العدد 4006 - الأحد 25 أغسطس 2013م الموافق 18 شوال 1434هـ

«أخوان سنة وشيعة» شعار ضرره أكثر من نفعه

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

العقل هو مفتاح التحكم بجسم الإنسان، والعقل يعمل بوقود المعرفة والمعلومات كما تعمل مكينة السيارة بوقود البنزين.

تخيّل أن لديك ابناً عمره 15 عاماً، له زميل يرافقه في المدرسة، وأنت ليس لديك مشكلة بهذه الزمالة.

بعد فترة، أخبرك صديقك بمعلومات، وهي أن الشخص الذي يرافقه ابنك له سوابق سرقة واعتداءات، وله صلة بمدمني مخدرات، ماذا ستفعل؟ طبعاً ستبادر لإنهاء العلاقة بين ابنك وزميله.

في البداية، كنت راضياً بالعلاقة بينهما، ولكن دخول معلومات جديدة إلى عقلك عن زميل ابنك، جعلك تتخذ سلوكاً مغايراً لترفض بذلك العلاقة بينهما. فالمتحكم بالسلوك هنا هو المعرفة أو المعلومات التي دخلت العقل، بغض النظر عن صحتها أو خطئها. كذلك بالنسبة إلى الفتن المذهبية والطائفية، يتفاعل معها من دخلت في عقله معلومات تدفعه لممارسة سلوكيات معينة.

لا نريد مناقشة أسباب وتداعيات الطائفية، وإنما موضوعنا يقتصر على مناقشة شعار «أخوان سنة وشيعة»، كصوت نابع من قلوب حية ذات نية حسنة وتريد الخير، في علاج المشكلة.

ورغم النية الحسنة، فإن شعار «أخوان سنة وشيعة» ضرره أكثر من نفعه في البيئات الثقافية المغلقة التي يغلب على بنيتها الذهنية المفاهيم الثنائية المتضادة التي لا ثالث لهما، مثل مفهوم الخير والشر، كما هو الحال بالنسبة للبيئة الذهنية في البحرين.

على مستوى العقل الواعي الذي يتحكم بالسلوك المقصود، فإنك كإنسان تدرك معنى اللفظ، تراه مناسباً لعلاج المشكلة، ولكن على مستوى العقل الباطن الذي يتحكم بالسلوك غير المقصود، فإن سلوكك يتجه إلى تعقيد المشكلة.

مثال توضيحي: شخص قرّر أنه سيتوقف عن التدخين نهائياً، لكنه بعد أسبوعين يعود للتدخين مرةً ثانية، ما الذي حدث؟ إنه على مستوى العقل الواعي قرّر التوقف عن التدخين واتخذ سلوكيات مقصودة، ولكن العقل الباطني يعمل باتجاه معاكس دفعه للعودة مرة أخرى للتدخين.

في المفاهيم الثنائية المتضادة، إذا قلنا خير فإن ضده الشر، وإذا قلنا نور فإن ضده الظلام، وإذا قلنا عدل فإن ضده الظلم، فإذا قلت شيعة فما هو ضده؟ وإذا قلت سنة فما هو ضده؟ ففي هذه الحالة فإنك تصف طرفاً بالخير والآخر بالشر.

ربما أنك تدرك بالعقل الواعي، وأنك تقصد بنية حسنة أن السنة والشيعة كلاهما يمثلان الخير والنور والعدل...الخ، ولكن العقل الباطن يعيش بما بنيت عليه البنية الذهنية للفرد، فإذا حكمت الأول بشيء، فإنه يحكم على الثاني بالنقيض.

إن مجرد ذكر سنة وشيعة، يدخلها العقل الباطن ضمن المفاهيم الثنائية المتناقضة، لو كان هناك مذهب ثالث لكان الموضوع مختلفاً، وسيكون بالتالي ضمن المفاهيم المتعددة.

للتوضيح، تنظيم القاعدة، يركّز على ثنائية مسلم وكافر، ولهذا أصبح سلوك التنظيم مبرمجاً على ذبح وقتل البشر باسم أنهم كفار، إذاً فإن العقل الباطن لأعضاء القاعدة عندما يقول مسلم فإنه يعني الخير، وكافر يعني الشر. هذه أزمة المفاهيم الثنائية المتضادة في العقل المغلق.

ولكن لو كان التقسيم لأكثر من اثنين لكان الوضع مختلفاً، عندما تقول مسلم ومسيحي ويهودي وبوذي، فإن العقل الباطن يكون مرناً، لأنه في هذه الحالة لا يدخل في نطاق الثنائية المتضادة، وذلك لوجود أكثر من ديانة. ولهذا، فالمشكلة في شعار «أخوان سنة وشيعة»، ليست في الشعار نفسه، وإنّما في كيفية تفاعله في العقل الباطن، وكيف يقوم بطبخ مفردات الشعار.

للتوضيح، ضع يدك اليمنى في وعاء بارد جداً، ويدك اليسرى في وعاء حار، لمدة خمس دقائق، بعدها أخرج يديك، وضعهما في وعاء ثالث فيه ماء معتدل، ماذا ستشعر؟ من يدك اليمنى ستشعر أن الماء دافئ، بينما من يدك اليسرى ستشعر أن الماء بارد.

هذا الاختلاف يرجع إلى اختلاف البيئات التي وضعت فيها كل يد، وهو ما أثر عليها فيما بعد في الحكم، وجعل الأحاسيس تتفاعل بشكل مختلف. كذلك بالنسبة لشعار «أخوان سنة وشيعة» فإنه يتفاعل في العقل الباطن حسب البيئة الذهنية لكل فرد.

الحل، هو الابتعاد عن ذكر أي شعار يحمل «شيعة وسنة»، لأن البيئة الذهنية للعقل الباطن في بيئتنا يغلب عليه طابع المفاهيم الثنائية المتضادة، واستبداله بمفاهيم لا يمكن للعقل الباطن أن يدخلها ضمن المفاهيم المتناقضة، مثل شعار «نعم للمواطنة»، أو أي شعار آخر شامل ولا يفصل.

حالياً، الإعلام الغربي موجّهٌ بشكل مجنون، لإكثار لفظتي «سنة» و»شيعة»، في مواده الإعلامية، بهدف تهيئة المنطقة لفوضى عارمة، سيتم تفجيرها في اللحظة الحاسمة. عندما تقرأ خبراً تكتبه وكالة غربية عن البحرين، فإنها تحشر لفظتي سني شيعي مرات كثيرة، حيث تصف الحكومة بالسنية، والمعارضة بالشيعية، وتكرار سني/ شيعي.

إذا كان الإعلام الغربي غير موجّه، فلماذا لا يصف المعارضات والحكومة في أوروبا وأميركا بمذاهبهم، الكاثوليكية، البروتستانتية والأرثوذكسية. بينما عندما تذكر حكومة البحرين فإنها بالضرورة توصف بأنها سنية، وعندما تذكر المعارضة فإنها بالضرورة توصف بالشيعية، هذه ازدواجية الإعلام الغربي.

هذه وجهة نظر ندعو من له تأثير أن يتجنب كلمة «سنة وشيعة» ويستبدلها بكلمات أخرى، حسب ما يراها مناسبة، وحبذا لو يتم إطلاق جائزة تحمل اسم «جائزة المواطنة» أو أي اسم، وعلى أن تكون من أسمى وأرفع الجوائز، وتعطي للصحيفة التي يقل فيها عدد لفظتي «سنة» و»شيعة» طوال سنة كاملة.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4006 - الأحد 25 أغسطس 2013م الموافق 18 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 9:31 ص

      واقع

      مقال رائع و من صميم الواقع .. يخالجني نفس الشعور و الأفكار من شعار ( إخوان سنة و شيعة) ولكن كنت عاجزة عن التعبير .. شكرا لك

    • زائر 18 | 8:51 ص

      إسلوب راق وسلس يا اخ عباس ...

      وانا اتفق معك مئة بالمئة في كل كلمة بل وكل حرف: يبقي السؤال الازلي من يعلق الجرس؟

    • زائر 17 | 8:48 ص

      صح السانك

      كثير هي المفردات الخاطئة والتي يفهمعا البعض بأنها كلمات حق يراد بها باطل .. السياسة تحتاج الى حكماء في الكلام والأفعال وكل شعار يجب ان يؤخذ في الحسبان رأي كل الأطراف به وليس رأي فقط من يطلق الشعار

    • زائر 16 | 8:46 ص

      رد على زائر 13

      لو توقف الظلم ....في البلد ستتوقف الحركة المنهاضة له بالتاكيد

    • زائر 14 | 6:54 ص

      هو عنوان اللعبة الجديدة على المسلمين

      دول المصالح وهي الدول الغربية التي طموحها الدائم السيطرة على خيرات اي بلد تطاله يدهم في العالم يبحثون عن بذور اي خلاف وان كان تاريخي بعيد فيقوم بتغديته وتنشئته من جديد لأهدافهم المعلنة وغير المعلنة وبالطبع لن يجدوا شعوبا مستحمرة مثلنا وشعوب غبية ومتأخرة كالبهيمة التي يجرها القصاب الى المقصب وهي لا تدري بقرب حتفها
      وفي البحرين ايضا استغلّت هذه القضية من قبل الحكومة ولعبت عليها من الزين لوجود طرف لا يعي ما يراد منه او يعي ولكنه اخذته حمية الجاهلية

    • زائر 13 | 5:52 ص

      بكون صريح معاك واتمنى من الجميع يكون صدرهم رحب :)

      يعطيك الف عافية على المقال .. بس بكون صريح معاك واتمنى من الجميع يكون صدرهم رحب :) .. الصراحة أنا ماعندي مشكلة مع الشعار بالعكس أشوفه حلو وفيه الخير للكل من الصغير الى الكبير بس لللأسف الشديد الشعار هذا تتشوه كلماته لما تقطع الشوارع والمناطق بالأطارات والملتوف والكتابة على بيوت الناس ولللأسف الشديد هذه التصرفات تفقد معنى هذا الشعار بكل صراحة لأنه هذه الأفعال تضر بالكل وضررها ليس على فئة معينة من الناس على كل الناس لأنه يرون مجرد شعار لكن يوجد فعل بهذا الشعار . وأعذروني وأحبكم :)

    • زائر 15 زائر 13 | 8:42 ص

      الصراحة راحه ... :)

      رائع ماقلت وهذا رايك وانا اختلف معك في ما ذكرت من قطع للشوارع والاطارات والمولوتوف .... لِما لا تسأل نفسك هل هذا كله نزل من السما فجأة؟؟ ، شنو سبب كل هذا؟؟ ، هذي مشكلة وبتأكيد لها حل ... ولا اعتقد ان الحل هو (قمع ، قتل ،دهس،اعتقال وتعذيب)
      الموضوع ليس فقط ما ذكرت بل هو أكبر من ذلك بكثير .. تحياتي ;)

    • زائر 12 | 5:19 ص

      ثنائية متناقمة

      اعتقد في كلامات تقال بطريقة ثنائية تكون ايجابية ولا تكون الأولى عكس الثانية... مثل.. الصلاة والزكاة... المال والبنون.. بل بالعكس قد تدل على التناقم والتكامل

    • زائر 7 | 3:56 ص

      التشخيص الخاطيء

      لو ان الطبيب اصر على التشخيص الخاطيء واجرى عملية خاطئة بقي الداء بل يتفاقم وهاهي حالتنا في البحرين ـــ بعيد عن التسميات ـــالحكومة تصر على ان المشكلة بين الناس ولكن هي المشكلة

    • زائر 6 | 3:05 ص

      لقد أصبتَ كبد الحقيقة ...

      من أجمل ، أصدق ، أروع ، أعم ، أشمل ، أكثر فائدة ، أكثر جرأة مقالة قرأتها من بداية الحراك إلى اليوم ...
      لقد عبّرتَ عن الكل لا الجزء !
      و هل هناك شعار أجمل من هذا الشعار " الوحدة الوطنية سلاحنا الأمضى " أو " وطن حرٌ .. و شعب سعيد " .
      طوبى لك يا أحمد الذوادي ...
      أبو إلياس الجتوبي ...

    • زائر 5 | 2:48 ص

      شكرا

      شكرا لك أستاذ على المقال الرائع

    • زائر 4 | 1:09 ص

      اتفق معك

      اتفق معك اخي عباس في كل ما قلته...فللاسف ان هنالك شعارات تكرر وليس شعار اخوان سنة وشيعة..تجعل الانسان السامع لها يعيش بعقله الباطن تناقض غريب وواضح

    • زائر 8 زائر 4 | 4:18 ص

      عفوا

      يمكنك الرجوع لمفردات ولنهج سماحة السيد محمد حسين فضل الله في هذا الشأن.

    • زائر 3 | 12:14 ص

      مقال موفق

      مقال موفق ورائع... الى المزيد

    • زائر 2 | 11:40 م

      اؤيدك على هذا الاقتراح يا استاذ عباس

      فقد اصبت عين الحقيقة وتحليلك منطقي وليس المشكلة في الشعار انما فيما ذكرت يا استاذ الذهنية والعقل الباطن للقوم حيث انه ملئت عقولهم الباطنية بان الطرف المعارض يريد قتلكم وصلبكم على جذوع النخل وتقطيع ارجلكم من خلاف كما قطعو لسان المؤذن ولن انسى تلك الحملة الاعلامية الشرسة من اعلى الهرم الى ادنى موظف في الدولة وظلت الماكنة الاعلامية تضخ المفاهيم القدرة في تلك العقول وقد نجحت بامتياز واحتلت مرتبة الشرف(الرذيلة) في ذلك ولن ينفع شعار(اخوان سنة وشيعة) ابدا

اقرأ ايضاً