كوالالمبور - آي بي إس
«عشت كالخفافيش... متنقلة من شجرة إلى شجرة»... هكذا تلخص الصحافية الليبيرية ماي أزانغو رواية سنة كاملة قضتها مع ابنتها في الهروب من المتعصبين الدينيين الذين كانوا يهددون بقتلها لفضحها ممارسات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في وطنها، العام الماضي.
تضيف هذه الصحافية المخضرمة في صحيفة «FrontPage Africa»، أنه على رغم أن الحكومة الليبيرية وقعت في 2012 معاهدة تعِد فيها مواطنيها بحق الحصول على المعلومات، فإنها لا تزال تخفي البيانات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية عن الصحافة.
وتشرح «أنا أخاطر كثيراً بكل تقرير صحافي أكتبه»، مضيفة أنها تعتمد كليّاً على «مصادر سرية» داخل الحكومة لجمع المعلومات، نظراً إلى تقاسم القليل جدّاً من المعلومات في المجال العام.
وجدت المشاكل التي تتناولها هذه الصحافية الليبيرية صداها بين مئات من النساء وخبراء الصحة الذين اجتمعوا في العاصمة الماليزية (كوالالمبور)، للمشاركة في المؤتمر الثالث للمرأة والصحة الإنجابية في أواخر مايو/ أيار 2013. فأجمع المشاركون في المؤتمر، الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم، على تحديد الأهداف المشتركة: كسر المحظورات التي تحيط بالتثقيف الجنسي، وخلق مناخ آمن للنشطاء والمهنيين الصحيين والتربويين لنشر الوعي حول الجنس الآمن وتنظيم الأسرة.
وبحسب ما قالته الناشطة في مجال الشئون الجنسية والإنجابية أمينة لمريني: «في المغرب - الذي يبلغ عدد سكانه 32 مليون نسمة - يحظر على المدارس تقديم التثقيف الجنسي إلى الشباب؛ لأن البرلمانيين يؤمنون بأنه مفهوم شرير، يهدف إلى تعزيز الانفلات الجنسي».
وتضيف أن «التقدم في مجال تحسين خدمات الصحة الجنسية في بلدها كان بطيئاً بسبب المحظورات التي أدخلها القادة الدينيون».
ومع وجود حكومة لا ترغب في تحدي رجال الدين، يصبح توفير الخدمات الصحية الأساسية مهمة تقع كليّاً على عاتق المجتمع المدني، الذي يقع ضحية التهديد بسبب جهوده.
وتقول أمينة لمريني إنها لا تعرف ناشطاً واحداً في مجال الحقوق الإنجابية لم يتم تهديده، كما لم تقدم الحكومة أية حماية إليهم.
واعترف كبار الخبراء في هذا المجال بمحنتهم، بما في ذلك المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، باباتوندي أوزوتيميهين، الذي قال لوكالة «إنتر بريس سيرفس» إن الأصولية الدينية هي «في الواقع مصدر قلق» عندما يتعلق الأمر بإحراز تقدم في مجال الصحة الجنسية.
ومع ذلك، فقد حث النشطاء على مواصلة عملهم، مضيفاً، «الأصولية موجودة في كل المجتمعات والديانات، وما يهم هو كيف نقوم بإيصال رسالتنا».
وقال إنه يعتقد أنه إذا تمت توعية المزيد من الناس بحقوقهم وخياراتهم، فلن يترددوا في تحدي القوانين البالية وما يسمى بـ «المحظورات الثقافية».
وشدد المسئول الأممي الرفيع لوكالة «إنتر بريس سيرفس» على أن «الشخص العادي في الشارع لا يريد وضعاً يتعرض فيه للموت كل يوم لأسباب يمكن الوقاية منها».
وفي الواقع، تكفي مجرد لمحة خاطفة على الإحصاءات العالمية، لتأكيد ضرورة التواصل بشكل أفضل: فوفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان، يموت ما يقرب من 800 امرأة... كل يوم... نتيجة مضاعفات مرتبطة بالحمل. وفي السنة، يصل عدد الوفيات إلى حوالي 350.000 حالة، تحدث 99 في المئة منها في البلدان النامية.
يضاف إلى هذا أن عمليات الإجهاض الانتقائي بسبب جنس الجنين وإهمال الفتيات حديثي الولادة، قد تسببت في ما يقدر بـ 134 مليون امرأة «مفقودة» في جميع أنحاء العالم.
وبالنظر إلى البيانات العالمية، يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن «الملايين من الفتيات» يمارسن الجنس غير الآمن، وتنقصهن المعلومات عن وسائل منع الحمل.
وأوضح المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان مؤخراً أن «الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة موجودة بنسبة 33 في المئة من الفتيات بين 15 و 19 سنة في إثيوبيا، و38 في المئة في بوليفيا، و42 في المئة في نيبال، و52 في المئة في هايتي و 62 في المئة في غانا».
من جهتها، قالت رئيسة الجمعية المسيحية للشابات نيارديزأي جومبونزفاندا، إن التخلي عن الاتصال حول الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية لم يكن خياراً.
وشرحت «نحن بحاجة إلى بيئة فعالة لأولئك الذين يناقشون هذه القضية». مضيفة «نحن بحاجة إلى حماية وسائل الإعلام - وهذا ليس خياراً. يجب على الحكومات زيادة مستوى التعاون مع وسائل الإعلام وتقديم الدعم القانوني الذي لا يتوافر حتى الآن».
وتؤمن: «بأن صحافة المواطن يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتخفيف الخطر الذي يشكله الأصوليون، وذلك ليس فقط عن طريق تضخيم أصوات أولئك الذين لا تسمع أصواتهم، لكن أيضاً من خلال تمكين المواطنين العاديين من اتخاذ الإجراءات اللازمة».
لم تكن قوة صحافة المواطن أكثر وضوحاً بقدر ما كانت عليه خلال الثورة في مصر في العام 2011، حيث حلت المدونات، والتويتر، والفيسبوك، محل القنوات التليفزيونية والصحف ومحطات الإذاعة في الوصول إلى الملايين من الناس.
واليوم، يناضل المصريون ضد السياسات المحافظة لجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، وحولت شبكة الصحافيين المواطنين اهتمامها إلى قضايا الصحة الإنجابية والجنس الآمن، وغيرها من الموضوعات التي تثير استياء الإسلاميين.
يقول أحمد عوض الله، مسئول قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي لإفريقيا ولمساعدة اللاجئين في الشرق الأوسط، إن أي شخص يناقش هذه القضية يقع عرضة للاحتجاز والاعتقال والمضايقة والسجن. ونتيجة ذلك، يزداد عدد المدونين يوماً بعد يوم، كمواطنين ودعاة، في الفرار إلى الفضاء الإلكتروني بحثاً عن مواقع آمنة لتبادل المعلومات والأفكار.
ويوضح، أنه عندما يدون عن الحقوق الجنسية للمرأة، يكسر قاعدتين... الأولى، بالتحدث عن قضية ممنوعة... والثانية بالتحدث كرجل... من المفترض ألا يأخذ جانب النساء. وعلى رغم انه يواجه تداعيات قاسية، فليس هناك ما يمكن أن يقنعه بالتخلي عن مهمة حشد التأييد. لكن حتى حين يخرج المواطنون بأفكار جديدة للالتفاف على التهديدات القاتلة حول الانخراط في التثقيف الجنسي، يقول الخبراء إن الحكومات يجب ألا تترك دون محاسبة على فشلها في توفير هذه الخدمات الأساسية.
فكما تقول المديرة التنفيذية لمنظمة «Article 19» ومقرها لندن، وهي منظمة مكرسة لحرية التعبير، أغنيس كالامارد: «يجب أن تتحمل الحكومات في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية المساءلة من قبل الممولين الأجانب». مضيفة «لقد التزمت كل حكومة بإنفاق مبلغ معين من التمويل الذي يتلقونه (على الصحة الجنسية).
وفي الواقع، عندما بدأت «مجموعة المعلومات حول خيارات الإنجاب» ومقرها المكسيك، في تتبع المساعدات التي من المفترض أن تخصص لتوفير معلومات عن الصحة الجنسية والإنجابية في 2011، «وجدنا أن ما يقرب من مليون دولار مفقودة»، بحسب محامية المجموعة «ألما لوز بلترانيبوجا».
وتضيف ألما «لقد رفعنا دعوى قضائية ضد الحكومة بسبب ذلك. وإذا تم فعل التتبع نفسه في أنحاء العالم، يمكن أن يؤدي ذلك إلى قدر أكبر من المساءلة».
ويذكر أنه وفقاً لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، تبرعت الدول المتقدمة بما يقرب من 6.4 مليارات دولار للمساعدة على توفير وصول معلومات الصحة الإنجابية في البلدان النامية. والأمر متروك الآن للمجتمع المدني لضمان تخصيص الأموال لهذه الغاية وبشكل مسئول.
العدد 4010 - الخميس 29 أغسطس 2013م الموافق 22 شوال 1434هـ