إنه لَوقت عصيب. العالَم يحبس أنفاسه على وَقعِ تَنَمُّرٍ إمبريالي جديد ضدَّ بَلَدٍ عربي آخر. إنها سورية. ولا أعلم إن كانت هذه المقالة ستُنشَر والحرب قد بدأت أو تكاد. لقد شاءت الصُّدف، أن تكونَ جواراً للهدف العربي السابق (العراق). وشاءت الصُّدف أيضاً، أن تكونَ فيها معارضة «عميلة خائنة» كما كان في العراق، تتوسَّلان الغرب كي يأتي ويضرب ويحتل بلديهما! وشاءت الصُّدف أيضاً، أن تكون حُجَّة التدخل هي هي ذاتها مع فارق التكييف: أسلحة كيماوية، ثم تُبهَّر بحق الشعبيْن في حكومة ديمقراطية (كما يُبشَّر به).
ربما ما يُغاير هذه اللحظة عن سابقتها، هي أنها تجري في شهر أغسطس وليس في شهر مارس، عندما بدأت الولايات المتحدة الأميركية قرارها بضرب العراق، ثم احتلاله وهدمه. وفي المغايرة التالية، أن سورية قد تكون أجْزءَ من العراق، مع وحدة في موضوع العدوان. وفي المغايرة الثالثة، أن حياء الغرب في حرب العراق كان أميز من حيائه في هذه الحرب المقررة على سورية، حين ظَهَرَت ألمانيا (الشرودرية) وفرنسا (الشيراكيَّة) ومعهما بالتأكيد روسيا (بوتين) والصين (هو جين تاو).
وفي المغايرة الرابعة، أن تركيا كانت أكثر أخلاقاً وتمسكاً بالمبادئ في حرب العراق حين قرّرت معارضتها للحرب، وإغلاق قاعدة انجرليك أمام العدوان. أما في هذه اللحظة، فهي تقول بكل تبجُّح، بأنها ستأخذ مكاناً في أي تحرُّك دولي (حتى من خارج مجلس الأمن) ضد سورية! مع التذكير، أنها تُقاد من حكومة ذات توجهات إسلامية! أما الدول العربية، فلا حديث عن أغلبها، وهي التي سَرَّجَت لهذه اللحظة الفارقة كما كانت في غيرها! وبالتالي فهي صنوٌ من تلك وهذه.
كان العراق، عضواً في مجلس الأمن، وبلداً ذا سيادة، وله حدود مع ست دول، وله معها ومع غيرها مواثيق وعهود، وله حضارة، علَّمت العالم أصول القانون، وهو ما لم يُحتَرَم. سورية هي أيضاً عضو في مجلس الأمن، ولها سيادة وحدود مع أربع دول، ومواثيق تحكمها مع العالم، ولها حضارة راسخة، تطوَّرت البشرية على إيقاعها. وهي الشروط التي لم تعد تنفع ولا تُؤخذ بالاً في أعراف الثقافة الغربية، التي لم تحترم أحداً، حتى مع إرادات الشعوب، كما حصل مع محمد مُصدَّق في إيران، ومع سلفادور أليندي في تشيلي، وإيزابيل بيرون في الأرجنتين. لا ضير ما دام المصالح تعمل.
قبل أيام، قرأتُ أن الائتلاف «الوطني» السوري، قد حَضَرَ اجتماعاً مع مسئولين غربيين، تبلَّغوا فيه من أن الغرب، سيُوجِّه ضربة إلى سورية (بلادهم التي أكلوا وشربوا منها)! سبحان الله... فقد أعادتني الذاكرة إلى العام 2003، عندما كانت المعارضة العراقية في نيويورك، ترقص فرحاً، وكولن باول (ومعه نيغرو بونتي) يتلو على مسامع مجلس الأمن وثيقة الإدانة «الأميركية» للعراق، لرفع العَتَب عن أي هجوم عسكري عليه. تُرى، كم «جَلَبيٌ» يوجد في سورية اليوم؟ إنهم كُثُر.
في حملة تدمير العراق الممنهَجَة، تحدث الأميركيون والبريطانيون حسب الخطة الموضوعة، أن كرة النار الحربية ستبدأ بالسيطرة على آبار النفط ومعها البصرة، ثم السير باتجاه نهرَي دجلة والفرات والأهوار حتى العاصمة بغداد، ثم الزحف نحو الشمال الغربي من العراق، للسيطرة على تكريت، بالتزامن مع قصف جوي مُدمِّر بالطائرات على الأهداف الحيوية ومراكز القيادة والتحكم، وآخر بحري عبر صواريخ توماهوك تطلقها البوارج الحربية الراسية في البحار المترامية.
في سورية، لا نعلم بخارطة التحرك الامبريالي بعد، إلاَّ إذا أبلَغَنَا بذلك أولئك المعارضون السوريون، الذين يتراقصون على ذبح بلادهم كما رَقَصَ أمثالهم من العراقيين! بالتأكيد، ستكون حكومة رجب طيب أردوغان «الإسلامية» هي السباقة لفتح حدودها.
إنها فعلاً لحظة عصيبة، لكنها بالغة الدقة، لأنها تمنح المرء، فرصة التفكير، في معانٍ رنانة كثيرة، كالوطنية، والخيانة، والانتماء، والإسلامية. إنها عناوين، لطالما اختُبِرَت على أثير الأحداث والأزمات، لتُمَحَّص بالبلاء فتتآكل.
مَنْ يصطف مع هذا العدوان هو متآمر، نقطة ولا حديث آخر. نعم، قِيلَت هذه العبارة مع حرب العراق وستقال في غيره سواء بسواء. وهي حقيقة، تفتح الباب للحديث بإسهاب، عن مدعاة الاستنجاد بالجيوش الأجنبية لتدنيس البلدان حين تحقق الظلم المحلي. والنتيجة من كل ذلك، أن اعتماد ذلك المنطق، سيعني أن كلَّ الأرض مُجازة في ذلك، ولبُيِّضَت صحائف الإجرام. ولكان احتلال العراق مجازاً، ودخول «إسرائيل» للبنان مجازاً، ولكانت حرب فيتنام مجازة، والحبل على الجرار، حتى نصل إلى عصور إسلامية ماضية. هذه حُجَّة مَنْ لا حُجَّة له. إنها خيانة وفقط.
لا أحد يُعيِّرنا بعد هذا الكلام بالوقوف مع الظلم، فقد كَتَبنَا عنه حتى سال حبر غزير. إنها قضية كبرى. هي ليست مسألة حكم الأسد أو حزب البعث، بل هي 185 ألف كم وزيادة. إننا نتحدث عن 23 مليون سوري، وعن تسعة عشر طائفة وعِرق. لذا، فإننا سندخل فيما دَخَلَ فيه العراقيون، من اقتتال واحتراب وتفجيرات! هل يظن هؤلاء، أن البلاد ستستكين، عندما يزول هذا النظام وبهذه الطريقة؟ إنهم يحلمون، ما دامت هناك له حواضن جغرافية وانتماءات سياسية.
أتذكر، أنه وبعد التهديدات والاستعدادات الأميركية، نزحَ الناس عن مساكنهم، في أربيل وعموم الشريط الكردي، مع إعلان المندوب الأميركي لدى المعارضة العراقية زلماي خليل زاد، أن الفصائل الكردية العراقية ستضع قواتها تحت إمرة قيادة القوات الأميركية خلال الحرب. خاف الأكراد أن يُؤخذوا بجريرة قادتهم، فتقع عليهم مذبحة ثانية كالتي جرت عليهم في مارس من العام 1988. أيضاً، نزَحَ جزء من أهالي بغداد فزعاً. هذا الأمر قد يتكرّر في سورية، من دون أدنى تردد.
خلاصة القول، أن هذا اختبار صعب للانتماء، وفي الوقت نفسه، اختبار وتمحيص للأفق والبصيرة السليمة والنافذة وتمييز الأصوب. وإذا كان الشخص لا يعرف ما هو بعيد، فسيجد الحزن في متناول يده كما قال الفيلسوف الصيني القديم كونفوشيوس.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4009 - الأربعاء 28 أغسطس 2013م الموافق 21 شوال 1434هـ
نفاق
تباً للذين يرون الامريكي في افعانستان محتل نصراني مستعمر ويرونه في سوريا مخلصا ومحررا ونصيرا للمظلومين
مهتم
اذا كان كذلك فانا اضمن صوتي لصوتكم . ولتتوقف المعارضة الخائنة في كل مكان من الطلب من الأجنبي أن يتدخل في الشأن الداخلي لبلآد العرب .
مهتم
الأخ محمد ، مع الأسف لا اتذكر الأن . سؤالي هل قلت نقس الكلام عندما كانت المعارضة الخائنة في العراق ترقص في نيويورك ؟
متابع منصف
مقالات الكاتب عن الاحتلال الامريكي للعراق ولعن المعارضة العراقية والحكومة العراقية ما بعد الاحتلال لا تحصى حتى اتهمه الكثير من القراء بمناصرة صدام المقبور والبعث! ولا تبخسوا الناس أشياءهم
ولد الديره
غالبيه الشعب البحريني يرفض اي ضربه غربيه لسوريا
الابادة البشرية
هل غاليبة شعب البحرين يقبل ان يقتل و يباد شعب السورى بالكيماوى من قبل النظام المجوسى الم يحن الوقت لوقف هذه المهازل من بشار الذين يعارضون ضرب المنشئات العسكرية لبشار يريدون اعطائه صك ليقتل المزيد من البشر .حل الوحيد هو ضرب كل المنشئات العسكرية و تدميرها على الاخر و ليشل جميع دفاعاته الجوية و البريه
المشكلة في الذهنيات الطائفية
مع الأسف حتى موضوع الاحتلال والاستعانة بالعدو دخلت فيه الطائفية . كيف لم يسكت هؤلاء اثناء احتلال العراق لكنهم اليوم يباركون العدوان على سوريا!!!!!!