قال أحد الرؤساء الأميركيين السابقين، سنخوض حروباً في المستقبل بلا دموع، وعندما سألوه كيف سيكون ذلك ونحن سنرسل فلذات أكبادنا للحروب حول العالم بهدف السيطرة والهيمنة، قال مبتسماً: لأننا سنحاربهم بالجنود المُستنسخين، فهم بلا أب ولا أم سوى آلة الاستنساخ!
وعندما تعذر الأمر بعد عقود من الزمن، بدأوا فعلاً يقودون حروباً بلا دموع، ولكن بدون رجال مستنسخين فعلاً؟ ذلك لأنهم يحاربون في كل المنطقة العربية بتخطيط وتحريض وتجييش وأوامر لأعوانهم وأصدقائهم، المطيعين جداً، دون إرسال أي جندي أميركي للقتال مباشرة. فهناك آلاف الإرهابيين المسخ أو المُستنسخين من تفكير وتوجه منحرف ضال لا يتغير ولن يتغير، وإلا هل يتغير المُستنسخ ليفكر ويعي ما يحدث من لعبة الأمم على أراضينا من شرقها إلي غربها؟
فكل ما يحدث حولنا خلال هذه الأشهر، لهو أغرب من الخيال ومن عبقرية كافة كتاب السيناريو في الأفلام العالمية والمسلسلات التركية والمكسيكية. ولكنه مُستنسخ من الفكرة نفسها التي طُبّقت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. فنحن نعيش نفس فترة اختلاط الأوراق وتكالب الأحداث التي شوّشت المثقفين قبل السياسيين، وأدارت رؤوس وفكر السياسيين قبل المجانين، كيف؟
أسألوا أنفسكم: ألم يحدث نفس ما نعانيه اليوم من حيرة وبلبلة وقلق وعدم اتزان في التفكير، بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له من النخب والمثقفين والنشطاء السياسيين العرب، وبين مؤيد ومعارض للإخوان في مصر بعد نكبتهم الكبرى، وبين معارض ومؤيد للمقاومة العربية ضد الصهاينة في لبنان وفلسطين؟ أليس هذا مستنسخاً من الواقع الأليم نفسه الذي جاء بعد غزو نظام صدام المقبور لدولة الكويت بادعاء في سببه المصطنع من خلاف على أراضٍ نفطيةٍ عند الحدود؟ حيث جاء هجوم الجيش العراقي للأسف في مثل هذا الشهر من العام 1990 على الكويت في عملية عسكرية شكلت حكومة تحت ما سمي بـ «جمهورية الكويت»؟ ألا تتذكرون كيف انقسم العالم العربي بشكل حاد ومتشدد بين هذا وذاك حتى أن البعض أخذ يسخر من عملية إطلاق صواريخ (سكود) على فلسطين المحتلة ويرفضها تماماً باعتبارها متاجرةً بالقضية، بينما أيدها الفلسطينيون ومن معهم واعتبروها بداية تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني!؟
فلا الرافضون انتبهوا للعبة، ولا المؤيدون فهموا مغزاها ومنتهاها! واليوم نفس الصورة المستنسخة من لعبة الأمم تدور على أرضنا العربية، ولاحظوا أين تحديداً. إنها في الدائرة الجغرافية الحرجة حول الكيان الصهيوني. هذه حقيقة لا يمكن تغافلها اليوم، نعم إننا نعيش لعبة الأمم من جديد، فما يحدث في مصر هو جزء من هذه اللعبة، وما يحدث في سورية هو أهم جزء في هذه اللعبة، وما يحدث في العراق، وفي لبنان، في الجنوب وفي الضاحية وفي طرابلس هو جزء من اللعبة، وما يحدث في تونس، وفي السودان، وفي الخليج أيضاً، هو الظهير لهذه اللعبة. لذا أنصح بإعادة قراءة كتاب «مايلز كوبلاند»، «لعبة الأمم» الصادر في ستينيات القرن الماضي لنعي الواقع الحالي ونعد أساليب التصدي لهذه اللعبة.
وقد أورد مترجم الكتاب في مقدمته قولاً لزكريا محي الدين نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة في الفترة الناصرية في محاضرة له: « لعبة الأمم... هي لعبة غريبة تختلف عن غيرها من الألعاب المعروفة في مجالات عديدة. أولاً: أن لكل لاعب أهدافه الخاصة والتي لا تتفق مع أهداف الآخرين.. وتشكل ربحاً لا يجنيه إلا هو نفسه. ثانياً: أن هذا اللاعب مجبر بطبيعة محيطه على التحرك في اللعبة التي لا شأن لها، أحياناً، مع الربح، وكثيراً ما تبدل الكسب المنتظر وتحوّله إلى خسائر فادحة، ثالثاً: ليس في لعبة الأمم من رابح واحد بل الخسارة هي المسيطرة. ومهما منّى اللاعب نفسه بأرباح طائلة فإن خسارته قد تتغلب في النهاية. إن هدف اللاعبين العام في (لعبة الأمم) هو المحافظة على استمرار اللعبة... وتوقفها يعني الحرب المحتمة».
والغريب أن معظم قيادات الحراك الثوري العربي، من إخوانجي، إلي تقدمي ثورجي، إلي عسكري انقلابي، إلي يساري وبعثي، إلي يميني ووسطي، ومعتدل أو ملتوي، لم تفطن بعد لأصول هذه اللعبة. ومن هنا نشاهد ونسمع أن ثوريي الإخوان في مصر وتونس وليبيا ومعهم السلفيون، وقعوا في براثن هذه اللعبة بسبب «النفط»، كما وقع فيها ثوريو مصر في تمرد أو الإنقاذ أو السلطة الجديدة التي جاء بها العسكر، المصحح للمسار كما يقال، دخلوا اللعبة بأرجلهم، بسبب الحاجة فقط للنفط العربي مع أن مصر من أغنى الدول العربية بمواردها المهدرة. ولم ينتبه هؤلاء إلى أن من كان مؤيداً لحكم الإخوان في مصر بالأمس واستقبلهم بكل حفاوة، هو نفسه من يقف الآن وراء حكم ما بعد الإخوان ويدعمه ويهدّد من يلمسه بسوء أو يقطع عنهم «حنفية النفط» بأي اسم كان. ولم يسأل أحد نفسه كيف يقف هؤلاء مع حركة ضد الإخوان ورجال الدين المتشددين في مصر وقد أطاحت بعروشهم، بينما يقف مع نفس توجه الإخوان بالدعم التركي المتشدد والتكفيري الذي يعمل على الأراضي العراقية والسورية واللبنانية ضد أنظمة الحكم والشعب هناك، فيقتل ويسفك دماءهم يومياً!
ومن هنا يُخطئ من يعتقد بأن ما يحدث حولنا في المحيط الإقليمي أو العربي أو الدولي لا يؤثر علينا، فيوجه كلماته لبعض الصحافة بضرورة التركيز على الداخل فقط وعدم الاهتمام بما يجري حولنا. فكل التحوّلات والأحداث الإقليمية والعربية والدولية تؤثر علينا إن سلباً، وهو الحاصل الآن، أو إيجاباً، وهو ما سوف يكون قريباً كما يبدو من بعض القراءات المتفائلة داخلياً وفي المنافي.
لذا ابحثوا دائماً عن فك رموز وشيفرات «لعبة الأمم» من حولنا برائحة النفط العربي، حتى تصبحوا من أمهر اللاعبين في زمن اللعب، ومن أفضل الطهاة في زمن الإطعام، ولكن لا ننسى بأن العاقبة الطيبة للمتقين فقط.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4007 - الإثنين 26 أغسطس 2013م الموافق 19 شوال 1434هـ
العاقبه الطيبه للمتقين
لهؤلاء من صبر وتجرع المصاعب وذكر ربه ولم يعتدي على حرمة دم اخيه المسلم وعمل لاخلاص لله ومن اجل الله فقط ولا يريدزخارف الدنيا الزائله وكل ذلك ياتي اثر التربيه الدينيه الصادقه