ارتبطت، أيضاً، بممارسات طقسية وبالمكانة الاجتماعية في العديد من الدول الإفريقية (Liu and Wataghari 1975) و(Liu 2008) و(Harding 1961)، وهو ما سنوضحه بالتفصيل لاحقاً. وسنقسم هذه الدراسة إلى قسمين، نناقش في القسم الأول أهمية القواقع المخروطية في إفريقيا في العصر الحديث، أما في القسم الثاني فسنتناقش أهمية هذه الأصداف في الثقافات القديمة في الخليج العربي.

في شرق ووسط إفريقيا

في العام 1961م نشر Harding بحثاً بعنوان «Conus Shell Disc Ornaments (Vibangwa) in Africa» ناقش فيه الاستعمال الحديث للقواقع المخروطية وكذلك الأقراص التي تصنع من هذه القواقع في العديد من المناطق في شرق ووسط إفريقيا مثل كينيا والكونغو وإثيوبيا وروندا وغيرها. وتستعمل القواقع المخروطية في هذه المناطق على وجه الخصوص للدلالة على المنصب أو الرتبة الاجتماعية أثناء مراسيم التنصيب أو انتخاب الرئيس ضمن القبيلة؛ حيث يتم لبس نوع مخصص من القواقع المخروطية من قبل الشخص الذي سيتم تنصيبه، ويتم ربط قوقعة على الجبهة وأخرى حول الذراع وواحدة حول المعصم الأيسر. وقد أشار Harding أيضاً لاستخدام الأقراص المصنعة من القواقع المخروطية كحلي تجميل، وكذلك، استعمالها في طقوس مختلفة منها طقوس علاجية. وقد كانت هناك تجارة نشطة للقواقع المخروطية في تلك المناطق منذ زمن طويل، ويرجح Harding أن أقدم ذكر موثق لوجود تلك التجارة قد ورد في الوثائق البرتغالية التي تعود لبداية القرن السادس عشر وحتى بداية القرن السابع عشر والتي جمعها Theale في المجلد الثالث من كتابه الموسوعي «Records of South Eastern Africa»، ومن خلال تلك الوثائق رجح Harding أن البعض كان يصنع تقليداً لهذه القواقع من الذهب.

في موريتانيا والمغرب

أما في موريتانيا والمغرب فيتم نحت الأقراص الصدفية المحضرة من القواقع المخروطية، بصورة فنية رائعة؛ وتستعمل هذه الأقراص كحلي تتجمل بها المرأة حيث يصنع منها عقود وكذلك كحلي يزين بها الشعر (Liu and Wataghari 1975) و(Liu 2008). هذه الأقراص منتشرة بشكل كبير، وبالخصوص في موريتانيا. كذلك فإنه يتم تقليد هذه الأقراص وتصنيع شبيه لها من الفضة أو من معادن أخرى (Liu 2008).

الجذور التاريخية

ما سبق نلاحظ رواج استخدام القواقع المخروطية والأقراص المصنعة منها في العديد من الدول الإفريقية في العصر الحديث، إلا أن الدلائل الأثرية التي تدل على امتداد تصنيع الأقراص الصدفية في إفريقيا قليلة جداً، بالمقابل، يلاحظ في الثقافات القديمة التي ظهرت في إيران وبلاد الرافدين وعلى سواحل الخليج العربي، شياع استخدام الأقراص الصدفية المصنعة من القواقع المخروطية، بل إنه بالإمكان رسم مراحل لتطور صناعة هذه الأقراص الصدفية عبر الزمن، بدءاً بالأقراص ذات النقوش البسيطة ووصولاً للأقراص الأكثر زخرفة. إن وجود مثل هذه الدلائل الأثرية على سواحل الخليج العربي جعلت البعض مثل Harding يرجح أن الجذور التاريخية لهذه الأقراص الصدفية ربما يكون في شبه الجزيرة العربية (Harding 1961). في البحرين، على سبيل المثال، عثر على أكثر من 250 من هذه الأقراص الصدفية، إلا أن هذه الأقراص لم تلقَ اهتماماً كبيراً من قبل الباحثين الذين اختاروا عدداً بسيطاً من هذه الأقراص وصنفوها على أنها «أختام صدفية»، فهل هذه الأختام الصدفية المزعومة هي أختام في حقيقتها؟ أم إنها إحدى مراحل تطور فنون صناعة الأقراص الصدفية؟ يتبع.

العدد 4011 - الجمعة 30 أغسطس 2013م الموافق 23 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً