العدد 4002 - الأربعاء 21 أغسطس 2013م الموافق 14 شوال 1434هـ

سقوط مشروع أردوغان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الغرائب التي سيتوقف التاريخ أمامها عند ذكر ضحايا الربيع العربي... سقوط رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.

اليوم لم يعد للأردوغانية أيّ بريق، رغم ما حظيت به من ترويجٍ وتسويقٍ في العالم العربي خلال الأعوام العشرة الماضية. وطالما قدّم الغرب، والأميركيون خصوصاً، التجربة التركية كنموذج يحتذى للاسلام «المعتدل»، في قبالة التجربتين الإيرانية والماليزية مع ما لهما وعليهما من مآخذ وملاحظات.

قبل عامين، ومع انطلاق الربيع العربي، بدت المنطقة مقبلةً على مرحلةٍ من سيطرة أحزاب «الاسلام السياسي». كان هناك حديثٌ متزايدٌ عن بروز محور «شيعي»، وكانت هناك تطلعاتٌ لاستقطاب ما أمكن من أنظمةٍ وشعوبٍ عربيةٍ وتكتيلها في محور «سني» مضاد. كنا على شفا حفرةٍ من حرب المئة عام السنية الشيعية، خصوصاً بعد تفجّر الأوضاع في سورية، بعد قمع الحراك السلمي بشدة وعنف.

كانت سياسة تركيا التي أكسبتها احترام أبناء المنطقة، تبنّي سياسة «تصفير المشاكل» مع دول الجوار، إضافةً إلى اتخاذ مواقف مساندةٍ لغزة المحاصَرَة بعدما تخلّى عنها العرب وشاركوا في خنقها وإحكام الحصار.

بداية سقوط تلك السياسة كانت مع التدخل التركي البراغماتي في ليبيا إلى جانب حلف الناتو. لقد تصرّف أردوغان كتاجرٍ لئيمٍ عينُه على الغنائم بعدما ينجلي غبار الحرب. وأعقب ذلك تدخله في سورية، فأصبحت تركيا ممراً لتهريب الأسلحة والمقاتلين من عشرات الدول والجنسيات، اعتماداً على حساباتٍ ثبت عدم صحتها بشأن سرعة انهيار النظام السوري، الذي توقّعوه خلال أسابيع، ولكن لم يتحقّق بعد أكثر من ثلاثين شهراً. لقد ساهم أردوغان في تقويض إحدى ثورات الربيع العربي السلمي والدفع بها إلى نيران العسكرة.

في هذا الهدف - السوري - اشترك معه آخرون، فيما بدا حلفاً جديداً سيحكم المنطقة، وفق خطة المقارعة السنية الشيعية، وبدأ أردوغان يتكلّم علانيةً عن «سنة سورية»، و«أهل السنة والجماعة» في لبنان، متطلعاً إلى الحكّام الجدد من الاخوان في مصر وليبيا وتونس. لقد بدا مشروعاً واعداً، وبدا أردوغان مرشّحاً للعب دور السلطان في هذا المشروع السياسي الكبير. لقد بدا قامةً كبيرةً وسط مجموعة من الحكام المغمورين الجدد.

لم يكن الأتراك يخفون تطلعاتهم لاستعادة نفوذهم في جوارهم العربي، وكانوا يتكلّمون دون تقيةٍ عن العثمانية الجديدة، في أحد أطوار انبعاث القومية «الطورانية» تحت غطاء إسلامي جميل. ماذا تبقى اليوم من هذا الحلم الجميل؟

بعد إزاحة حكم الاخوان وخلع الرئيس محمد مرسي، اتخذ أردوغان موقفاً غاضباً من «الانقلاب»، وزادت حدته مع استخدام القوة لفض اعتصام العدوية وما تبعه من عمليات قتلٍ وسجنٍ وملاحقات. وفي تصريحاته الأخيرة، ذهب إلى اتهام حلفائه التقليديين (الولايات المتحدة و«إسرائيل»)، بالوقوف وراء الانقلاب، مؤكداً أنه يمتلك الأدلة والبراهين. لقد كانت لحظة المفاصلة والصدام.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل حدث شرخٌ كبيرٌ آخر مع دول الخليج، التي بدت في تفاهمٍ وانسجامٍ تامٍ معه في سياسته السورية. هذا المحور الذي حذّر من خطورته ملك الأردن قبل أربعة أشهر، المكوّن من تركيا ومصر ودولتين خليجيتين، انفرط من جديد. مصر سقطت. والدولتان الخليجيتان تصادمتا، وبقيت تركيا وحدها تعلك لجامها.

لقد فقدت الأردوغانية كل بريق، ولم يعد أردوغان زعيماً كبيراً حتى على مستوى الداخل التركي بعد أحداث تقسيم. وسيكتب التاريخ أن رئيساً تركياً كان يحلم بالتتويج سلطاناً في البحر الأبيض، كان من بين من أسقطهم الربيع العربي.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4002 - الأربعاء 21 أغسطس 2013م الموافق 14 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 6:18 ص

      اردوغان

      اردوغان هو نفسة كمال اتاتورك و انما بمظهر اسلامي و حجاب زوجتة و اكيد قائد ناجح في ادارة اقتصاد تركيا و نهضتها و كل اهتمامة فقط تركيا و غير مهتم في العالم الاسلامي و يتمنى الرجوع للزمن العثماني و السيطرة على الدول العربية لمصلحة تركيا و للاسف العرب بسبب الضعف دائما يستقون بالاجانب لأنقاذهم

    • زائر 14 | 4:02 ص

      مسكين والله

      هههههههه سقوط ارودغان هههه ده عشم ابليس في الجنة, رجل الوحيد في العالم

    • زائر 12 | 2:27 ص

      إن نحن الا كالكرة يتقاذفها العالم ولا نستحي

      نتبجح بانتمائنا للاسلام ولسنا مسلمين نحن ابعد ما نكون عن اي ديانة فقد اصبح الشعوب الاسلامية اكثر الشعوب حبا لسفك الدماء والقتل والتعذيب والتخلي عن كل القيم الانسانية والاخلاقية. بل والادهى اصبحنا كرة في يد العالم الآخر يتقاذفها ذات اليمين وذات الشمال ويوجهوننا كيفما يشاؤن يختارون لنا الاعداء
      والاصدقاء فاسرائيل اصبحت الآن شقيق واستبدلنا مكانها ايران العدو الاوحد.
      لعب وضحك على الشعوب الغبية والجاهلة والمتخلفة

    • زائر 6 | 1:11 ص

      وماذا

      وماذا عن المشروع الايراني وتدخله السافر في العراق وسوريا

    • زائر 8 زائر 6 | 1:39 ص

      الجواب..!!

      انتظر الرد من شهر أيلول (سبتمبر) إلى كانون الأول (ديسمبر)..

    • زائر 4 | 12:20 ص

      يستاهل غدع الساذج من هواة يملكون فقط المال

      بعد نجاحه في تصفير المشاكل مع دول الجوار العراق الأردن لبنان سوريا وايران واقامت تحالفات تجارية ومناطق حرة انعكست على الداخل فجأة تتحول البوصلة بعدم توهم من قبل اصحاب دول الاعتدال بان مستقبله وبلده معهم واروه بريق المال وذهب بعيدا في احلامه واستيقاط من ثورة المزارعين في الشمال وكساد سوقهم وتعطل الشحن بالشاحنات وهو الآن يبكي عزا فرط فيه ونقول يستاهل ونتمنى سقوطه.

    • زائر 3 | 11:03 م

      ما كان لله ينمو

      وأما الزبد يذهب جفاء

    • زائر 5 زائر 3 | 12:37 ص

      صدق الله العظيم

      صح السانك

    • زائر 2 | 10:58 م

      أحسنت مقال رائع وتحليل دقيق

      الله يحفظك هل ترى أي مستقبل للديمقراطية في الشرق الأوسط المتشبع بروح الدكتاتوريات التي صاغة فكر وتوجهات كثير من النخب الدينية والثقافية والسياسية حتى اصبحت تمارس الإقصاء الذي تشبعت به خلال عقود الإستبداد الحاكم؟

اقرأ ايضاً