العدد 4004 - الجمعة 23 أغسطس 2013م الموافق 16 شوال 1434هـ

ارتباك المروجين الخليجيين

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

منذ أن تغير مسار سياسة مجلس التعاون الخليجي في تعاطيه مع التغييرات الدراماتيكية في مصر، واستطراد توقع حدوثها في بلدان عربية أخرى مثل تونس، وجوهرها انقلاب الوضع من سيطرة الإسلام السياسي ممثلاً بالإخوان المسلمين والسلفيين، إلى إبعادهم عن السلطة، لصالح تحالف القوى الديمقراطية والليبرالية المتحالفين مع العسكر، وما ترافق معه من تأييد خليجي منقطع النظير، والذي حيّر كثيرين من المراقبين، حتى ساد الإرباك صفوف مروّجي الأنظمة الخليجية من مفكرين وأكاديميين وصحافيين وبرلمانيين وغيرهم.

لقد نبوا قاعدتهم الفكرية على أن هذا التيار حليفٌ تاريخياً للأنظمة الخليجية العائلية، وبذلك حظوا بالرعاية الرسمية من قبل الأنظمة الخليجية، حيث مكنتهم من وزارات حيوية كالتعليم والإعلام، وكان نفوذهم في أجهزة الدولة طاغياً.

هذا أمرٌ مفهومٌ لأن الدولة في بلدان الخليج المتطورة اقتصادياً وتعليمياً وحياتياً، أعاقت بل قمعت التطور السياسي والمشاركة السياسية للمواطنين المتطلعين للديمقراطية والمشاركة في القرار. ولذلك تحالفت مع تيار الإسلام السياسي الذي استخدم الدين لإضفاء شرعية لهذه الأنظمة تحت شعار طاعة ولي الأمر، حتى ولو كان ظالماً حسب المفهوم المتوارث. بل إنهم زينوا لأجيال وراء أجيال أنه لا شرعية للنقد أو الاعتراض على الحكام باسم الفتنة والفتنة أكبر من القتل، وأسبغوا على الحكام صفات الورع والتقوى والعدل تيمناً بالخلفاء الراشدين. وبالمقابل حصدوا المغانم المادية والمناصب العليا والامتيازات.

وجاء الربيع العربي ليحدث زلزالاً في الوضع العربي، وليطيح بأنظمة ويجلب أخرى غير مأمونة. الوضع أصبح مقلقاً مع وصول الإسلام السياسي إلى السلطة في مصر وتونس وليبيا، وجزئياً في المغرب واليمن، وإمكانية وصوله للسلطة في سورية والأردن والحبل على الجزائر.

هنا حدث الانقلاب في الاستراتيجية الخليجية، خصوصاً في ظل تسابق ممثلي الإسلام السياسي في بلدانهم لزيارة ومباركة حكام الإسلام السياسي وأحزابها في مصر وتونس، وتلاحمهم مع التنظيمات الدموية المتطرفة في سورية، ودفعهم للعديد من الشباب الخليجي المخدوع للتطوّع في ساحات القتال في سورية واليمن على سبيل المثال، وتدفق الأموال الخليجية لدعم هذه التنظيمات الإسلاموية والتيارات المتطرفة وتمويل العمليات الإرهابية.

هنا تخوفت الأنظمة الخليجية من انتقال العدوى إليها، فيصبح الموالي طامعاً في الحكم أو شريكاً على الأقل، خصوصاً أنها في تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة التي انقلبت أيضاً من راعية للإرهاب الإسلاموي إلى قائدةٍ للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الإسلاموي. كما أن بعضها مندفعٌ في لبرلة الاقتصاد والحياة والانفتاح على الآخر... واللبيب بالإشارة يفهم، في حين أن هؤلاء يكفّرون ذلك، مطالبين بإغلاق البارات والكابريهات والفنادق والحفلات الماجنة إلى آخر المعزوفة.

هنا حسمت الأنظمة الخليجية أمرها وغيّرت مواقفها 180 درجة، وذلك بالانقلاب على حلفائها الإسلاميين في بلدان التغيير وفي مقدمتها مصر، ودعمت مادياً وسياسياً النظام الجديد، أو «تحالف الديمقراطية والعسكر» الذي أطاح بحكم الإخوان، فماذا يعمل المروجون الذين سكبوا شلالات من الحبر، وبُحّت أصواتهم في الفضائيات وهم يشيدون بأنظمتهم الراعية، ويسفّهون القوى الداعية للتغيير وللديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمشاركة السياسية ووضع حد للفساد المستشري، ونهب ثروات البلاد والعباد؟

ما عليهم سوى نقل البندقية من الكتف اليمين إلى الكتف اليسار. وهكذا لم يترددوا في اللجوء إلى ترسانتهم المعهودة ليشيطنوا الإخوان المسلمين والسلفيين والتيار الإسلامي السني كما الشيعي، وليحوّلوا تاريخاً طويلاً من التحالف بين الأنظمة وهذا التيار، إلى تاريخ مفبرك من التنافر والتآمر من قبل هذا التيار ضد أولياء النعمة. لكنهم في خضم ذلك لم ينسوا المعارضة الديمقراطية أو القوى المجتمعية المنادية بحقوق الإنسان، بل اعتبروها قوى متطرفة مغامرة لا تدرك «الخصوصيات الخليجية»، والمطامع الخارجية في بلداننا التي حباها الله بالنفط والغاز. بل وصل الشطط ببعضهم أن يصفوا اليساري بالديني، ويصموا التيار والمنظمات والشخصيات اليسارية بالطائفية والتبعية للتيار الديني، بل والعمالة للخارج، بما في ذلك العمالة لأميركا حامية الأنظمة.

لقد اتضح بجلاء بؤس هؤلاء المروّجين وفساد بضاعتهم وافتقادهم للمصداقية والنزاهة، بل والمهنية الصحافية. وكما نظّروا في السبعينيات بأن البرلمان حرام، أو أنه لا يصلح لنا نظراً لـ «خصوصيتنا»، وأن «مجالسنا هي برلماناتنا»، فإنهم يروّجون اليوم للبرلمانات الكسيحة، كتعبير عن إرادة الشعب، بينما إرادة الشعب تصنعها الملايين في الشارع، والتي كنست دولة الإخوان في مصر بكامل مؤسساتها وتلوّح بكنسها في تونس.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4004 - الجمعة 23 أغسطس 2013م الموافق 16 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 7:01 ص

      إنفلونزة بقر أو جنون دجاج أمريكي؟

      يبدو ولا يبدوا أن جنون البقر إنتقل الى رحمة الله بينما إنتقال رئاسة الولايات المتفككه وبريطانيا التي حولت أموال وإستثمارات الى بريطاني لم ترقع الاقتصاد البريطاني ولا الحروب التي تشنها المجموعات الارهابية التي تزهق الأرواح مقابل المال. اليسا في عالم العجائب تسأل أليس المال مال الله والأرض كذلك؟. إشلون تقول أمريكا أنها حاكمة الكون؟ أو من أعطاها هذه التركه كي ترثها؟

    • زائر 17 | 6:52 ص

      بدل بس لا تعدل ولا تقيم عدل - حالفين أطلسي

      إعادة توزيع مصادر الطاقه (البترول والغاز) من شركات بريطانيه الى شركات أمريكيه. فإعادة ترسيم الحدود البحريه ...لا عبين في منطقة الخليج كرة قدم ..

    • زائر 16 | 6:44 ص

      ابو حسين

      يا اخي العزيز الدكتور لم يدافع عن اايران او نظرية ولاية الفقة فهو يتكلم مشكلة موجود
      في دول الخليج العربية الرجاء هل تستطيع التعليق على الموضوع وبلاش طائفي زايدة

    • زائر 15 | 6:25 ص

      حكام ولايات أو خشب مسند أو تسلل أو فاول

      ليس بسر أن الولايات المتحده ولية أمر المسلمين اليوم وطاعتها ليست من طاعة من أمر بمعروف ونهى عن منكر. فلا طاعة إلا لمن أطاع الله وليس لمن أطاع ولي أمر يأمر الناس بالقتل و إحتلال دول ومستشار من بريطانيا وآخر من أمريكا ليش ما يحتسبب تسلل وتدخل في شئون وخصوصيات دوله خليج موحده ومتعاونه من باب البر والتقوى أو من باب الإثم والعدون يعني؟

    • زائر 14 | 6:15 ص

      جنون عظمة أو هيمنة امريكيه جديده ؟

      حسبما تقول التوقعات الفلكيه التي تنبأت بها البلغاريه فانغا أن أوربا ستخليها عصابات ارهابيه أعدتها أمريكا بتعاون دول صديقة. مشكلة الحرب على الإرهاب مع الفوضى الخلاقه والإفلاس الذي حدث في اليونان والعدوى منتقله الى بقية دول الاتحاد محتمله أن تخلي أوربا ليهاجرون ليس الى أمريكا أو كندا وإنما تبحث عن ملجأ آمن آخر لها في مستعمراتها القديمة. فقد أحدثوا فوضى في السودان وعقود جديده على البترول. وبرنامج البترول مقابل الغذاء كما في العراق....

    • زائر 10 | 3:12 ص

      انظمه

      انظمه ليست تحت حكمهم مجرد نواطير ينفدون ما تملى عليهم اسيادهم من الغرب والامريكان ولو اذي الى القتل المتعمد لأحدهم وهذا ماحصل الى بعضهم وسيحصل الى الأخرين وماقيمة هؤلاء الخبراء واو واو الموجدون فى كل زاويه من الدوله.

    • زائر 9 | 2:44 ص

      المروجين

      المروجون ليس لهم دين ولا مذهب ولا مبدأ لا لون ولا طعم لهم مثل الماء الذي ينساب إلى أي فتحه يجد فيها مصلحه له واعلم أن لو أسيادهم وأولياء نعمتهم انتقلوا إلى الخط الآخر لرايتهم اول الناس يطالبون بما ينكرونه اليوم على الآخرين

    • زائر 6 | 2:16 ص

      دول الخليج تحاول الوقوف ضد تيار التغيير

      هناك الكثير من دول العالم سبقنا الى التطور والتغيير والتقدم ولكن للاسف حكومات الخليج مصرّة وملحّة على تخلفها وبقائها متقوقعة في مكانها بل تتراجع كل يوم .
      الجشع والطع لدى هذه الحكومات يجعلها تقاوم اي سبيل يعطي لشعوبها اقل القليل من حقوقهم وتراهم ينفقون مئات المليارات من اجل شراء ذمم دول عالمية ولو انفقوا نصف هذه المليارات على شعوبهم لتغير الحال .
      يشترون حكومات بأكملها بصفقات خيالية ولكن التقطير هو السائد لشعوبهم
      لا ادري هل هي سياسة جوع كلبك يتبعك والى متى تكون هذه نظرتهم لشعوبهم

    • زائر 5 | 1:43 ص

      اذا كان هذا حال كتابنا

      تحليل بعيد جدا عن الواقع ، عزيزي الكاتب إذا لمرتفهم إلا سبب تأيد دول الخليج ما عدى قطر لليبراليين في مصر ، كان الأحرى بك سؤال أصغر طفل في المحرق وسيخبرك عن السبب. ببساطة أنظمة الخليج ليست متحالفة مع الإسلاميين ، لكن الإسلاميين في الخليج يرون إن من مصلحتهم الحالية أن يدعموا هذه الأنظمة وكان هذا الوضع سيتغير بالتأكيد عن وصول هذه القوى لحكم بلد مثل مصر ، دول الخليج تسير بنهج ليبرالي واضح للجميعبما فيهم السعودية التي تحاول التخلص من العبائة السلفية لكن ببطئ حتى لا تثير الأغلبية السلفية من مواطنيها.

    • زائر 4 | 1:30 ص

      الي على راسه بطحه

      لقد فهمو العبه قبل الغير لئن انهيار الاخوان والسلفين في مصر يعني كره المصرين لهم ونشر فضائحهم وشراء سكوتهم بهذه الحركه العجيبه وعلى قولت المثل نتغذى فيهم قبل ما يتعشو فينا

    • زائر 3 | 1:07 ص

      ربنا يهديكم ويفرج عنكم

      «القضية مع الإخوان أننا في الأنظمة الخليجية نقول إنه (لا حول ولا قوة إلا بالله)، والجماعة ترى أن لها حولًا ولها قوةً»، أن «جماعة الإخوان تريد الحكم بالإسلام، ونحن نريد أحكام الإسلام».

    • زائر 2 | 11:12 م

      توضيح

      انت تتكلم عن الانظمه الخليجيه وعدم الخروج عن طاعة ولي الامر ... طيب لماذا لم تشر الى ايران .. اليس النظام الايراني يحرم ويجرم الخروج عن طاعة المرشد .. اليس المرشد هو الحاكم الفعلي لإيران .. اليس الحرس الثوري تابع للمرشد بينما الجيش الايراني الاقل تسليحا وقوة تابع للحكومه الايرانيه

    • زائر 7 زائر 2 | 2:23 ص

      انت اذا لديك رد يفنّد كلام الكاتب فرد عليه برد منطقي

      كلامك عن ايران هروب من واقع لا تستطيع انكاره ولا رده. ما ادراك ان الكاتب لا يحمل نفس الفكر عن ايران ولكن ما شأنه وشأن ايران هو يتحدث عن دول تعنيه سياستها. تعليقك هذا هروب من واقع لا تستطيع ان تقول ان ما ذكره الكات خطأ ولكنك تحاول صرف الناس لجهة اخرى وهذا اسلوب عقيم. هذا مثل الذي يجيب السؤال بسؤال آخر. هل تستطيع تفنيد ما قاله الكاتب راونا مراجلك. انتم هكذا اذا طالبنا بحقوقنا في البحرين قلتم سوريا وقضية الشعب السوري اذا تكلمنا عن الخليج قلتم ايران. حشر ايران في الموضع لا يخدم الموضوع

    • زائر 8 زائر 2 | 2:27 ص

      اي بس ويش عندكم من رد غير ايران

      من يطرح عليكم احد حقيقة تؤلمكم رأسا قفزتم على ايران ويلاه من ايران
      ما لنا ولايران دولة شقة طريقها ولها سياستها المستقلّة مهما قلتم عنها وليست تبع لا لامريكا ولا لغيرها بلد تحافظ على كرامتها وكرامة شعبها.
      الكاتب تكلم لك عن دول الخليج هل لديك رد منطقي على ما يقوله
      رد عليه برد يكذب ما يقول اذا ما عندك نقط العالم بسكوتك احسن
      تجيب طاري ايران وسوريا ليش يعني بس من باب المشاكسة

    • زائر 19 زائر 2 | 1:05 م

      رد على 7 و 8

      ايران كل يوم تتحدث عن البحرين عبر وزراء الخارجيه والدفاع والاعلام والقنوات المموله من ايران .. فهل قلتم لإيران لا شأن لكم بالبحربن .. بل ان القنوات الايرانيه متفرغه للبحرين وللمعارضه كل يوم .. اما الدول الخليجيه والعربيه فإننا تحت مظلة الجامعة العربيه ومجلس التعاون ولغه ودين ومذهب ومصالح ااستراتيجه مشتركه.. فهل ستقول ايضا لا شأن لكم بفلسطين .. اعتقد كلامي واضح

اقرأ ايضاً