لم تَبقَ إلاَّ الأحلام كي نشعر بحريتنا وخصوصيتنا. بل هي المنجى الوحيد كي نُعوِّض نقصنا بما ليس عندنا، فنكون على غير هيئتنا الحقيقية. أن نسْرَح فيما ليس بأيدينا، فنتخيَّله وقد أصبح لنا قبل أن ترتدّ إلينا أجفاننا.
الفقير، الذي هَدَّه العَوَز، يستطيع أن يكون أثرى أثرياء الأرض، في بحر دقيقتيْن من الحُلْم. والسجين المُصَفَّد بالأغلال منذ سنين وراء القضبان، يستطيع أن يكون حُرّاً طليقاً بين أهله في غضون ثوانٍ معدودات فقط.
الجميع، يستطيع أن يحصل على ما ليس عنده عبر الأحلام. كان أحد الأدباء العرب يقول، بأنه وعندما كان في السِّجن، كانت الأحلام والتمنيات، هي المكان الوحيد الذي لم تصله آلة الرقيب بالنسبة إليه، ولغيره من السجناء معه، لذا، كانوا يحتمون بها للتنفيس طيلة حبسهم. لكن الصحيح والثابت بالنسبة لهذا أو لغيره، هو أن الفارق بين الحلم والحقيقة، كالفارق بين الموجود والعَدَم. هذه هي الحقيقة المُرَّة.
بعضهم، يتفنَّن في تقريب أحلامه من واقعه، كي يتلمَّظ شيئاً مما حُرِمَ منه، فيُمارس فعلاً لكنه مُوجَّهٌ بالأحلام والتمنيات! كيف؟ أتذكر هنا حكاية من الذاكرة، وهي أن أحد الفقراء، ذهب إلى جوار أحدِ المطاعم، ووقف بالقربِ من نارٍ فيه يُشوَى عليها اللحم، وأخذ يشمُّ بأنفه رائحة الشَّوي سُعُوطاً بعد آخر، ثم يُتبعها بلقمة تلو الأخرى من الخبز الخالي، فنَهَره صاحب المطعم عن فِعله، وخيَّرَه بين الابتعاد أو الشِّراء من المحل.
فغضب الفقير، ثم أخرَج من جَيْبِهِ درهماً يتيماً، ورَماه على الأرض، ثم سألَ صاحب المطعم: هل سَمِعتَ صوت الدرهم وهو يضرب الأرض؟ فأجاب نعم. فقال الفقير: هلاّ أرجعتَ لي نقودي التي سمعتها. فقال صاحب المطعم: إنني سمعتها لكنني لم آخذها منك. فقال الفقير: أنا كذلك، وقفتُ بالقرب من نارِ دكَّانك، أشمّ رائحة شَوْي اللحم، لكنني لم أذُقه! فتلعثم صاحب المطعم ولم يرد جواباً عليه.
الحقيقة، أنه ليس الضعفاء، هم فقط مَنْ يحلمون، بل حتى الجبابرة والحكَّام. فالأحلام ليس لها سقوف. وما دامت هي كذلك، فهذا يعني أنها تشغل بال الكثيرين (بلا استثناء)، لسد نقص هنا أو هناك. بعض من أولئك الحكام تمنّى أشياء في السياسة، وآخرون تمنَّوا أشياء في الاقتصاد والحرب. بل وآخرون تنموا أشياء لم يحصلوا عليها في حياتهم الخاصة، سواءً في عوائلهم، أو في سلوكهم الشخصي، أو في قدراتهم النفسية.
عندما وَقَفَ الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون أمام السد العالي في مصر قال: تمنيتُ لو أن الولايات المتحدة (وليس الاتحاد السوفياتى) «هي التي ساعدت في بنائه». أيضاً، تمنى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، لو أنه يستيقظ من نومه، ليَجِد قطاع غزَّة وقد رُمِيَ في البحر، كي يتخلَّص من هذا الكابوس. وهو ذات الأمر، الذي تمناه إسحاق رابين قبل اغتياله.
أما الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون فقد تمنى مغادرة البيت الأبيض وهو في نعش؛ لأنه «أحب كونه القائد الأعلى» في الولايات المتحدة الأميركية. الرئيس الأميركي باراك أوباما وفى لقاء مع مجموعة من المراهقين في شيكاغو، قال: «كابنٍ لأم وحيدة، أعطت كل شيء لديها لتربيتي بمساعدة جدي وجدتي، أصبحت على ما يرام، ولكن في الوقت نفسه تمنيت أن يكون لدىّ أبٌ حولي، ومشاركٌ في هذه المسألة»، وهو تعبير عن حاجة خاصة.
الرئيس السوري بشار الأسد، وبعد أن أسقطت المضادات الأرضية السورية، طائرتيْن تركيتيْن في يوليو من العام 2012، وألقت بهما في مياه البحر الأبيض المتوسط، قال وخلال لقاء صحافي: «تمنيتُ لو أن القوات السورية لم تُسقِط الطائرتيْن». وتستمر التمنيات والأحلام للرؤساء، بذات المقدار الذي هو للضعفاء. وربما السِّيَر الذاتية لأولئك الزعماء، حافلةً بالقصص والمواقف، التي عبَّروا فيها عن تمنياتهم لأشياء لم تتحقق لهم.
هذا الأمر يُدلِّل لنا، أن الموضوع غير خاضعٍ للضعف أو القوة، بقدر ما هو خاضعٌ لنسبيَّة بني البشر. نسبيَّة في التفكير وفي القدرات العضلية. وربما تظهر هذه النسبيَّة والمحدودية، لدى المقتدرين من الناس، أكثر من غيرهم. فالفقراء، هم بالأصل مُعْوَزون، أما الميسورون، فهم الأقدر على انتقاء الخيارات، ورغم ذلك، تجدهم غارقين في الأحلام.
لكن ولكي لا تموت الآمال، أقول، أنه وأمام كل تلك التمنيات، انبَلَجَت أفكارٌ جيدة عند بني البشر. فكثير من الأشياء الكبيرة، كانت في بدايتها حلماً، ثم أصبحت فكرة، ثم مشروعاً. فالحلم، قد يكون جزءًا من التنفيس والتمتمة، ثم النوم على أثيره، لكنه وفي أحيان أخرى، يُصبح دافعاً للعمل والإنجاز، وإثبات الذات إذا كان مقبولاً عقلاً وتجيزه النواميس. وقد مَنَحتنا التجارب عديداً من الناس، ممن كانوا نسياً منسياً، إلاَّ أنهم أصبحوا لاحقاً، أصحاب مشاريع وأسماء كبيرة، ملأت العالم والثقافة زخماً.
في كل الأحوال، نحن مَنْ يستطيع أن يُغيّر عناوين الأوصاف (وليس العكس)، فنجعل من الحلم حقيقة، لكننا وفي الوقت نفسه، يجب أن نَعِي أمرين اثنين: الأول أنه بإمكاننا أن نحلم بالنجوم، لكن ألا ننسى أن أقدامنا على الأرض كما قيل. والثاني: أن ليس كل شيء قابلاً للتحقق، فهناك أحلام لا يُمكنها أن تصير حقيقة لأن مقاسها لا يحتمل إلاّ الحُلم (ما خلا التدافع)، وهي بالتالي، كالاعتقادات الراسخة عدوة للحقيقة، وأكثر خطراً من الأكاذيب كما قال الفيلسوف الألماني نيتشه.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4002 - الأربعاء 21 أغسطس 2013م الموافق 14 شوال 1434هـ
حلم أو حقيقة ما جرى على مدرسة أبو زيدان؟
قد يكن إختلطت المعاني بالأسامي أو الأسماء قد تلبسوا به أولبسوا الباء بالخاء أو الباطل بالحق. يا سلام سلم إسلام مقنع وإسلام مقرقع ومفرقاعات وتفجيرات وربهم قال لهم لا تعتدوا لا قتلوا.. قرعويه لبس ثياب خليجنا إثنين أو ثلاقاء او أربعاء بس نس أمس واليوم وغدا من أيام الأسوع أيضا. لكن في ناس ما تفرق أو ما يفرق عليها الليل من الليلة ولا الأمس من الأمسيه. أين الصح أو الصحو أو أين الباطل في إنشاء مساجد ومسجد الخميس صارله سنين مغلق للترميم أو ما فيه كاف لإرجاع الحق الى أهله.
واسرائيل أيضا
وحلم الصهاينة باسرائيل الكبرى ولم يحصلوا سوى اضغاث احلام