في حلقة «لمين الحمص» في المسلسل السوري «وطن حاف» لمؤلفه كميل نصراوي، ومخرجيه مهند قطيش ومحمد فردوس، نجح المؤلف نجاحاً يحسب له، حين أسقط قضية الحمص التي أثيرت في العام 2009 بين العدو الصهيوني ولبنان على الواقع السوري بكل ما يعيشه من تناقضات وصراعات، وعلى الواقع العربي بكل ما يعيشه من «استنكار» و«تنديد» و«خطابات»؛ إذ أعاد المشاهد إلى حادثة الحمص حين ادعى العدو الصهيوني أنه هو صاحب تاريخ الحمص، فثارت ثائرة اللبنانيين وقاموا بإعداد صحن حمص يدخل موسوعة «جينيس» كأكبر صحن حمّص في العالم.
لكن ما حدث في المسلسل ليس هذا بالطبع؛ إذ أظهرت حلقاته صراعاً نشب بين القرى السورية حين كان الإعلام يرصد خطوات المتنافسين في محاولة نسب أصل الحمص لهم بعد أن أعلن العدو الصهيوني أن الحمص إسرائيلي ودخل موسوعة «جينيس» بصنعه أكبر صحن حمص، فقد أقامت سورية حملةً تحت شعار «صحن الحمص لمين»، لإثبات أن أصل الحمص سوري وليس إسرائيلياً، ولكن هذا الصراع تحوّل إلى صراع سوري سوري بين المناطق! ثم ما لبث أن تحوّل إلى صراع سوري لبناني بعد أن استطاع مدير الحملة الإعلامي إقناع السوريين بأن الحمص لا ينتمي إلى منطقة بعينها بل إلى كل السوريين.
هذا الصراع انتقل بعدها إلى الدول الأخرى حين تصالحت سورية مع لبنان وتحوّل إلى صراع عربي شامل! ثم تبنت الجامعة العربية المصالحة بين الدول العربية في قمة ظهر خلالها أمين عام الجامعة العربية وهو يقرأ خطابه قراءةً حرفيةً كما هو في الواقع، وقرّرت حينها الدول العربية مساندة سورية في صنع أكبر صحن حمص ليحطم الرقم الاسرائيلي في «جينيس»، وبالفعل أعدت العدة وحضر موفد من «جينيس» في اليوم المقرّر وسط احتفال كبير بعد أن قرّر مسئولو الحملة إعطاء هذا الحدث صفةً رسميةً لا شعبية، من خلال عدم قبول تبرعات من الشعوب بل حصرها في المؤسسات الرسمية، وهو ما حدث بالفعل، إذ دخل الكرتونات وسط أغانٍ حماسية تندّد بالعدو الصهيوني، وكانت المفاجأة: جميع العلب كانت لا تحوي إلا بيانات وخطب ورسائل مساندة وشجب واستنكار، ولم تحتوِ على حبة حمص واحدة!
وفي مشهد أجاده فن الكوميديا السوداء، كان المسئولون يرمون الرسائل بداخل الصحن الذي امتلأ بالأوراق والخطابات، في حين أصيب المراسل التلفزيوني بالإحباط هو ومن كان حاضراً، قبل أن يناديه أحد المحكمين ليخبره أن العرب حطّموا الرقم القياسي بالفعل، ولكن من خلال صنع أكبر صحن خطابات استنكار وتنديد، في إشارة إلى أن العرب لم يجتمعوا يوماً إلا من أجل تلاوة البيانات، ولم يتقدّموا خطوةً واحدةً تجاه القضايا التي تعصف بهم.
الحلقة ركّزت أيضاً على دور الإعلام في إشعال الفتن أثناء أي خلاف عربي داخل الدولة الواحدة أو بين الدول، كما لم تغفل دور الشعوب التي لو ترك لها المجال لاستطاعت أن تحقّق ما عجزت عنه الأنظمة السياسية، حين كرّر المؤلف في أكثر من موضع أن التبرعات لا يجب أن تكون بصفة شعبية بل بصفة رسمية، لأنهم حين يفتحون باب التبرع للعامة سيغرقون بالحمص.
هكذا نجح المؤلف في خلق جو كوميدي يسخر من الواقع المرّ، من غير ابتذالٍ أو سخفٍ كما يحدث في مسلسلاتنا الخليجية حين تقدّم مسلسلاً كوميدياً!
هكذا هي الشعوب، وهكذا هي الأنظمة العربية... تناقضات بين الفعل والتصريحات، فمتى تحكم الشعوب أوطانها؟
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4002 - الأربعاء 21 أغسطس 2013م الموافق 14 شوال 1434هـ
صحيح ولاشي عربي
للاسف اليوم لا نستطيع التفاخر الا بالمأكلولات العربية
كاسك يا وطن
هذا هو حال العرب.
فن راقي
الفن السينمائي السوري من ارقى الفنون على مستوى الوطن العربي ويحمل هموم الناس.