العدد 4004 - الجمعة 23 أغسطس 2013م الموافق 16 شوال 1434هـ

الجذور التاريخية للتمائم الصدفية في دلمون

تناولنا في الفصول السابقة أنواع المجوهرات أو الحلي الصدفية التي عثر عليها في قبور ما قبل التاريخ في كل من بلاد الرافدين والبحرين وسواحل الخليج العربي بصورة عامة؛ ومما سبق يلاحظ أن غالبية تلك المنتوجات الصدفية عثر عليها في المقابر وليس خارج القبور وهذه إشارة إلى أن هذه المنتوجات الصدفية ليست جزءاً من الحياة اليومية بل جزء من احتفالات خاصة كمراسيم للدفن أو الزواج أو التقدم في العمر، وقد سبق أن ذكرنا في الفصل السابق استعمال الأحزمة المزينة بالأصداف من قبل النساء في مراسيم خاصة في بلاد الرافدين (Beauclaire et. al. 2006) و (Gensheimer 1984). كذلك، ليس من المرجح أن تكون تلك الحلي الصدفية قد دفنت مع الموتى لتشير للمستوى المعيشي أو الاجتماعي للشخص المدفون؛ فقد أشارت نتائج التنقيب في قبور موقع Al-Buhais في الشارقة بدولة الإمارات العربية، إلى عدم وجود علاقة بين الحلي الصدفية والمستوى الاجتماعي للشخص المدفون، والمرجح أن وجود تلك الحلي الصدفية هي جزء من الطقوس التي تصنف ضمن «طقوس العبور» (Beauclaire et. al. 2006).

ومما يرجح فرضية وجود طقوس معينة مرتبطة بعملية دفن الأصداف أو الحلي الصدفية مع الميت هو وجود التشابه في تلك المنتجات الصدفية التي عثر عليها بين العديد من الثقافات القديمة في العديد من المناطق وليس فقط الثقافات القديمة على سواحل الخليج العربي. ومن أهم تلك المنتجات الصدفية المشتركة هي الأقراص الصدفية المصنعة من القواقع المخروطية Conus shill discs، وكذلك، التمائم أو القلائد المصنوعة من الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ Oyster shell amulets or pendants.

الطبقة اللؤلؤية أو أم اللؤلؤ

يقصد بالطبقة اللؤلؤية أو طبقة أم اللؤلؤ تلك الطبقة الداخلية اللماعة لأنواع معينة من الأصداف التي تنتج اللؤلؤ بصورة طبيعية، حيث إن هذه الطبقة هي المسئولة عن تكوين اللؤلؤ بداخل الصدفة. وأشهر أنواع الأصداف التي استعملت طبقته اللؤلؤية هو محار اللؤلؤ وخصوصاً محار اللؤلؤ الكبير المعروف محليا باسم «الصديفي» Pinctada margaritifera.

الأهمية الاقتصادية لطبقة أم اللؤلؤ

استعملت الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ في العديد من الصناعات منذ القدم وقد اشتهرت البحرين، ودول الخليج العربي بصورة عامة، بتجارة أصداف محار اللؤلؤ في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث استعمل في عددِ من الصناعات مثل صناعة الحلي التي تتزين بها النساء وصناعة الأزرار الفاخرة والغالية الثمن وكذلك مقابض السكاكين وبعض الآلات الموسيقية وصناعة الساعات؛ وذلك نظراً لألوانها الجميلة والجذابة. وحتى في الوقت الراهن يتم اختيار الأصداف ذات الطبقة اللؤلؤية الأكثر لمعاناً وجمالاً لكي يصنع منها خرزات خاصة تستعمل في زراعة اللؤلؤ. واستعمال هذه الطبقة اللؤلؤية ليس وليد العصر الحديث بل استعملت منذ آلاف السنين في تصنيع أنواع خاصة من القلائد أو التمائم.

التمائم المصنعة من الطبقة اللؤلؤية

التمائم ومفردها تميمة هو كل ما يعلق حول العنق كالقلادة ويكون الغرض منه دفع الشر أو الحفظ من العين، وقد اصطلح على القلائد التي تصنع من الأصداف اسم التمائم الصدفية shell amulets وذلك للاعتقاد السائد بين الباحثين أن هذه القلائد كانت تصنع لأجل طقوس معينة، إلا أن بعض الباحثين يطلقون عليها اسم القلائد الصدفية أو الخرزات الصدفية. وهذه التمائم الصدفية عبارة عن شكل معين يصنع من الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ (أو أي أصداف أخرى) ويربط بها خيط وتعلق عادة حول العنق، ويلبسها الرجال والنساء والأطفال من دون استثناء (Beauclaire et. al. 2006). وهناك دلائل أثرية تشير لاستعمال الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ الكبير (أي الصديفي) في صناعة تمائم صدفية على سواحل الخليج العربي منذ الألف السادس قبل الميلاد؛ حيث عثر على عدد من التمائم الصدفية مشكلة على شكل أوراق نباتات وذلك في موقع Al-Buhais 18 في دولة الإمارات وموقع رأس الحمراء في سلطنة عمان (Beauclaire et. al. 2006). وهذه التمائم الصدفية تختلف في الشكل عن تلك التي عثر عليها في بلاد الرافدين؛ ففي الجنوب الرافدي عثر على تمائم تعود للحقب السومرية وهي مصنوعة من الطبقة اللؤلؤية ومشكلة على أشكال حيوانات غالبيتها أشكال طيور (www.cartage.org.lb) و (www.beadcollector.net).

وفي مصر عثر على تمائم شبيهة بالتمائم السومرية، وقد استعملت الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ لصناعة التمائم الصدفية في مصر منذ قرابة العام 4200 قبل الميلاد، وانتشر استعمالها في مصر القديمة في الحقبة 2040 - 1750 قبل الميلاد (Smith 2008, www.Theoysterman.blogspot.com). وبلا شك فإن للأصداف نوعاً من الأهمية الطقسية الاجتماعية في المجتمعات القديمة، وأكبر دليل على ذلك هو تصنيع منتجات تحاكي شكل الأصداف أو التمائم الصدفية مصنعة من معادن مختلفة وخصوصاً من الذهب والفضة في كل من بلاد الرافدين ومصر (Gensheimer 1984) و (Smith 2008). وفي مصر بدأت عملية تصنيع الحلي المحاكية لمحار اللؤلؤ (من الذهب أو الفضة) في الحقبة 1965 - 1920 قبل الميلاد (Smith 2008). كذلك، فإن المصريين القدماء استعملوا التمائم الصدفية المصنعة من محار اللؤلؤ لمنع الشر أو الضرر وللتعافي من الأمراض؛ حيث يلاحظ أنه في اللغة المصرية القديمة أن الكلمة التي تعني المحار أو التميمة الصدفية تعني كذلك معافى أو سالم أو على نحو سليم (Andrews 1994, p. 43). ومن الأمور المثيرة للاهتمام هو العثور على تمائم صدفية على شكل طيور، أي كالتمائم السومرية، وذلك في بيرو وشيلي وما حولها (www.beadcollector.net).

التمائم الصدفية في دلمون

هناك ندرة في الدراسات التي نشرت حول التمائم الصدفية التي عثر عليها في القبور الدلمونية، ومن بين ما نشر حول تلك الحلي المميزة هو ما عثر عليه في أحد القبور بالقرب من قرية بوري والذي يعود لحقبة دلمون، وهي عبارة عن طائر تم نحته من الطبقة اللؤلؤية لمحار اللؤلؤ (Naeem 1992, p. 367). وهي شبيهة بما عثر عليها في بلاد الرافدين.

العدد 4004 - الجمعة 23 أغسطس 2013م الموافق 16 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً