العدد 4004 - الجمعة 23 أغسطس 2013م الموافق 16 شوال 1434هـ

إبراهيم غلوم يسبر بنية الكوميديا الهزلية في مسرح الضويحي

يبدو أن دراسة مسرح الفنان والكاتب المسرحي عبدالرحمن الضويحي أخذت الناقد المسرحي والأستاذ الأكاديمي إبراهيم غلوم إلى تخوم سؤال الكوميديا فلسفيّاً، وذلك ليعيد إلى الضحك مكانته اللائقة به، وليسوق مقولاته في مديح الكوميديا الهزلية، بل وليكشف مكانة هذا الكاتب وموقعيته في تأسيس طبيعة كوميدية خاصة به أثرى بها المسرح الخليجي مع مجايليه من مؤسسي ورواد المسرح في الكويت ما ساهم في إبراز نموذج كوميدي ماثل للعيان في أكثر من مسرحية من مسرحياته التي ألَّفها أو أخرجها أو مثَّل فيها ليضمن تقديم الصيغة التي أرادها في بناء الحبكة المسرحية، وليحافظ الضويحي على ما أسماه إبراهيم غلوم بنية الانقلاب وتحول الخادع مخدوعاً في مسرح الضويحي.

بنية الكوميديا الهزلية عند الضويحي

كل هذا الألق يجده القارئ في كتاب صدر حديثاً للناقد المسرحي والأستاذ الأكاديمي إبراهيم غلوم تحت عنوان: «بنية الكوميديا الهزلية: دراسة لتجربة الكاتب والمخرج المسرحي الكويتي عبدالرحمن الضويحي، وتوثيق لمسرحية انتخبوني».

جاء الكتاب في 186 صفحة من الحجم المتوسط عن دار الانتشار العربي. وتتبعت الدراسة جدل الكوميديا الهزلية، وعبدالرحمن الضويحي من الارتجال إلى المثال، والضويحي صانع بنية الانقلاب، وتشوهات ومضحكات بنية الانقلاب وحتمية الاعتدال، والمهزلة والحكمة، والمهزلة وطبقات المعنى، ثم انتخبوني وفتنة الكوميديا، بعد ذلك توثيق لمسرحية انتخبوني النص كاملاً في ثلاثة فصول تأليف وإخراج عبدالرحمن الضويحي.

قدمت نتائج الدراسة وأهم أطرها خلال الندوة النقاشة التي عقدها مهرجان «صيفي ثقافي» في دورته السابعة والذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت وذلك احتفاء بمسرح الفنان الضويحي.

واستضاف المهرجان الناقد المسرحي إبراهيم غلوم ليتحدث حول بنية الكوميديا الهزلية في مسرح الضويحي وشاركه في الندوة الباحث في الأدب الشعبي مبارك العماري ليتحدث عن الضويحي شاعراً.

والمتتبع لسيرة الضويحي تتضح لديه أهمية هذا الفنان وأسبقيته وجهده الإبداعي، فقد ولد الفنان عبدالرحمن الضويحي في الكويت 1934، وهو مؤلف مسرحي، ومخرج وممثل وشاعر، وعضو مؤسس في فرقتي المسرح الشعبي والمسرح العربي.

كتب ثماني مسرحيات، وأخرج حوالي 14 مسرحية. كتب سيناريو فيلم الصمت، وهو ثاني فيلم روائي ينتج في الكويت، وألف أعمالاً درامية للتلفزيون ومثل فيها، وتوفي في 26 يونيو/ حزيران 1996م.

تحول الخادع مخدوعاً

جرّت هذه الدراسة الناقد إبراهيم غلوم إلى سبر بنية الكوميديا الهزلية في مسرح الضويحي التي وسمها ببنية الانقلاب وتحول الخادع مخدوعاً عبر تتبع المصائر التي رسمها الضويحي لشخوص مسرحه وبيان عمق الكشف الذي تفترضه طبيعة الكوميديا الهزلية والتي تصطدم بها الشخوص في مسرحه حين يكتشف كل منهم أنه تحول من خادع كان يريد أن يدلس ويموه على الآخرين ويمرغهم في أوحال حيله الدنيئة ليكتشف أنه هو نفسه وقع في حبائل غيره، وأنه هو المخدوع، وذلك ببناء حبكة فنية برع في صناعتها الضويحي في مسرحه.

بنية الانقلاب

في مسرحية انتخبوني

جرني تتبع غلوم إلى بنية الكوميديا الهزلية في مسرح الضويحي، وهذا الكشف «الانقلاب وتحول الخادع مخدوعاً» الذي أوحت به الدراسة إلى مواصلة القراءة في الكتاب حتى آخر صفحة في مسرحية انتخبوني الملحقة والموثقة بالكتاب.

ففي حين يبرع شخير في مكيدته بالاشتراك مع البنت التي أسماها دغمة والتي جلبها من البادية، مدعياً أنها ابنته؛ لخداع أخيه جاسم وإرغامه على تزويج ابنه أحمد منها للاستيلاء على ماله. وفعلا تم له ما أراد لكن ببنية الإنقلاب التي حدثتنا عنها الدراسة نكتشف لاحقاً أن هذا البدوي شخير أصبح نفسه مخدوعاً حين أدخل أحمد محبوبته خولة كخادمة إلى البيت فوقع شخير نفسه في حبها واعترف لها بالمكيدة التي دبرها ليخدع أخاه ويستولي على ماله، فتقوم خولة بتسجيله وكشفه للجميع. ولم تكن هذه الصدمة أو لحظة الكشف تمثل لحظة فارقة لدى الممثلين فقط بل حتى لدى المتلقي لمسرح الضويحي بما يجلي عنصر الكوميديا وعمق الصدمة التي يصنعها المسرح نفسه.

الضحك وسيلة المقموع لكشف المكر

لم يكتفِ إبراهيم غلوم بتخلية هذه الخاصية البنائية الانقلاب وتحول الخادع مخدوعا في هذه المسرحية فقط، بل جره الولع بهذا الكشف إلى اختبار هذه الفرضية في مسرحيات الضويحي الأخرى. فراح يتتبع مصائر شخوصه واحداً واحداً ليجلي هذه الفرضية ويثبتها كبنية أساسية في مسرح الضويحي تاركة الأثر الواضح في طبيعة الكوميديا الكويتية بشكل عام، وليؤكد قدرة الضويحي بهذه الخاصية في قراءة مجتمعه وبيان أثر التغيير عليه والانتصار لأخلاق المجتمع الأصيل وكشف الآفات الطارئة عليه في صيغة نقدية وإن كانت مضحكة إلا أنها تكشف التشوهات الثقافية التي فرضتها قيم التكالب على الثروة والحلم بالتغيير السريع الطاريْ، مؤكداً أن شغف الضويحي بتتبع مثل هذه النماذج الإنسانية في مسرحه ينم عن حدس بالتشوهات الثقافية التي وعى لها الضويحي مبكراً، واستطاع أن يدق ناقوس الخطر حيالها على رغم تسربها في الخفاء وراء المخادعة والمخاتلة.

وهنا يبرز دور الضحك والهزل في القدرة على الكشف والمقاومة بالحيلة بكل تلقائية ومهارة، وهي خاصية كامنة في عمق الثقافة العربية حيث تعد إحدى أهم وسائل الفضح والكشف التي يلجأ إليها المجتمع حيال الخداع والتدليس الذي يلجأ إليه القوي والسلطة، فلا يكون أمام الضعيف سوى توظيف خاصية الضحك والهزل لكشف خداع ومكر المتسلط وتفكييك مكايده وتقطيع أحابيله.

العدد 4004 - الجمعة 23 أغسطس 2013م الموافق 16 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً